مطالب إلغاء معاشات البرلمانيين والوزراء.. كرة الثلج التي تكبر في المغرب

نشر
7 دقائق قراءة
تقرير اسماعيل عزّام
Credit: ABDELHAK SENNA/AFP/Getty Images

الرباط، المغرب (CNN)-- ليس النقاش حول معاشات الوزراء والبرلمانيين في المغرب مطلبًا جديدًا، فمنذ سنوات ومجموعة من الأحزاب السياسية والجمعيات الحقوقية تطالب بإعادة النظر في هذه المعاشات بالنظر إلى ارتفاع قيمتها ومنحها لأفراد يقدمون خدمات سياسية في مدة معيّنة، غير أن تصريحات الوزيرة المنتدبة المكلّفة بالماء، شرفات أفيلال، في برنامج تلفزيوني، أعادت النقاش إلى الواجهة، وجعلته حديث الساعة في المغرب.

محتوى إعلاني

شرفات أفيلال التي بخسّت من قيمة هذه المعاشات، واعتبرت أن النقاش حولها يعدّ ترهات، وجدت نفسها في مرمى انتقادات واسعة لم تملك معها غير الاعتذار، بيدَ أن الضجة لم تنته عند هذا الحد، إذ يصرّ العشرات من نشطاء المواقع الاجتماعية على الاستمرار في رفع مطلب إلغاء هذه المعاشات، معتبرين أن تكلفتها ترهق ميزانية دولة تعيش الكثير من التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وأن البرلمانيين والوزراء لا يمارسون مهنًا، بل مهمات سياسية لا تتطلب معاشات.

محتوى إعلاني

وبالعودة إلى تكاليف هذه المعاشات، فالقانون المغربي يضمن للبرلماني، سواء أكان في الغرفة الأولى أو الثانية، معاشًا بقيمة 5 ألاف درهم (506 دولار) إذا أكمل ولايته التشريعية الأولى (خمس سنوات)، وتتم طريقة الاحتساب عبر إضافة ألف درهم عن كل سنة تشريعية، ممّا يمكن من رفع المعاش حسب السنوات التشريعية شريطة عدم تجاوز 15 ألف درهم (1517 دولار)، بينما هناك ظهير شريف يمكّن الوزراء من معاش تصل قيمته إلى39 ألف درهم (3946 دولار).

ويصل عدد البرلمانيين في المغرب في الغرفة الأولى، أي مجلس النواب، إلى 395 نائبًا، بينما يصل في الغرفة الثانية، أي مجلس المستشارين، إلى 120 مستشارًا، في وقت فيه يصل عدد الوزراء في المغرب حاليًا إلى 39 وزيرًا، وهو رقم غير مستقر، إذ كانت هناك حكومات سابقة بعدد أكبر، وأخرى بعدد أقل.

هذه الأرقام تجعل من الممكن لقيمة المعاشات أن تصل، إذا تم احتساب فقط أعضاء الحكومة الحالية والبرلمانيين الذين أكلموا دورة تشريعية واحدة، إلى 4 مليون و96 ألف درهم مغربي شهريًا، أي سنويًا 49 مليون و152 ألف درهم، (4 مليون و960 ألف دولار)، بينما إذا تم احتساب البرلمانيين الذين أكملوا أكثر من دورتين، والوزراء السابقين، فالرقم سيرتفع بشكل كبير.

غير أن هذه المدافعين عن معاشات الوزراء والبرلمانيين، ينطلقون من حقيقة مفادها أن البرلماني يساهم في معاشه بقيمة 2900 درهم (292 دولار)، وهي القيمة نفسها التي يؤديها عنه البرلمان، ويعد هذا الاقتطاع أمرًا ضروريًا وليس اختياريًا، بمعنى أن البرلماني يساهم، انطلاقًا من التعويض الشهري الذي يتوصل به، في صندوق التقاعد الخاص به.

