محلل بـCNN: هل كانت رحلة فاروق للسعودية حيث تزوج شريكته بجريمته المستقبلية بداية عملية "تحوله الجهادي"؟
مقال لبيتر بيرغن، محلل شؤون الأمن القومي بـCNN، ونائب رئيس مؤسسة "أمريكا الجديدة" وأستاذ في جامعة أريزونا الأمريكية، والمقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي CNN.
أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)- مذبحة سان برناردينو هي الهجوم الأكثر دموية في أمريكا منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001.
قبل وفاتها بوابل من رصاص الشرطة، نشرت المرأة المهاجمة، تاشفين مالك، على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تعهدها بالولاء لزعيم داعش، أبو بكر البغدادي، من خلال حساب لم تستخدم فيه اسمها الحقيقي، حسبما قال ثلاثة مسؤولين أمريكيين مطلعين على التحقيق لشبكة CNN، الجمعة.
ويساعد ذلك الخبر في توجيه التحقيق بعيدا عن كون هجوم سان برناردينو حالة من العنف في مكان العمل، ويجعله جريمة إرهابية. وبالفعل، أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، الجمعة، أنه بدأ التحقيق في الهجوم باعتباره "عملا إرهابيا".
إذ لم يكن من المنطقي أن تكون الواقعة إحدى أحداث العنف بمكان العمل الشائعة، كما اعتقد البعض في البداية، فبعد كل شيء، جهزت مالك وزوجها رضوان فاروق مصنع قنابل في منزلهما حيث أعدا عشرات قنابل الأنابيب، وحصلا على بندقيتين ومسدسين وكذلك 4500 طلقة من الذخيرة، وكانا يرتديان ملابس "تكتيكية" تشبه طراز ملابس الجيش وأقنعة سوداء أثناء هجومهما.
وبذل الزوجان جهدا كبيرا لإخفاء آثارهما، إذ دمرا القرص الصلب بجهاز الكمبيوتر، وحطما هواتفهما المحمولة ولم يكن لهما أي وجود على وسائل الإعلام الاجتماعية.
واستطاعا تأمين نفسيهما من خلال حياتهما كزوجين ليسا بحاجة لإرسال رسائل البريد الإلكتروني أو إجراء مكالمات هاتفية لمناقشة مؤامرتهما، حيث حافظا على ما يُسمى بـ"ذوي الجلود النظيفة"، من غير المعروفين لسلطات إنفاذ القانون.
وباختصار، يبدو أن فاروق ومالك خططا لنوع من الحملات القاتلة، ونعلم الآن أنها كانت بالنيابة عن تنظيم داعش.
(ومما يعارض أيضا فكرة أن ما حدث كان هجوم إطلاق نار عادي، من النوع الذي يتكرر كثيرا في الولايات المتحدة، هي حقيقة أنه في الأغلب يُنفذ مثل تلك الهجمات شخص واحد. ووفقا لمكتب التحقيقات الفيدرالي، من بين 160 واقعة لـ"مطلق نار نشط" في أمريكا بين عامي 2000 و 2013، شملت تلك القائمة واقعتين فقط كان لمنفذ الهجمات شركاء.)
الحلم الأمريكي
كان فاروق ومالك لكل النوايا والمقاصد يعيشان الحلم الأمريكي، إذ حصل فاروق، البالغ من العمر 28 عاما، على أكثر من 70 ألف دولار سنويا في وظيفة بالطبقة المتوسطة، وعاش الزوجان في منزل من طابقين في حي به حدائق مرتبة العشب، وكانا قد احتفلا للتو بولادة طفلهما الأول في شهر مايو/ أيار الماضي.
وقد تبدو هذه الحقائق مثيرة للدهشة، فبعد كل شيء، يتصور الكثير من الناس الإرهابيين الشباب الذكور دون أطفال، يعيشون على هامش المجتمع ولديهم سجل جنائي. ورغم أن هذا التصور صحيح إلى حد كبير في حالة الإرهابيين الذين نفذوا سلسلة هجمات باريس الشهر الماضي، إلا أن وضع المسلحين الجهاديين الأميركيين مختلف تماما.
جمعت مؤسسة "أمريكا الجديدة" قاعدة بيانات لأكثر من 300 متشدد متهم بارتكاب نوع من الجرائم الإرهابية في أمريكا منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر. من هؤلاء؟ متوسط أعمارهم في الـ29 من العمر، وأكثر من ثلثهم متزوج ولديهم أطفال. إنهم، في المتوسط، بنفس مستوى تعليم الأمريكي النموذجي.
وفي ظل هذه الحقائق، ما الذي يدفع هؤلاء المتشددين الأمريكيين إلى طريق التطرف وكيفية يمكننا معرفة ما الذي تسبب في توجه فاروق وزوجته إلى هذا المسار؟
ونُشرت دراسة شهيرة حول عملية التطرف من قبل شرطة مدينة نيويورك عام 2007. وقام تقرير "التطرف في الغرب: الخطر المحلي المتزايد"، بتصنيف الإرهابيين المتطرفين في الغرب، كأشخاص "غير مميزين" تتراوح أعمارهم بين الـ15 والـ35، وعامة يكونون مثقفين من الطبقة الوسطى، وكثير منهم نشأوا كمسلمين غير متدينين أو حولوا ديانتهم إلى الإسلام، ولم يكن للعديد من المتآمرين علاقة بالمنظمات الإرهابية الكبيرة.
ولكن نوعا من الأزمات الشخصية، سواءً كان فقدان الوظيفة أو تجربة عنصرية أو الغضب الأخلاقي الناجم عن طريقة تعامل المجتمع العالمي مع المسلمين في الصراعات الدولية، أو وفاة أحد أفراد العائلة، "فتح إدراكهم" لمنعطف المعتقدات السلفية، وهو الشكل الأصولي للإسلام السني، ويتجلى ذلك في ارتداء الزي الإسلامي التقليدي وإطالة اللحية.
