رأي: ماذا نريد بمدرستنا.. تربية روحانية أم تربية دينية؟
هذا المقال بقلم جواد مبروكي، وهو طبيب نفساني مغربي، والآراء الواردة فيه لا تعكس وجهة نظر شبكة CNN.
بصفتي طبيبًا نفسانيًا، أعتقد أن هناك العديد من الجوانب يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار:
1- طبيعة الطفل
2- طبيعة التربية الدينية
3- تأثير المدرس
4- الاتساق بين التربية الروحانية في
المدرسة و في المنزل
طبيعة الطفل
غالبا ما يعتبر الطفل صفحة بيضاء، وعليها يقوم الكبار بتسجيل وصفاتهم الشخصية. كما يعتبر الطفل مثل وعاء يقوم البالغ بملئه بما يريده هو.
فالكبار يفكرون نيابة عن الطفل، ويعتقدون أنه يحتاج إلى هذا وذاك، ثم يتصرفون وفقا لذلك.
ومع الأسف، هذه هي أفضل وسيلة للضغط على الطفل، وإعاقة نموه. وهي أيضا أفضل طريقة لجعل الطفل، عندما يكبر، شخصا غير مستقل ويحتاج دائما إلى مساعدة.
فالطفل ليس جهاز كمبيوتر يقوم فيه الكبار بتثبيت البرامج التي تبدو جيدة بالنسبة لهم، كما أن الطفل ليس وعاء فارغ ولا صفحة بيضاء. إن الطفل عبارة عن منجم يحوي قدرات و مواهب بلا حدود. ودور التربية هو مساعدة الطفل على استخراج هذه القدرات وتطويرها. فالطفل يستخدم قدراته بناء على احتياجاته بوتيرة تدريجية وفقا لتطوره ونموه.
هل الكبار يسعون إلى تحقيق ما هو جيد للطفل و مساعدته على أن يكون ما يريد أن يكون؟ أم أنهم يسعون إلى تحقيق مصالحهم الخاصة من خلال اختيار التعليم المناسب لذلك؟
الطفل هو إنسان يحتاج إلينا من أجل مساعدته وليس لكي نجعل منه ما نريده نحن.
طبيعة التربية الدينية
هل يحتاج الطفل إلى تربية روحانية وأخلاقية أو إلى تربية دينية؟
يبدو لي أن الطفل يحتاج أكثر إلى تربية روحانية وأخلاقية سواء في المدرسة أو في المنزل. هذه التربية ليس هدفها هو ملء الطفل ب " عليك أن تكون طيبا، يجب أن تكون صادقا، لا يجب أن تسرق، يجب أن تكون سخيا ......" هذه الصيغ ليست إلا تزقيما لا يهضمه الطفل ويدفع به في الأخير إلى التقيؤ.
فالتربية الروحانية يجب أن تساعد الطفل على استخراج الفضائل الإلهية الكامنة فيه ومساعدته على أن يكتشف بنفسه أنه من الأفضل له أن يكون طيبا عوض أن يكون شريرا، ومن الأفضل أن يكون صادقا عوض أن يكذب، ومن الأفضل له أن يكون مسالما عوض أن يكون عنيفا... وبعبارة أخرى، يجب على التربية الروحانية أن تقود الطفل إلى تعبئة إمكاناته الخاصة وقدراته الذاتية وإلى التفكير والفهم ومن ثم اتخاذ قراراته بنفسه.
التربية الروحانية يجب أن تقود الطفل إلى أن يدرك أنه شخص كامل، و أنه ينتمي إلى هذا المجتمع وإلى هذه القرية وإلى هذه المدينة وإلى هذه الدولة وإلى هذه الإنسانية وأن لديه حقوق وعليه واجبات. وبالتالي فإن غايتها هو مساعدة الطفل على تنمية وعيه بالانتماء الاجتماعي، وبأنه ليس "صغيرا لا يعرف شيئا وسيفهم كل شيء عندما يكبر". وبالتالي فإن تربيته على أنه وعاء فارغ ستؤدي به، عندما يكبر، إلى استخلاص أنه تعرض للخيانة من قبل البالغين.
