عبد الله جاب الله: تَقدَّم المغرب لأنه احترم الديمقراطية وأخفقت الجزائر لأنها أجهضتها
قلب رئيس جبهة العدالة والتنمية (حزب إسلامي معارض في الجزائر) الشيخ سعد عبد الله جاب الله، شتى جوانب الأزمة الجزائرية من وجهة نظره المشبعة بالفكر الإسلامي، وتطلعه على مر مسيرته السياسية والنضالية إلى بناء دولة إسلامية، أو الدولة الجزائرية التي نادى بها بيان ثورة أول نوفمبر.
لكنه لم يخفِ في هذا الحوار الذي أجرته معه CNNبالعربية بمقر تشكيلته السياسية بالجزائر العاصمة، تلاشي وخفوت الأمل في حصول تغيير سلمي يفضي إلى مشروع تلك الدولة الديمقراطية والاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية، محمّلا من أشار إليهم بـ "رجال الحكم المتسلطين" كامل مسؤولية الأوضاع المترّدية في البلد.
كما خاض الشيخ جاب الله في أسباب وصول الحركة الإسلامية إلى سدة الحكم في المغرب وعدم إدراك ذلك في الجزائر وقضايا أخرى راهنة في المنطقة العربية والمغاربية.
بداية ما تشخيصكم للأزمة التي تعيشها الجزائر؟
نحن نرى أن السلطة نفسها هي الأزمة، المشكلة التي تتخبط فيها البلاد يتحمل مسؤوليتها في المقام الأول والأساس نظام الحكم، ولما نتحدث عن نظام الحكم، نتحدث عن المتحكم في هذا النظام، أي السلطة صاحبة القرار. هؤلاء لا يؤمنون بشرع يضبط أقوالهم وتصرفاتهم وبرامجهم وسياساتهم وقراراتهم.
وهذا النوع من الحُكم بمصطلحات ابن خلدون عليه رحمة الله هو "الحُكم الطبيعي" الذي لا يحمل صاحبه برنامجا في إصلاح أحوال الأمة، ولا برنامجا في صون حقوقها وحرياتها، ولا برنامجا في النهوض بأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من الأوضاع، وإنما يحمل هما واحدا وهو أن يرى نفسه فوق الجميع وفوق الشرع وفوق القانون وفوق المؤسسات وفوق الشعب وفوق كل شيء.
والجزائر مصابة بهذا الداء العضال ولذلك شاعت فيها جميع أنواع الفساد، حتى أضحى مرضا خطيرا متعدد الأوجه ومتفرّعًا في الانتشار كالأخطبوط في مختلف مؤسسات الدولة وقطاعات المجتمع ومكوناته، لذلك فالأزمة معقدة ومضرّة في الوقت نفسه.
باعتقادكم.. ألّا يزال الأمل قائما في تحقيق الدولة التي تناضلون من أجلها؟
نحن ندعو لدولة تقوم على ركنين أساسيين، الأول هو ركن المرجعية، وأن تكون مرجعيتها شريعة الله عز وجل، لأن هذا هو الأمر الرباني الذي لأجله بعث الله عز وجل محمد صلى الله عليه وسلم، وربط به مصائر الناس في الدنيا والآخرة. ويوم فهم المسلمون هذا الأمر صاروا أساتذة العالم وقادته ومفكريه ومنظريه، وكانوا دولة قوية واحدة وتحقق لهم من النصر ما قل مثيله في تاريخ البشرية.
والركن الثاني هو أن تكون الأمة هي الأصل وهي صاحبة الحق في اختيار الحاكم وتحديد مدة حكمه وصلاحياته ومراقبته وعزله وعقابه بحجم ما يقع فيه من أخطاء ويرتكبه من مفاسد.
وهذا الركن يمكن أن ينظم بأرقى ما يمكن التوصل إليه من آليات ونظم، وهذا هو موضوع نضالنا ومستمرون في هذا النضال غير مبدلين ولا مغيّرين. ومن مرجعياتنا التاريخية وثيقة أول نوفمبر التي نصت بوضوح على أن هدف ثورة أول نوفمبر هو إقامة دولة جزائرية ديمقراطية واجتماعية ذات سيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية، إذا فهي دولة موصوفة بجملة من الخصائص ولها مرجعية.
هل لديكم من المعطيات ما يعزز اليقين بالنجاح وتحقيق غاية نضالكم ونشاطكم؟
نحن كلفنا بأن نبذل جهدا صحيحا وفق شرع الله سبحانه عز وجل، وما نتطلع إليه نناله بهذا الشرط، أما ما يتعلق بالنتائج فتلك مسألة أخرى تتدخل فيها مجموعة من العوامل معظمها ليس بين أيدينا بل بين أيدي غيرنا.
وهنا أنبه إلى أن أهم الفوارق الجوهرية بين الإسلام والديمقراطية هو الفارق المتعلق بكيفية التعاطي مع الواقع، الإسلام يوجب علينا دراسة الواقع وتحليله على ضوء الشريعة ومبادئها ومقاصده، وبذلك فالمعيار الذي نعتمد هو معيار "تقويمي".
