كيف تنظر الجزائر إلى التدخل العسكري المحتمل في ليبيا ضد "داعش"؟
الجزائر (CNN)-- أعلن وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية الجزائري، عبد القادر مساهل، عقب المحادثات التي جمعته بوزير الخارجية التونسي، بحر هذا الأسبوع، عن اجتماع مرتقب لدول الجوار الليبي لبحث السبل الكفيلة بالدفع بالحل السياسي في هذا البلد، مؤكدا بأن دول الجوار مهتمة بوحدة و استقرار ليبيا وبالتوصل أيضا إلى إجماع دولي حول الحلول السياسية، في إشارة واضحة على رفض الجزائر لأي تدخل عسكري محتمل في ليبيا.
تأتي هذه التصريحات، في الوقت الذي تستعد فيه العديد من الدول الغربية، بالتعاون مع حلف شمال الأطلسي، لتنفيذ عمليات عسكرية ضد تنظيم "داعش" في ليبيا، وإن حدث، فيُعد هذا التدخل العسكري الثاني من نوعه، بعدما قام حلف الناتو والتحالف الدولي بقصف جميع المدن الليبية إبان حكم الرئيس معمر القذافى، مما تسبب في إغراق البلاد بالأسلحة وانتشار الميليشيات والتنظيمات الإرهابية.
وعن هذا الوضع الذي أفرزه التدخل العسكري الأول لحلف الناتو، يقول الكاتب الصحفي الليبي، عبد الباسط بن هامل "الجماعات الإرهابية أصبحت تستمد قوتها من تردي الأوضاع في ليبيا، بحصولها على الدعم المالي والتدريب وغيرها من وسائل الدعم كما هو الحال بمدينة "سرت" التي أصبح ميناؤها ومطارها تحت قبضة تنظيم داعش"، متسائلا خلال حديثه لـ CNN بالعربية، عن مصير المنطقة ودول الجوار.
وحول انعكاسات هذا التدخل علي ليبيا ودول الجوار، يضيف عبد الباسط: "ليبيا ليست بمعزل عن دول المنطقة وموقع ليبيا الهام جعلها مركز للقلاقل وانتشار السلاح وانتشار المليشيات وتنامي نفوذ داعش وغياب الدعم الحقيقي للحرس الحدود، كل هذه الأمور سمحت بأن تكون هناك انعكاسات خطيرة على المنطقة كارتفاع الجرائم وتحركات الإرهابيين وبالتالي المنطقة بالكامل ستكون معرضة لهذه الاضطرابات".
ويرى الصحفي بجريدة الخبر "حميد يس"، بخصوص تداعيات هذا التدخل على الجزائر، أن "الجزائر ستتحمل عبء أي عمل عسكري أجنبي في ليبيا، بل أصلا هي وتونس أكثر من تحملا تبعات تدخل ناتو عام 2011. والدليل هي شحنات السلاح المتسربة من ليبيا يوميا، بحسب تقارير وزارة الدفاع، زيادة على تسلل إرهابيين"، مشيرا في اتصال مع CNN بالعربية: "إذا وقع التدخل العسكري في ليبيا، فلا شك أن الجزائر ستكون خسرت رهانا دبلوماسيا، وستظهر الحلقة الأضعف في المعادلة الليبية".
كما يستبعد مراقبون مشاركة الجزائر في الحرب على داعش في ليبيا، لأن ذلك يتعارض مع عقيدة جيشها، وهذا ما يؤكده الباحث في العلوم السياسية من جامعة المسيلة، شوقي عرجون، أن "المشاركة الجزائرية المعلنة في الحرب على داعش في ليبيا سيخرق التزاماتها تجاه مبادئها"، موضحا لـ CNN بالعربية أن "الجزائر كانت تؤيد بكل حزم القرارات الدولية لمكافحة الإرهاب عبر العالم.. لكن المشاركة العملياتية والفعلية في الأمر كانت تشوبها السرية، مكتفية بالدعم الأمني الاستخباراتي".
