"داعش" يستمر في الانتشار داخل ليبيا عبر تجنيد الأطفال وغسل أدمغتهم
تقرير: منية غانمي
ليبيا (CNN)-- تغيرت حياتهم من البراءة إلى احتراف القتال، أطفال بعمر الزهور تحولت أحلامهم من الدراسة وحمل الكتب والمحفظة إلى الجهاد وحمل السلاح، مئات أو آلاف الأطفال الليبيين يوجدون أمام خطر ارتباط حياتهم بالأحزمة الناسفة ومصيرهم بالإرهاب والعنف.
عادل الطلحي باحث ورئيس المركز الليبي لدراسات الإرهاب، أكد إن المركز شخّص خطورة الأمر منذ عام 2014 عندما تأسست معسكرات لأشبال تنظيم في مدينة درنة، مشيرا إلى أن عصابات داعش قامت بفتح معسكر آخر لتدريب الأطفال في سرت أين يتم تجنيد ما يقارب عن 100 طفل دون سن الثامنة عشرة من العمر وإدخالهم في برنامج لغسل الأدمغة و تدريبهم على القتل والذبح والعمليات الانتحارية.
في هذه المعسكرات التدريبية التي لا تقتصر على سرت ودرنة فقط بل تمتد إلى صبراتة وحتى بنغازي، يكبر الأطفال على دروس العنف ويتعلمون فنون القتال، دروس تبدأ بالنظري وتنتهي بالتطبيقي وتكون النتيجة طفل عنيف، كله من أجل تلبية طلبات تنظيم داعش بخلق جيل جديد من الإرهابيين يضمن له استمراريته وبقائه.
الطلحي أوضح أن هذا الخطر أصبح يهدد السلم الاجتماعي الليبي عن طريق صناعة جيل متطرف عنيف تم تغذيته عقائدياً وتدريبه سلوكاً لا يعرف سوى لغة العنف و التطرف.
وبدورها الناشطة في المجتمع المدني والإعلامية الليبية قدرية عثمان الشهيبي، اعتبرت في تصريح صحفي، أن داعش اليوم تريد إعادة هيكلة جيشها من خلال ضخ دماء شابة جديدة ووجدت في الأطفال لقمة سهلة للانقضاض عليهم وافتراس فكرهم اليانع، مشيرة إلى أن عمليات التجنيد تتم في وضح النهار ودون رقيب.
يذكر أن تنظيم داعش في ليبيا أعلن الأسبوع الماضي عن قرب تخريج الدفعة الأولى من أشبال الخلافة وعددهم 85 طفلا تتراوح أعمارهم بين 13 إلى 15 سنة، مؤكدًا في بيان له إن الأطفال تلقوا تدريبات على مدار 3 أشهر على التفخيخات والعمليات الانتحارية واستخدام الأسلحة.
ويعتمد تنظيم داعش ليبيا في تجنيد الأطفال واستقطاب صغار السن على استراتيجية خاصة وأساليب عديدة لمحاولة التأثير عليهم وجرّهم إلى بؤر الإرهاب.
محمد الزوي عسكري في الجيش الليبي، وصف لـ CNN بالعربية الطريقة التي تتبعها التنظيمات المتطرفة لتجنيد الأطفال في ليبيا واستغلال صغر سنهم، مؤكدًا أن قصة تجنيد الأطفال القاصرين تبدأ إمّا بالترغيب أو الترهيب.
وأشار إلى أن المجموعات الإرهابية استطاعت أن تسيطر على المساجد وتعيّن أشخاص لديهم خلفية دينية كواجهة لسكان المنطقة عادة يكونون من الجيران أو شخص مشهود له بالكلام الدائم عن الدين ومظهره يريح القلب، للإشراف على دور تعليم القرآن للناشئة.
وقال الزوي:" الدروس تبدأ باختيار بعض الصغار أعمارهم من 6 إلى 15 يتم عزلهم في دروس خاصة ويشرحون لهم عن ميزات الجهاد ونيل الشهادة والجنة ونعيمها، ثم يقومون بوضع ألعاب فيديو وغيرها في مقرات خاصة بها عصائر وشكلاطة حتى ينسجم هؤلاء الصبية ويشعرون أنه لا حاجة لهم أن يكونوا في أي مكان آخر".
وأوضح أن المرحلة الثانية تكون بإغراء الأطفال عن طريق المال لجعلهم جواسيس يعملون لصالحهم من أجل إخبارهم عن الناشطين أو العسكريين وإعلامهم بكل تحركاتهم وذلك لكونهم صغارا ولا يشك بأمرهم.
وتابع أنه بعد تنفيذ عملية الاغتيال للناشط الذي وقعت مراقبته يخبرون الطفل الذي قام بعملية المراقبة، أنه شريك في الجريمة، وينتظرون ردة فعله، إن اعترض واستنكر فعلهم ورفضه يقنعونه بالآيات والأحاديث المغلوطة،إن تمسك برفضه يقومون باغتصابه وتصويره فيديو، فلا يستطيع بعد ذلك أن يتملص منهم.
