أطفال الجبل بالجزائر.. أبرياء دون نسب وُلِدوا خلال سنوات السبي والاغتصاب
تقرير: حمزة عتبي
الجزائر (CNN)-- لا يزال ملف أطفال الجبل ممن ولدوا في معاقل الجماعات الإسلامية المسلحة في تسعينيات القرن الماضي أو ما عُرف بـ (العشرية السوداء) في الجزائر يراوح مكانه لعدم توفر إطار قانوني كفيل بمعالجة القضية الذي باتت تتعاطى معها السلطات الجزائرية بكثير من الحساسية.
فوضع هذه الفئة من الأبرياء الذين أنجبتهم علاقات زواج عرفي أو نتيجة عمليات اغتصاب تعرضت له فتيات من طرف إرهابيين بعد أخذهم كسبايا خلال عمليات الاختطاف والدهم الليلية للبيوت، يتطلب تدابير قانونية إضافية مستقلة عن التشريعات الأخرى السارية في البلاد وبالأخص منها قانون الأحوال الشخصية وقانون السلم والمصالحة الوطنية الذي لازال يلقى انتقادات بعض مكونات المجتمع الجزائري.
ومعظم هذه الحالات، كانت قوات الجيش وأسلاك الأمن المشتركة قد عثرت عليها أثناء مكافحتها الميدانية لنشاط الجماعات الإرهابية المتخندقة عادة في الجبال والمناطق المهجورة، وفي السياق، قال اللواء المتقاعد مجاهد عبد العزيز لـ CNN بالعربية " كنا نعثر على هؤلاء الأطفال في ظروف صحية سيئة، حيث كان الجيش يتولى رعايتهم صحيا ثم يحيلهم على مصلحة الشؤون الاجتماعية لوزارة الدفاع التي تحوّلهم إلى السلطات المدنية".
وحسب رئيس الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل (ندى)، عرعار عبد الرحمن، يقدر عدد الأطفال المولودين في الجبال بـ600 طفل تتراوح أعمارهم عادة بين 5 و15 سنة.
ووفقا لعرعار فقد تمت "معالجة ملفات عديد الحالات بينما لا تزال البعض منها عالقة في أدراج العدالة والهيئات المعنية".
وعلى ما يبدو، فالسلطات الجزائرية غير قادرة على اتخاذ قرارات حاسمة لطي الملف بسبب غموض التشريعات والقوانين سيما وأن البرلمان الجزائري يلتزم الصمت ويأبى الخوض في المسألة رغم مطالب المنظمات الحقوقية، وهذا ما يؤكده البرلماني السابق امحمد حديبي عن تكتل الجزائر الخضراء المعارض.
يقول حديبي: "الحكومة الجزائرية عجزت عن التكفل بفئة أطفال الجبل رغم اعترافها ببراءتهم وهذا مردّه إلى غياب إرادة سياسية قوية في معالجة الأزمة الأمنية معالجة موضوعية".
وسبق لرئيس اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان (هيئة حكومية)، مصطفى فاروق قسنطيني، أن أقر، في تصريحات صحفية سابقة، غياب نصوص قانونية صريحة تحمي هذه الفئة، وقال في المضمون، "القانون الجزائري لم يجد بعد الحل لظاهرة أطفال الجبل، الذي يعد موضوعا شائكا بسبب غياب تدابير قانونية واضحة بهذا الشأن".
وفي اعتقاد الكثير من الحقوقيين، فإن أبرز ما يواجه هذه الفئة من مشاكل هو "حالتهم الشخصية فهم في أمس الحاجة إلى تقييدهم في سجلات الحالة المدنية وهذا يتطلب تثبيت زواج أوليائهم إن كان زواجا تتوفر فيه الشروط القانونية، ثم إلحاق نسبهم قانونا بهذا الزواج "، حسب الخبير القانوني عمار خبابة.
وتابع خبابة حديثه لـ CNN بالعربية "نصوص السلم والمصالحة لا تُفرد أحكاما لهذه الفئة ، لأن هذه النصوص عالجت الموضوع بصفة عامة".
وفي صلب الموضوع، يؤكد القيادي في الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، عبد الغني بادي، انعدام قوانين تخص هذه الفئة بل هي -في رأيه- مجرد وعود يطرحها الخطاب السياسي للدولة دون أن تجد لها آليات للتجسيد والتنفيذ، معتبرًا أن دور وزارة التضامن الوطني والأسرة هزيل ولم يخرج من نطاقه الوظيفي.
كما يبقي عدم وجود آلية قانونية لتسوية وضعية هؤلاء الأبرياء نتاج السبي والاغتصاب الإشكالية قائمة، حيث يقول المحامي بادي معلقا على الموضوع: "من الصعب تسوية وضعية أطفال السبي والاغتصاب إلا باللجوء لتقنية الحمض النووي ADN ، وإلا يُنسبون لأمهاتهم تلقائيا".
ومن جانبها، حذرت خبيرة شؤون الأسرة الدكتورة مشري فريدة من عدم الاكتراث بالملف، قائلة "اذا لم يتم التكفل بأطفال الجبل من الناحية النفسية والاجتماعية فنحن ندفع بهم لأن يكونوا مشاريع إرهابيين في المستقبل، فهؤلاء نشأوا في جو مشبع بالعنف ومنه تكون شخصيتهم غير سوية".
وإذا افترضنا إمكانية نقل هؤلاء الأطفال من الجبال إلى مراكز الرعاية -تضيف مشري- فإن "مشكل الهوية والحالة المدنية سيكون عائقًا نفسيًا أمامهم"، ممّا يستلزم، حسب رأيها، وضع إستراتيجية نفسية اجتماعية لإعادة إدماجهم في المجتمع وتطهير أفكاره من العنف والتشدد التي نشأ فيها.
وبين ثقل القضية وعبئها على المجتمع الجزائري المحافظ في طبعه وبطء تعاطي الحكومة مع الملف بالكيفية اللازمة من خلال سن قوانين صريحة تضمن لها الرعاية اللازمة، يبقى حلم هذه الفئة التي خلفتها "المأساة الوطنية" هو حيازة وثائق الهوية والتمتع بكامل حقوق المواطنة .