الجزائر والسعودية.. هل تتجاوزان "فتورًا" بدأ بغزو الكويت وعززه تهاوي النفط ومصير الأسد والعلاقة بطهران؟
تقرير: حمزة عتبي
الجزائر (CNN) -- تفاوتت التقديرات في أوساط المحللين الجزائريين حول طبيعة العلاقات القائمة بين السعودية والجزائر بين من يراها "طبيعية" وتشوبها اختلافات بوجهات النظر، وبين من يرى أن الدولتين، وكلاهما من أهم وأقوى دول المنطقة وتجمعهما مصالح مشتركة في منظمة "أوبك"، مختلفتان حول جملة ملفات إقليمية، وسط تباين في تفسير أسباب ذلك وصولا إلى الحديث عن أزمة دبلوماسية "صامتة" بين الرياض والجزائر، تزداد هوتها اتساعا.
وجاءت الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية السعودية، عادل بن أحمد الجبير، إلى الجزائر، لتعيد فتح باب الجدل حول طبيعة العلاقات، إذ رأى البعض فيها محاولة لاحتواء الأوضاع وإيجاد حلول للملفات الدولية والإقليمية التي غذّت هذا الخلاف، خاصة بعدما كان من اللافت غياب الجزائر عن المشاركة في التحالف الإسلامي ضد الإرهاب المُشكل من 35 دولة، المعلن عنه من طرف السعودية.
ولم يطف إلى السطح سواء من خلال تصريحات الرسميين أو عن طريق تقارير إعلامية ما يدل على وجود "برودة" دبلوماسية بين البلدين، إلا أن تباين المواقف حول عدد من الملفات يوحي بوجود اختلافات قد تعود جذورها لسنوات خلت، بدأت بعدم معارضة الجزائر بشكل علني للغزو العراقي للكويت، واستمرت مع التقارب الجزائري الإيراني، الذي ظهر من خلال تبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين، وكذا تصنيف الجزائر ضمن الحلف الروسي في المنطقة.
كما أن رفض الجزائر الانخراط في التحالف العسكري العربي الذي قادته السعودية فيما سمي بـ "عاصفة الحزم" ضد الحوثيين في اليمن، ووقوفها ضد موقف السعودية الداعي إلى تنحية الرئيس السوري بشار الأسد، ساهما في مزيد من تباعد النظر بين الجزائر والرياض.
وعن أسباب هذه البرودة التي تطبع العلاقات، اتهم نور الدين المالكي باحث في ميدان الجماعات الإسلامية، الإدارة "المفرنسة" في الجزائر بالتشويش على العلاقات مع السعودية، مستشهدا -في حديثه لـ CNN بالعربية- بمصير المشروع الكبير الذي كان من المقرر أن تنجزه شركة المراعي السعودية، إلا أن عراقيل الإدارة حالت دون تجسيد هذا المشروع، فلهذا "أعتبر الإدارة الجزائرية وليس الحكومة هي من تعمل على تلغيم العلاقات".
أما الصحفية فتيحة بوروينة مراسلة جريدة الرياض السعودية من الجزائر، فترى أنه " لم يحدث أن أعلن البلدان صراحة أن أزمة صامتة تعكر صفو العلاقات بينها، حتى في عز الأزمة الأمنية التي عصفت بالجزائر زمن العشرية السوداء و اتهام شيوخ سعوديين بالوقوف وراء الفتاوى الجهادية التي قادت إلى اقتتال الإخوة الفرقاء في الجزائر" وفق قولها
واستبعد الدكتور الحبيب بليه أستاذ العلوم السياسية بجامعة مستغانم أن تكون هناك أزمة بين الجزائر والسعودية معتبرا أن الأمر يقتصر على "اختلاف في مواقف البلدين حيال العديد من الملفات السياسية الإقليمية، كالملف السوري، والملف اليمني، ومسألة التحالف الإسلامي ضد الإرهاب، إضافة إلى ملف تهاوي أسعار النفط في السوق الدولية".
وبخصوص المآلات المستقبلية، فيعتقد بليه لدى حديثه لـ CNN بالعربية أن " لا الجزائر يمكنها التخلي عن السعودية ولا السعودية يمكنها التخلي عن الجزائر، باعتبار الدولتين محوريتين وحاجة كل دولة لأخرى، كما أن ما يجمعها أكثر مما يفرقهما، فالاختلاف طبيعي ولا يمكن للدول أن تتفق وتتطابق مواقفها بشأن كل المسائل والملفات".
لكن أحمد إيدابير، الباحث في العلاقات الدولية والاستراتيجية بجامعة تمنراست، يربط هذه البرودة بنوعية "العلاقات الإيرانية الجزائرية الجيدة، إن لم نقل المتينة مقارنة لما وصلت إليه علاقة الجزائر مع السعودية، وهو ما زاد من تشنج العلاقات السعودية الجزائرية".
وواصل إيدابير حديثه لـ CNN بالعربية قائلا "الجزائر لا ترغب في خسارة دولتين فاعلتين في منطقة الشرق الأوسط كالسعودية وإيران، لذلك دائما تسعى الجزائر إلى خلق نوع من الحلول الوسطية القائمة على الحوار والتفاوض بدل الدخول في مواجهات مباشرة بين دولتين تملكان من الأهمية ذاتها بالنسبة للجزائر".
وتحاول السياسة الخارجية في إطار خطها الدبلوماسي الحفاظ على مستوى من الاعتدال بين الدول العربية، وهذا ما يؤهلها في نظر البروفيسور عبد العالي عبد القادر، الباحث في العلاقات الدولية لـ "لعب دور الوسيط في العلاقات العربية البينية"، ويضيف عبد العالي لـ CNN بالعربية حول مواقف الجزائر من القضايا الراهنة " السياسة الخارجية الجزائرية كان لها مواقف مختلفة ومعارضة تماما، من السياسة السعودية في المنطقة العربية، وقد بدا هذا الخلاف يتوسع بعد أحداث الربيع العربي".
ولعل المأخذ التي تعاتب الجزائر عليه المملكة العربية السعودية، هو عدم مجاراتها في سعيها الحثيث من أجل إعادة النظر في كميات النفط التي تنتجها السعودية بعدما عرف سعر النفط تهاويا كبيرا، ممّا دفع بالأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني في الجزائر، عمار سعداني، آنذاك، إلى توجيه انتقادات لاذعة ضدها، محملًا إياها مسؤولية هبوط أسعاره ورفضها مبادرة تقليص الإنتاج، وهو ما نفته السعودية، على لسان وزير النفط، علي النعيمي، الذي قال إن سياسة بلاده النفطية لا تستهدف أي بلد.
وتبقى المواقف المعلنة للمسؤولين في البلدين حريصة على إظهار العلاقات بشكلها الطبيعي، كالزيارة الأخيرة التي قادت رئيس الدبلوماسية السعودية إلى الجزائر قبل أيام، حيث أكد الجبير على وجود تطابق في الآراء في معظم الأمور الثنائية والإقليمية.
ومهما يكن، فبرودة العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والسعودية –حسب عبد العالي- لا تصل الى درجة التوتر والتناقض، نظرا "للمقتضيات المصلحية التي تراعيها كل من الجزائر والسعودية، حيث تراعي المملكة العربية السعودية اعتبارات التوازن بين علاقتها بين كل من المغرب والجزائر، وفي الوقت عينه تراعي الجزائر هذا التوازن من جهة في علاقتها بين دول الخليج، والدول التي تقف في المحور المضاد لدول الخليج مثل سوريا و العراق وإيران" وفق تعبيره.