أما الديمقراطية الحديثة فتوجب دراسة الواقع وتقريره، ثم القيام بأمر التقويم تقنيني داخل ذلك الواقع الذي تم تقريره، فمعياره معيار تقريري.
فالأمر يجعل الفوارق بين الإسلام والديمقراطية كبيرة وكبيرة جدا، ومن الفوارق أن المعيار التقويمي مشروع إصلاح وجميع محاوره تنشد الصلاح في الأفراد والإصلاح في الواقع. أما في الفكر الديمقراطي الوضعي فليست لديهم هذه الرسالة، رسالة الصلاح والإصلاح، وإنما لهم رسالة تقرير الواقع كما هو، ثم تقنين هذا الواقع، وفي هذا فوارق كبيرة كما نلاحظ.
لكن للسياسة منطقها؟
هذا لدى السياسي المتأثر بالفكر العلماني، لأن أصحابها ليس لهم من هم إلا مصالحهم الشخصية أو الحزبية ولذلك هم يدورون مع هذه المصالح، ويعتمدون المعيار التقريري في التعاطي مع ما هو وقع وقائم ويستسلمون لذلك الواقع ما دام يخدم تلك المصالح، ولا يسألون عن هذه المصالح هل هي مصالح مشروعة وهل هي حقوق مكتسبة لهم أم هي حقوق الغير وهم يعتدون عليها إلى غير ذلك.
تعيش المنطقة العربية حراكا غير مسبوق.. فهل الجزائر بمنأى عما يحصل في باقي المنطقة؟
لا طبعا ولو أن الجزائر عاشت سابقًا ما تعيشه دول عربية اليوم فهي ليست بمنأى، بما أن النظام الجزائري في قبضة مجموعة من الرجال الذين يرفضون كل مرجعية: يرفضون المرجعية الإسلامية، وفي الجوهر يرفضون حتى المرجعية الوضعية والقانونية، ويجعلون أنفسهم فوق كل المرجعيات وما دام أيضا هؤلاء الرجال يستهينون بالشعب ويتصرفون في مقومات شخصيته وثروته كما يحلو لهم وما دام هؤلاء الرجال يستهينون بالمعارضة ويحاصرونها ويستهينون بكل صاحب رأي ويحاصرون حتى لو كان فردا مستقلا إذا كان صاحب رأي وصاحب قلم، فإن الوضع سيئ ويبشر بما هو أسوء، لأن عقوبة السيئة سيئة بعدها.
ألا ترى أن البلاد أقرب إلى ثورة سلمية أم أنها تتجه إلى الفوضى أم الجزائر تطوّر نفسها من داخل المؤسسات؟
ثورة شعبية واعية وراشدة لا تزال بعيدة لأنها تتطلب مجموعة من الشروط الموضوعية هي غائبة اليوم، كأن يرتفع وعي الناس من جهة وأن يتحسن مستوى قواها السياسية من حيث القدرة على التأطير والتوجيه، ويلوح للناس البديل الآخر الذي يستحق ثقتهم.
أما الآن فالناس ليسوا في هذه المرحلة فهم يتملمون كالتائه في صحراء الذي لا يعرف أي اتجاه يتجه.
يتساءل الباحثون عن وصول الإسلاميين في المغرب إلى السلطة وفشلهم في الجزائر.. ما مرد ذلك؟
نظرا لاختلاف النظامين، النظام المغربي لم يزور الانتخابات ولم يجهضها، الإسلاميون في الجزائر وصلوا إلى السلطة قبل أن يصلها غيرهم. في انتخابات 1991 نجح الإسلاميون ولكن الذي أجهض التجربة هو النظام. فيومها لو سلم النظام بالنتيجة لكانت التجربة الجزائرية سابقة تلك التجارب بأكثر من عقدين من الزمن.
توفي المفكر الإسلامي السوداني الكبير المرحوم حسن الترابي من دون وقفة لافتة لمكونات التيار الإسلامي في الجزائر مع هذا الحدث الجلل، ماذا تقولون؟
ذهبت إلى السودان وعزيت عائلته وشعبه وكتبت فيه بأن هذا الرجل من عظماء رجالات الأمة في هذا الزمن، فهو ليس فقط قائد لجماعة إسلامية تحولت إلى جبهة مثلا أو حركة، بل هو مقيم دولة، الترابي أقام دولة وثبت أركانها في وجه كل ما استهدفها من مكر وكيد.
مرت على السودان سنوات وجميع حدودها مشتعلة إلى جانب مشاكل وفتن داخلية ومع ذلك استطاع بمعية إخوانه أن يَثبتوا ويُثبتوا، إلا نزغ الشيطان بينهم وحصل الانقسام كما هو معلوم.
إلى جانب كونه من العلماء الكبار الذي كتبوا في مجالات عديدة من أهمها الفقه الدستوري والفقه السياسي، وكتاباته تتسم بالدقة والعمق وآخر ما كان يكتبه هو تفسيره لكتاب الله سبحانه عز وجل، صحيح أنه شدّ في بعض فتاويه الفرعية عن جمهور الأمة، لكن هاته الأخطاء لا يسلم منها بشر، والعبرة بما هو غالب.