وأضاف أن الإغراءات التي يتلقاها الأطفال تتمثل في حصولهم على مبلغ مالي عن كل عملية اغتيال حتى لو اقتصر دورهم على المراقبة فقط، ثم يتضاعف المبلغ إذا قام الطفل بعملية الاغتيال، مشيرا إلى أنه أحيانا يسمحون لهم بقيادة سيارة من الموديلات الحديثة إضافة إلى تمكينهم من هواتف جوالة فخمة.
وفي نفس السياق، سالم غانم مسؤول أمني سابق في جهاز مكافحة الإرهاب للنظام السابق، قال إن التجنيد يبدأ سواء في الملتقيات الشبابية أو من خلال السيطرة على المساجد وإقامة دروس للقرآن داخلها يتم من خلالها تلقين الأطفال خطبا ودروسا دينية تحريضية، بعدها يتم اكتشاف الأكثر ميولا لحمل هذه الدروس واستيعابها، كما يتم التركيز خاصة على الذين يتمتعون بالشجاعة والخفة وبعض النزعات الإجرامية.
وتابع في تصريح لـCNN بالعربية، أن داعش لديه قسم للحسبة يشرف عليه مشايخ ومهمته تنظيم الملقيات والنشاطات الدعوية وتوزيع المطويات على المواطنين وخاصة الأطفال، كما يفرض حضور الأطفال عند تنفيذه أحكام الذبح وقطع اليد وغيره ليقتل فيهم روح الرحمة ويعوّدهم على الدم والعنف.
وأضاف أنه بعد الإعداد الفكري وتلقي الأطفال خطبا ودروساً إيديولوجية تحريضية تنمّي لديهم مشاعر التعصب، يبدأ الإعداد البدني من خلال حصص رياضة بدنية ثم التدريب على حمل جميع أنواع الأسلحة وكيفية استعمالها.
وخلّص أن داعش تهدف من وراء ذلك إلى بناء جيل ثاني من الإرهابيين، موضحا أن ذلك لا يقتصر على تنظيم داعش فحسب لأن أنصار الشريعة تسير كذلك على نفس المنهج.
لكن النائبة بالبرلمان الليبي ومسؤولة عن لجنة الأم والطفل سلطانة المسماري أوضحت أن تنظيم داعش تجاوز منابر المساجد وأصبح يقوم بالتعبئة داخل المدارس من خلال فرض منهج دراسي جديد حسب وجهة نظرهم ومن خلال المنهج يتم توجيههم وغسل أدمغتهم.
وأضافت لـCNN بالعربية أن التجنيد يتم كذلك عن طريق قنوات الإعلام الداعمة للإرهاب وكذلك من خلال صفحات التواصل الاجتماعي وبعض العائلات التي تؤيد الإرهاب.
وخلال الفترة الماضية، فقدت الكثير من العائلات في ليبيا أبناءها بعد تجنيدهم من قبل المتطرفين سواء بموتهم في جبهات القتال أو استمرارهم في تعزيز صفوف هذا التنظيم.
يصف صالح عبد السلام نازح من درنة إلى طبرق، حالة جارته أم محمد منذ أن التحقا ابنيها محمد 13 سنة ومحمود 10 سنوات بالتنظيم قبل أربعة اشهر بالمؤسفة، مشيرا إلى أن الدموع لا تكاد تفارق عينيها وهي تشعر بالحسرة لأنها لم تتفطن إلى دمغجتهم وتغيرهم إلا بعد فوات الأوان.
وقال لـ CNN بالعربية " بعد توقف الدراسة بسبب تردي الوضع الأمني بالمدينة، اضطرت المرأة إلى إرسال ابنها محمود إلى المسجد لحفظ القرآن ولتعليمه الكتابة خشية عليه من الانحراف والأمية، لكن داخل المساجد كانت تجري عمليات دمغجة، حيث استغل المتطرفين صغر سنه لتلقينه ثقافتهم ورسموا له صورة مثالية لمستقبله معهم، فاقتنع محمود وقام بالتأثير على أخوه محمد الذي تبع خطواته".
وفي ظل هذا الواقع ارتفعت أصوات المنظمات الحقوقية للمطالبة بالتدخل ووضع حد لهذه الظاهرة التي باتت تهدد مستقبل الطفولة في البلاد.
أحمد عبد الحكيم مقرر حقوق الإنسان في اللجنة الليبية لحقوق الإنسان، قال إن تجنيد الأطفال في صفوف تنظيم داعش يعد ناقوس خطر وجريمة أخرى تضاف لسجل جرائم وانتهاكات التنظيم الإرهابي بحق المدنيين بليبيا.
واعتبر في حديث مع CNN بالعربية، أن بيئة العنف التي زرعها تنظيم داعش الإرهابي في ذاكرة الأطفال وخطورة تجنيدهم يدعو لمطالبة المجتمع الدولي ومفوضية الأمم المتحدة للأمومة والطفولة اليونسيف، بضرورة التسريع في اتخاذ التدابير التي تساهم في الحد من تجنيد الأطفال وحمايتهم.