كما أن الوزير لا يستفيد من تقاعده إذا كانت له أنشطة تدرّ عليه دخلًا يصل أو يتجاوز قيمة المعاش، بينما إن كانت أنشطته الأخرى تدر عليه أقل من ذلك، فالتقاعد يمنحه الفارق المادي الذي يتيح له الوصول إلى قيمة المعاش، زيادة على أن أسرته، في حالة وفاته، تتوصل فقط بنصف المعاش. وفي ظل عدم وجود إحصائيات دقيقة لعدد الوزراء الذين يتوصلون بالمعاش، يبقى من الصعب التأكيد على أن جميع الوزراء يستفيدون منه.

الداعون إلى إلغاء هذه المعاشات، أطلقوا عريضة احتجاجية وصل عدد الموقعين عليها إلى حد الآن، إلى 20 ألف. ويقول عبد العالي الرامي، أحد المشرفين عليها لـCNN بالعربية: "إذا كانت رئاسة الحكومة تتبجح بإصلاح منظومة التقاعد وتجفيف كل منابع الريع السياسي بشتى الطرق التي كانت على حساب القدرة الشرائية للمواطن، فلم لا يتم التركيز على معاشات أفراد انتدبهم الشعب لخدمة المصالح العامة للبلد لفترة محددة؟" كنا ننتظر من نخبنا السياسية التناول عن هذه التعويضات، لكن على العكس، وجدناهم يصوّبون كل سهامهم للإبقاء عليها".

أمين السعيد، باحث في القانون الدستوري، أشار إلى أن الظهير الخاص بمعاشات الوزراء، الصادر عام 1975، غير منشور في الجريدة الرسمية، بمعنى "أنه من الناحية القانونية، معاشات الوزاراء غير قانونية لأن أيّ ظهير يستلزم هذا النشر كي يحدث أثرًا. أما من الناحية السياسية، ففي ظل حكومة ترفع شعار الشفافية، لا يوجد أي تقرير رسمي يقدم لنا الأرقام الحقيقية لعدد الوزراء أو عائلاتهم التي تستفيد من المعاش".

ظروف إصدار هذا الظهير تعود إلى فترة الملك الراحل الحسن الثاني، الذي وجد، وفق ما نقلته تقارير صحفية مغربية، وزيرًا سابقًا في حالة اجتماعية سيئة، فأصدر أمره بمنح هذه المعاشات كي يبقى الوزراء في مستوى اجتماعي يضمن هيبتهم كرجال دولة، كما أن رئيس الحكومة المغربية، عبد الإله بنكيران، أكد سابقًا أنه لن يقدم على إلغاء أو خفض معاشات الوزراء للسبب ذاته.

"فلسفة معاشات الوزراء أتت للحفاظ على مكانة الوزير الاعتبارية بما أنه يعكس صورة الدولة في المجتمع، وهو ما ينطبق على البرلمانيين. الآن يجب الدفع نحو قانون يتيح هذه المعاشات فقط للوزراء والبرلمانين الذين لا يتوفرون على موارد مالية كافية وفق شروط دقيقة وصارمة. ثانيًا يجب توحيد منظومة التقاعد بين الجميع أو على الأقل بنسب متقاربة، وبالتالي إعادة النظر في قيمة معاشات الوزراء والبرلمانيين بما يجعلها قريبة من المستوى العام للمعاشات" يقول أمين السعيد لـCNN بالعربية.

وبعيدًا عن الضجة الواقعة حاليًا، فنظام المساهمات التي نصّ عليه البرلمان لتمكين أعضائه من المعاشات سيوجد في وضعية صعبة بما أنه خرج في وقت كان فيه عدد أعضاء الغرفة الثانية من البرلمان يصل إلى 270 عضوَا، بينما قلص الدستور الجديد العدد إلى 120، الأمر الذي سيجعل من الصعب توفير تكاليف المعاشات وفق ما أكده مسؤول برلماني لجريدة الصباح المغربية. معطى جديد قد يدفع، إلى إعادة النظر في النظام ككل، إما عبر رفع نسبة الاقتطاعات أو مساهمة البرلمان، وإما حتى بالإنصات إلى مطالب الشارع.

نشر
محتوى إعلاني