"الزطلة".. مخدرات تعبث بعقول شباب تونس وترميهم نحو الهاوية

نشر
6 دقائق قراءة
Credit: THOMAS WIRTH/AFP/Getty Images

تقرير: منية غانمي

محتوى إعلاني

تونس (CNN)-- بدأت قصته داخل أسوار المدرسة، في الرابعة عشر من عمره، كان طالبا مجتهدا في الصف الثاني إعدادي إلى أن شاءت الصدف أن تضع في طريقه أصدقاء قادوه إلى طريق آخر، طريق بدايته نور لكن نهايته كانت مظلمة.

محتوى إعلاني

أحمد ضيف الله روى قصته مع إدمان المخدرات، لـ CNN بالعربية، عاش في أسرة فقيرة متكونة من 7 أفراد في أحد الأحياء الشعبية ضواحي تونس العاصمة، هو كبير العائلة، أبوه عامل يومي أما أمه فربة بيت وجميع إخوته يدرسون، الحياة كانت صعبة بالنسبة له، حرم منذ الصغر من أبسط متطلبات العيش.

يقول ."على الرغم من حياتي البائسة كنت مجتهدا في دراستي وأجد فيها متعة تنسيني همومي ومعاناتي، لكن رحلتي تحول مسارها بتعرفي على أصدقاء سوء خارج أسوار المدرسة، ليبدأ فصلا آخر من حياتي بدخولي إلى عالم المخدرات".

أولى خطوات انحراف أحمد بدأت منذ أن دخن أول سيجارة "زطلة" (حشيش من نبتة القنب الهندي)، لم تعجبه نكهتها في البداية، قرّر عدم تكرار التجربة، لكن أصدقاءه سخروا منه ومن مدى عزيمته ورجولته، فتحدّاهم وأعاد التدخين مرات عدة إلى أن تطوّر به الحال وأصبح مدمنًا ،وضع جديد جعله يهمل دراسته ويتغيب عن الدروس بصفة دورية قبل أن يترك الدراسة نهائيا.

كان يعتقد أنه يثبت رجولته من خلال تعاطي المخدرات. يرى في أصدقائه السند الحقيقي وليس عائلته التي تسولت له ترك هذا الإدمان، اعتبر أن المخدرات هي الطريقة الوحيدة لتحسين وضعه الاجتماعي أو نسيانه، فحبات المخدرات كانت تجعله يعيش في عالم آخر، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، ليجد نفسه في نهاية الرحلة خلف القضبان.

قُبض على أحمد بعد أن تسبّب في حادث مرور، التحاليل الطبية التي أجريت عليه أثبتت وجود نسبة عالية من المخدرات في دمه وكذلك تم العثور على كمية من مخدرات في داخل السيارة، فحكم عليه بالسجن ثماني سنوات بتهمة التعاطي والترويج.

داخل الزنزانة بدأ حياة ثانية، عالم مغلق و مظلم ومنعزل وموحش، فرغم أنه تعرف على العديد من الشباب ينفذون مثله عقوبات بقضايا في المخدرات، إلا أن الحياة داخل الأسوار كانت خالية من كل أشكال البهجة وتغلب عليها الآلام، طوال فترة سجنه غلب عليه الشعور بالذنب والندم على ما اقترفت يده، وانشغل بالتفكير على طريقة للخلاص والاستقامة والتوبة.

"دخولي إلى السجن ووفاة والدي وأنا داخله كان نقطة التحوّل في حياتي، بعد خروجي حاولت تغيير طريقة عيشي إلى الأفضل، عدت إلى رشدي وقررت التوقف نهائيا عن التعاطي واستجمعت قوتي، كنت أشعر بالحزن والعار كلما شاهدت زملائي في الجامعة، وبعضهم التحق بوظائف مرموقة، وأنا أعيش حياة مريرة جراء أخطائي".

أحمد أصبح يعيش حياة طبيعية بعد خروجه من السجن، وهو يحاول بناء نفسه من جديد وبداية حياة شريفة، لكنه إلى الحد اليوم فشل في الحصول على موطن شغل دائم لتأمين احتياجاته.

قصة أحمد هي مثال لآلاف قصص أخرى لشباب غرقوا في براثن المخدرات، ظاهرة تفاقمت في صفوف الشباب في تونس واجتاحت الفضاء المدرسي بقوة بعد الثورة.

آخر تقرير حكومي تونسي صدر مؤخرا من طرف إدارة الطب المدرسي والجامعي التابعة لوزارة الصحة التونسية، كشف أن التلاميذ الذين جربوا المواد المخدرة في المؤسسات التربوية يتوزعون بين 61 في المائة ذكورا و40 في المائة من الإناث.

 وأظهرت الدراسة كذلك أن 12 تلميذاً من بين 30 تلميذاً تونسيا، يتعاطون مخدر "الحشيش" داخل المعاهد الثانوية والمدارس الإعدادية.

أرجع عبد المجيد الزحاف رئيس الجمعية التونسية للوقاية من المخدرات ارتفاع نسبة الإدمان على المخدرات لدى الشباب خلال السنوات الأربع الماضية إلى تحول تونس من أرض عبور إلى أرض سوق تباع وتشترى فيها مختلف أنواع المخدرات في غياب يكاد يكون كليا لأية خطة ناجعة لمكافحة الظاهرة من قبل السلطات الأمنية التي انشغلت بمحاربة الإرهاب.

وتحاول السلطات الأمنية التونسية تكثيف عملياتها على المتعاطين والتجار والمهربين من أجل الحد من هذه الظاهرة وقد نجحت في تفكيك شبكات مختصة بترويج المخدرات في عدد من المحافظات التونسية.

يذكر أن القانون التونسي يعاقب بالسجن من عام إلى خمسة أعوام، وغرامة مالية ما بين ألف إلى ثلاثة آلاف دينار (نحو 1500 دولار)، كل من استهلك نباتاً أو مادة مخدرة في غير الأحوال المسموح بها قانونياً، كما يعاقب بالسجن من ستة أشهر إلى ثلاثة أعوام، وغرامة مالية من ألف إلى خمسة آلاف دينار (نحو 2500 دولار)، كل من تردد على مكان أُعدّ لاستهلاك المخدرات.

أما المروّجون، فتتراوح عقوبة سجنهم من ست إلى عشر سنوات، وغرامة مالية من 5 آلاف إلى 10 آلاف دينار (نحو 5000 دولار)، أما المهرب أو المورد، فيعاقب بالسجن من 10 إلى 20 عاماً، وغرامة مالية من 20 ألفا إلى 100 ألف دينار (نحو 50 ألف دولار).

وفي ظل ذلك، يطالب العديد من الحقوقيين ونشطاء المجتمع المدني بضرورة التخفيف من هذه العقوبات، معتبرين أن السجن ليس الحل بل يجب العمل على إيجاد حلول أخرى لهذه الظاهرة.

وفي هذا السياق كشف وزير العدل محمد صالح بن عيسى الشهر الماضي، أنه سيتم تنقيح قانون المخدرات وإحالته على مجلس الشعب للنظر في إمكانية المصادقة عليه وذلك لتفادي اكتظاظ السجون التي امتلأت بمستهلكي المخدرات.

نشر
محتوى إعلاني