وباعتقاد عرجون، فإن مشاركة الجزائر الميدانية في الحملة العسكرية، قد يجعلها "تحتوي بعضا من المخاطر، لأنها تكون في قلب التفاعلات ويمكنها التحكم إلى حد ما في تأثيرات المختلفة لمصادر الخطر الآتية من ليبيا لأن التواجد العسكري و العملياتي و الأمني في المنطقة يقلص حجم التهديدات"، بيد أن هذه المشاركة، حسب محدثنا، تكون نتيجتها "صناعة عدو جديد، قد يعلن حربا ضدها في المستقبل المنظور".
ويرجع الباحث في العلاقات الدولية الدكتور منصور قديدير، سبب تفضيل الجزائر للحل السياسي في ليبيا إلى أربعة أسباب منها "صعوبة حراسة آلاف الكيلومترات من الرمال و إلى جانب وجود جماعات إرهابية تنشط داخل البلد و الوضع السياسي الداخلي يجعل الجزائر في وضع هش على أكثر من صعيد، وكذا إنه "في حالة تدخل عسكري فإن الدور الأساسي سيرجع للقوى الدولية الكبرى و أن الجزائر سيكون لها دور ثانوي، وهي تدرك أنها ستحمل تبعات ما بعد التدخل".
ومن الأسباب أيضا، حسب قديدير، "خوف الجزائر أن تكون هناك تبعات التدخل على المستوى الأمني والعسكري و الاقتصادي والسياسي، فهي غير قادرة على مواجهة كل هذه التبعات لأنها سترهن بذلك اقتصادها وتعرض نفسها لهزات أمنية خطيرة"، إضافة إلى "ضعف النظام السياسي الجزائري، ومع النزاع في ليبيا نلاحظ أن الجزائر تتردد بسبب غياب تفكير استراتيجي في مستوى قدراتها الاقتصادية مما يدل على أن البلد في أزمة وعجز عن أن تكون له دبلوماسية جريئة".
وراح، قديدير في اتصال مع CNN بالعربية ابعد من ذلك، حول إمكانية محافظة الجزائر على الخيار السياسي السلمي في حالة تدخل عسكري، أين قال "يجب على الجزائر مراجعة تصريحاتها، هذا الوضع يجعل الجزائريين يعيدون النظر في سياستهم الخارجية وذلك ببلورة تفكير استراتيجي مع نظرة واقعية تأخذ بعين الاعتبار المصالح الجيوسياسية عوض الخضوع لهيمنة القوى الدولية"، ويضيف، "الجزائر مضطرة إلى حماية حدودها من تسرب المجموعات الإرهابية لترابها، وإلا سيحدث أن تتدخل قوات أجنبية لملاحقة الارهابين في مناطقها".
من جانبه، يرى مدير مركز الرائد للدراسات سليمان شنين، في حديثه لـ CNN بالعربية، أن "المقاربة الجزائرية في ليبيا قائمة أساسا على مرافقة الأشقاء الليبيين للتسوية السياسية ولا ترى مبرر للتدخل العسكري الدولي وخاصة أن اغلب النتائج التي افرزها مثل هكذا تدخل كانت دوما سلبية على غرار العراق وسوريا ومالي وغيرها".
ولهذا- حسب شنين- "حرصت الجزائر على إقناع القوى الدولي بتشجيع الليبيين على ملئ الفراغ والإسراع في تشكيل القوى الأمنية ودمج كل الأطراف المسلحة المعترف بها دوليا وتجنيد الجميع من اجل محاربة داعش والمجموعات الإرهابية"، ويتابع كلامه قائلا: "في حالة تنفيذ هجمات عسكرية فان الجزائر رفضت مثل هذا الإجراء من الناتو من قبل ولا يوجد ما يدعوا لتغيير الموقف وهذا لا يتنافى مع الموقف المبدئي في التنسيق والتعاون مع كل القوى في محاربة الإرهاب وهو موقف ثابت منذ فترة".