التربية الروحانية ليست دراسة دين معين بتاريخه وطقوسه وعقائده.
التربية الروحانية تهدف إلى تحقيق تحول روحاني لدى الطفل أي إلى تطوير قدراته الروحانية.
التربية الروحانية هي نقطة التقاء جميع الأديان، وهي جوهر الدين الذي لا يتغير مع مرور الوقت "اللطف والكرم والصدق والاحترام والثقة ومساعدة الآخرين..".
على التربية الروحانية أن تنفصل عن التعليم الديني لتجنب الأحكام المسبقة التي تدرس من قبل هذا الدين أو ذاك.
فالتعليم الديني يعلم الأطفال الطقوس و أهميتها بالنسبة للمنظور الروحي، لكنه يعلم أيضا للأطفال القوانين الاجتماعية التي تتيح للمجتمع أن يعيش في سلام. هذه الطقوس والقوانين تختلف من دين إلى آخر، على عكس التربية الروحانية.
فالأديان يمكن أن يتم تدريسها مع احترام تام لتاريخها وطقوسها وعقائدها، ولكن دون مقارنة ودون أحكام مسبقة وبطريقة محايدة . وهكذا نكون قد وفرنا للطفل المعرفة دون تمرير إيديولوجية معينة.
تأثير المدرس
يجب أن يخضع المدرسون لتكوين خاص قبل البدء في تدريس التربية الروحانية للتلاميذ. ولا يتعلق الأمر هنا بتكوين في المجال التربوي، ولكن بتكوين يتيح للمدرس، أيضا، أن يتحول روحانيا. وهكذا يتخلص المدرس من كل الأحكام المسبقة، ويغير نظرته للطفل، كونه وعاء يحتاج لمن يملأه، ويقتنع بأنه من واجبه مرافقته من أجل أن يعي الطفل بقدراته الروحانية وأن يقوم باستخراجها.
بدون هذا التكوين، فالمدرس، حتى دون قصد، سوف يؤثر على الأطفال بآرائه الشخصية وأحكامه المسبقة، مما يمكن أن يخلق تضاربا في رأس الطفل، وحتى صراعا مع والديه.
علينا ألا ننسى أن الطفل، يعتبر المدرس بمثابة الأب الثاني.
وبالنسبة للأطفال، كل ما يقوله المدرس هو حقيقة. ولكم أن تتخيلوا مدى تأثير ذلك على مستقبل الطفل، وبالتالي على مستقبل المجتمع برمته.
فإذا كان المدرسون غير متسقين في أقوالهم و رؤاهم، سيكون المجتمع مليئا بالصراعات.
الاتساق بين التربية الروحانية في المدرسة و في المنزل
التعليم الديني في المدارس يطرح العديد من المشاكل. فآباء التلاميذ المغاربة لا يعتنقون كلهم نفس الديانة ولا يتفقون جميعهم على أن يتلقى أبناءهم تربية دينية خاصة بدين معين.
فالأقليات الدينية تقبل، في الوقت الراهن، التعليم الديني في المدارس،لأنها لا خيار لها، والتلاميذ مجبرون على التحصيل الدراسي في جميع المواد لكي يتفوقوا وينجحوا.
فالتعليم الديني يفتح الباب أمام تعارض وجهات نظر بعض الآباء والأمهات من جهة والمدرسين من جهة أخرى، مما يفقد المصداقية لدى الأطفال إزاء مدرسيهم، و يشكل خطرا على الثقة التي يجب أن يضعها الأطفال في مدرستهم.
إن التربية الروحانية، بحيادها، سوف تساهم في إنشاء اتساق أكبر بين الآباء والمدرسة، على عكس التعليم الديني.
إذن، أليس ضروريا خلق نوع من التعاون بين المدرسة وأولياء الأمور؟ أليس من المفيد تحسيس الآباء بأهمية هذه التربية الروحانية؟
وكختام، أليست الغاية النهائية من هذه التربية الروحانية هو التحول الروحاني للطفل وتطوير إحساسه بالانتماء الاجتماعي وانفتاحه على جميع المعتقدات وأن يعيش في مجتمع بشري يؤمه السلام والوئام دون أي تعصب ديني أو عرقي؟