صفية.. منظفة الشوارع التي اقتحمت مجال الذكور
سلا، المغرب (CNN)--منذ سبع سنوات وهي تنظف عددًا من شوارع وأزقة مدينة سلا دون كلل، فمنذ ذلك اليوم الذي قرّرت فيه اقتحام مهنة غالبا ما اختارها الرجال قسرًا هربًا من شظف العيش، وهي تحمل مكنستها كل صباح تقريبًا لجمع ما تيّسر من نفايات وتراب كي تساهم في توفير فضاء نقي، داخل مدينة تتضاءل فيها عامًا بعد عام المساحات الخضراء أمام استعمار الإسمنت والعمارات السكنية.
صفية، في منتصف عقدها الخامس، بقت وفية لمهنتها رغم التعب الذي يحيط بمهنة "صاحب الأزبال" (مول الزبل) في المغرب، إذ تصبر يوميًا على الانحناء والوقوف مرات متكررة لجمع نفايات متعددة الأسماء منها غلاف بسكويت التهمه أحدهم ورماه في الهواء دون تفكير في مآله أو قشرة ليمون استمتع أحدهم بلبها وترك البقية في الشارع.. لا يثنيها عن ذلك برد الصباح القارس، ولا شمس الظهيرة الحارقة، ولا حتى الأجر المتواضع.. كل شيء يهون ما دام العمل يحفظ كرامتها.
"كنت أعمل سابقًا خادمة في المنازل، لكن الأجر القليل والعمل الشاق جعلاني أفكر بضرورة البحث عن عمل آخر.. وهو ما أضحى ضرورة قصوى بعد وفاة زوجي، إذ صرت المعيل الوحيد للأسرة"، تتحدث صفية لـCNN بالعربية، بعدما قبلت منحنا بضع دقائق من وقتها وهي تدفع بحاويتها الصغيرة ومكنستها في اتجاه زقاق ينتظر التنظيف.
تعمل صفية من أجل توفير لقمة العيش لها ولابنتيها، واحدة بالغة من العمر 16 سنة تتابع دراستها، والثانية بعمر 21 سنة عادت لتعيش معها تحت سقف واحد بعد تجربة زواج غير ناجحة. تتحدث صفية أن توقيت عملها الذي يبدأ من الساعة السادسة صباحًا إلى غاية الساعة الواحدة والنصف ظهرًا، مكّنها من أن تجد وقتًا أوفر لبيتها، بدل ما كان يحدث سابقًا في المنازل عندما كانت تعمل لـ12 ساعة يوميًا.
"أنا قنوعة بعملي وسعيدة به، وما شجعني أكثر عليه أن الإسلام حثّ على النظافة وأتاح توابًا كبيرًا للإنسان عندما يجمع من الأرض ما يسبّب الضرر للآخرين، كما لن أنسى أن مسؤولي الأوّل ساندني عندما اعتدى عليّ أحدهم ذات يوم"، تُحاصرها ذكرى مرارة تلك التجربة، ثم تضيف:" عنفني أحد أصحاب المحلات ذات مرة، وكانت المرة الوحيدة الذي أتعرّض فيها لتجربة مماثلة في الشارع".
بيدَ أنه إذا ندرت المضايقات، فإن ما يزعج صحفية هو عدم حرص جزء كبير من الساكنة على نظافة الأزقة:" كثيرًا ما أجد نفسي مجبرة على إعادة التنظيف، حيث يرمي أحدهم الأزبال في الفضاء العام دقائق قليلة بعد مروري، بل هناك من يشجعه وجودي على رمي الأزبال، كأنه يقول لنفسه إنني ما دمت هنا، فمن حقه تلويث الشارع".
بعد هذه الدقائق التي منحتنا إيّاها صفية، استئذنتنا في العودة من جديد إلى عملها. في طريقها إلى مكنستها، راقبت من بعيد أحد الذين يبحثون حاوية بالشارع الرئيسي عمّا يصلح للبيع، دون اكتراث بما تناثر بسبب بحثه من نفايات صغيرة استقرت على أرضية نظفتها صفية قبل دقائق. بأسف تنهدت وهي ترّدد: "شفتي أوليدي.. ها اللّي هضرنا عليه" (هل رأيت يا بني.. هذا ما تحدثنا عنه).