ولا يُنذر ذلك في حد ذاته بالخطر، فإنها كانت ممارسات أصولية بسيطة. ولكن في المرحلة التالية من تطرفهم، تأخذ وجهات نظرهم منحنا سياسيا أكبر، ويعزل المسلحون أنفسهم عن المجتمع، ويقضون المزيد من الوقت فقط مع من يشاركهم وجهات النظر من الأفراد المتطرفين.
ويصف التقرير المرحلة النهائية قبل قيام الناس بأعمال إرهابية باسم "التحويل الجهادي"، وهي النقطة التي يقرر فيها المتشدد بتأدية الجهاد، وغالبا ما يأخذ ذلك القرار شكل السفر إلى الخارج للتدريب.
وبعد رحلة قام بها فاروق إلى المملكة العربية السعودية في عام 2013 وعام 2014، بدا فاروق أكثر ورعا، وفقا لزملائه بالعمل، الذين أشاروا إلى إطالته لحيته. وتزوج أيضا مالك في السعودية، التي يُفترض أنها شاركته آرائه الدينية الأصولية لدرجة أنها كانت على استعداد لارتكاب عمليات انتحارية معه. ومالك أصلا من أصول باكستانية، وصلت إلى الولايات المتحدة بتأشيرة كخطيبة فاروق، أصبحت بعدها أحد المقيمين بصفة قانونية.
هل كانت رحلة فاروق إلى المملكة العربية السعودية عملية "تحويله الجهادي"؟ لا نعلم ذلك في هذه المرحلة، ولكن يبدو أن رحلاته هناك حولته في اتجاه الأصوليين بدرجة أكبر، وحيث التقى هناك وتزوج شريكة في الجريمة بالمستقبل.
من هم أتباع داعش بأمريكا؟
تعهُد مالك بدعم داعش في أمريكا، ليست منفردا، إذ حقق مكتب التحقيقات الفدرالي بأنصار داعش في جميع الولايات الخمسين، خلال 2015، وبحلول أوائل ديسمبر/ كانون الأول اتهم أكثر من 80 متطرف بنوع من الجرائم المتصلة بسوريا، بدءا من التخطيط للسفر إلى سوريا إلى التآمر لشن هجوم في الولايات المتحدة، وكلها تقريبا مستوحاة من داعش. وكانت 2015 سنة الذروة لمثل هذه الحالات منذ عام 2001.
وأصبح من ينشد إلى داعش أصغر سنا وزاد عدد الإناث فيهم مقارنة بالأجيال السابقة من المسلحين الأمريكيين، إذ يوجد مراهق من أصل كل خمسة مسلحين، وكانت هناك أيضا ست فتيات في سن المراهقة، وأصغرهن كان عمرها 15 عاما.
وفي المتوسط، وفقا لبيانات مؤسسة "أمريكيا الجديدة"، كانت أعمار الأفراد المعنيين في التشدد السوري 25 عاما، وبينما كانت غالبية أنصار داعش في الولايات المتحدة من الرجال، إلا أن واحدة من كل ستة كانت امرأة وذلك يُعتبر تطورا غير مسبوق.
إذ أن وجود النساء نادر، بطبيعة الحال، بين الجهاديين في الحروب المقدسة السابقة مثل تلك في أفغانستان ضد السوفييت وفي البوسنة ضد الصرب والتمرد الأولي في العراق ضد الاحتلال بقيادة الولايات المتحدة.
ويأتي هجوم مالك وفاروق المشترك في سان برناردينو لينتج استنتاجا واقعيا، وهو أن الجهاديين الإناث يمكن أن يكن بمثل درجة خطورة نظرائهن من الرجال، بما في ذلك الولايات المتحدة.
ما الذي يمكن عمله حيال الذئاب المنفردة المناصرة لداعش كما يبدو أنه الحال مع مهاجمين سان برناردينو؟ يقول مكتب التحقيقات الفدرالي إنه بدأ نحو 900 تحقيق في المتشددين بأمريكا وإنه قام بعمل جيد في رصد واعتقال مجندي داعش.
ولكن في الحالات التي يمارس فيها هؤلاء المجندين ممارسات أمنية حذرة، يُصعب ذلك عمل الـFBI، ومن الواضح أن المكتب لم يتوقع أو يرصد مالك وفاروق. والحقيقة المرة هي أنه قد يكون هناك مسلحين أخرين، ولا يوجد الكثير بيد الأجهزة الفيدرالية لمنع عمليات هؤلاء الذين يُصفون بـ"ذوي الجلود النظيفة".
والشيء الوحيد الذي بالتأكيد يمكن القيام به هو التأكد من أن أكثر من 47 آلاف من الناس ممن على قائمة الأشخاص الذين لا يتم السماح لهم بالسفر جواً على متن طائرات مدنية، بشراء الأسلحة في الولايات المتحدة. إذ أنه من المدهش أنه على مدى العقد الماضي أو نحو ذلك، كان هناك أكثر من ألفي شخص يُعرف أو يُشتبه في أنهم إرهابيون اشتروا المسدسات والرشاشات.
وقدم كلا السناتور ديان فينشتاين من ولاية كاليفورنيا والنائب بيتر كينغ من نيويورك مشاريع قوانين لوضع حد لهذه الممارسة، ولكنها كانت في وضع حرج في الكونغرس حديثا في وقت سابق من الأسبوع الماضي.
إن مثل هذه الإجراءات لن توقف مالك وفاروق، لكنها قد تمنع آخرين، إنها مؤشر جيد لانكسار الكونغرس الذي لا يدعم مثل هذه الإجراءات المنطقية.