موريتانيا وجبهة البوليساريو.. علاقات مستمرة تترجم اعترافًا رسميًا خجولًا
إسماعيل عزام (CNN) (ساعد في التحرير: التار ولد أحمده)-- تبقى العلاقات بين موريتانيا وجبهة البوليساريو مثيرة للانتباه، فالتردد الرسمي الموريتاني في اعتراف متكامل الأركان بـ"الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" التي تعلنها البوليساريو ولا تعترف بها الأمم المتحدة، يبيّن أحيانًا أن موريتانيا ترجع إلى الوراء عن ترسيم علاقاتها بهذه "الدولة"، وأحيانًا أخر يؤشر على خطوات متقدمة في تقوية العلاقات.
وتجدّد النقاش هذا الأسبوع مرة أخرى حول هذه العلاقة، إثر استقبال الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، بقصره الرئاسي، مبعوثًا خاصًا من البوليساريو، هو البشير مصطفى السيد، وزير دولة عند البوليساريو، في لقاء قال عنه هذا الأخير إنه يعكس "الروابط الأخوية الحميمية التي تجمع بين الشعبين".
اعتراف رسمي خجول
وليس هذا اللقاء هو الأول من نوعه، إذ استقبل الرئيس الموريتاني العام الماضي وزير خارجية جبهة البوليساريو، واستقبل مبعوثًا خاصا عام 2013، زيادة على لقاءات أخرى وتبادل مستمر للبرقيات، ممّا جعل الرأي العام المغربي ينظر بكثير من التوجس لجارته الجنوبية التي ورغم كل محاولات المغرب الرسمية لتقريبه منها بخصوص ملف الصحراء الغربية، إلّا أنها تُبقي على علاقاتها مع البوليساريو.
وتعترف موريتانيا رسميًا منذ عام 1984 بالجمهورية التي تعلنها البوليساريو، أي بعد خمس سنوات بعد توقيعها اتفاق سلام مع الجبهة ينهي حالة القتال بينهما وتنسحب بموجبه موريتانيا من جزء كانت تسيطر عليه في الصحراء الغربية، إثر تضرّرها من ضربات البوليساريو وهي التي لا تزال في طور التأسيس لتجربة الدولة.
غير أن هذا الاعتراف الرسمي لم يتطوّر إلى سفارة أو تمثيلية ديبلوماسية قارة للبوليساريو في موريتانيا، فقد شهدت علاقات الطرفين الكثير من المد والجزر وصلت حتى انقطاعها في فترات معيّنة، حسب الظروف الدولية وتغيّر أنظمة الحكم في موريتانيا، وكذا العلاقات مع الجزائر أو المغرب، لكن موريتانيا مع ذلك أبقت على شعرة معاوية مع البوليساريو، وهي الشعرة التي تتطوّر أحيانًا، وتتقلّص أحيانًا أخر.
محاولة لضمان الحياد
يظهر هذا الاعتراف الخجول، بشكل أوضح في الوكالة الرسمية الموريتانية، التي تستخدم على الدوام "اسم الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، كما أن البوليساريو تحاول استغلال تقارب سكان الطرفين، والتشابه النسبي في مسار تكونهما، بما أن تأسيس الدولة الموريتانية لم يتم إلا خلال الستينيات.
يقول الكاتب الصحفي حبيب الله ولد أحمد إن موريتانيا بعد خروجها من نزاع الصحراء الغربية "حاولت تبني خيار الحياد، وحاولت أن تبقي على علاقتها مع المغرب كما تبقيها مع الصحراويين"، متحدثًا عن أن جبهة البوليساريو "تتفهم تمامًا العوائق التي تحول دون فتح سفارة لها في نواكشوط، وتغلّب مصلحة العلاقة بين الشعبي على مظاهر بروتوكولية".
ويضيف حبيب الله لـCNN بالعربية أن غياب هذه السفارة لم يقف عائقًا بين موريتانيا والبوليساريو: "كثيرًا ما عبّر الطرفان أن ما يجمعهما أكبر من التمثيليات الديبوماسية، خاصة أن افتتاح هذه السفارة سيسبّب حرجًا للسلطات الموريتانية مع المغرب، وهو فخ لا تريد البوليساريو أن تُوقع فيه موريتانيا".
تأثير علاقة الطرفين على المغرب
ويتحدث الدكتور المغربي محمد نشطاوي، أن اتفاق السلام الموّقع بين البوليساريو وموريتانيا كثيرًا ما أطّر عمل الطرفين، بما أنه نصّ على مبادئ ميثاق الوحدة الإفريقية وكذا الاستمرار في إمكانية عقد لقاءات دورية بينهما، غير "أن العلاقات بين الطرفين اتخذت منحنى تصاعديًا في عهد الرئيس الموريتاني الحالي، مقابل برود واضح في علاقاته مع المغرب، وهو ما يستدعي من هذا الأخير توجيه رسالة شديدة اللهجة لموريتانيا لأجل ضمان حيادها في ملف الصحراء".
ويضيف نشطاوي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض مراكش:" المفروض في موريتانيا أن تحافظ على حيادها الإيجابي في الملف خاصة وأن إمكانياتها أضعف من المغرب ومن الجزائر التي تدعم بشكل واضح البوليساريو. لكن يظهر أن هناك أطرافًا موريتانية ترفض ما تراها محاولة مغربية لفرض أبوّة على بلادها"، ويستند حديث نشطاوي هنا على آراء سياسيين مغاربة يرون أن موريتانيا كانت جزءًا من المغرب.
ويتابع نشطاوي أن الأطراف الموريتانية المذكورة "تحاول اللعب بورقة الصحراء وقوة العلاقات مع البوليساريو لأجل التخلّص من هذا الإرث التاريخي، ممّا قد يساهم في تباعد وجهات النظر بين موريتانيا والمغرب، لا سيما لمحورية قضية الصحراء عند المملكة المغربية".