في بلد أغرقته الدماء.. ما مصير معطوبي الحرب الليبيين؟

نشر
5 دقائق قراءة
تقرير منية غانمي
Credit: MAHMUD TURKIA/AFP/Getty Images

ليبيا (CNN)-- تغيرت حياتهم جراء الحرب في بلادهم، غالبيتهم خرجت في ثورة تطالب بالحرية وبنهاية الدكتاتورية وبحقوق لم تتجسد سابقًا إلّا في الأحلام، لكنهم عادوا فاقدين لحرية الحركة والتنقل وتهاوت آمالهم وتغيّر مستقبلهم.. إنهم مصابي الحرب في ليبيا الذين ستبقى أجسادهم شاهدةً على ثورة واجهها النظام بالأسلحة الثقيلة وتحولت إلى حرب أهلية دموية داخلية.

محتوى إعلاني

الحرب التي لم تنتهِ بعد في ليبيا خلفت حالات إعاقة كثيرة، هم كثر ينتمون إلى فئات عمرية مختلفة رجالا ونساء وأطفال، هناك من بترت ساقه أو أطرافه وهناك من فقد بصره أو أصيب بتشوه خلقي، حالات جديدة ما تزال تولد كل يوم، شبابا تغيرت حياتهم وتشتت أحلامهم التي كبرت معهم لتصبح من الماضي.

محتوى إعلاني

لم يتوقع الشاب أيمن حميدة أن مجرى حياته سيتغير وأنه لن يستطيع المشي مجددا، هذا الشاب الذي لم يتجاوز بعد 25 سنة فقد ساقاه قبل عامين حين انفجرت عليه إحدى القنابل التي كانت مزروعة بالقرب من مقر سكناه بحي السلماني ببنغازي، دوسة قدم كانت كافية لتنقله من إنسان عادي إلى إنسان معاق سيكمل باقي حياته على كرسي متحرك.

يقول في حديثه لـCNN بالعربية ." كنت ذاهبا للقاء بعض الاصدقاء في المقهى وفجأة سمعت دوي انفجار خُيّل إليّ أنها أحد الصواريخ.. إلى أن أحسست بجسمي يطير إلى الأعلى لأفقد بعدها الوعي وأستفيق وأنا في المستشفى لا أقدر على الحركة بسبب حجم الإصابة التي تعرض لها جزئي الأسفل.. بحثت عن العلاج في مصحات القاهرة أملا في إنقاذ رجليَّ لكن دون جدوى إلى قرر الأطباء بترهما تفاديا للأسوأ" .

الوضع الجديد لم يكن سهلا على أيمن:" لا زلت لم أتقبل حالتي هذه ولا أصدق أنني لم أعد استطيع المشي ولعب كرة القدم مجددا مع أصدقائي والذهاب الى الجامعه، فرغم محاولتي عائلتي الرفع من معنوياتي، لكنه صعب علي تقبل أني أصبحت معاقا.. أحن إلى المشي والركض".

أسلوب الحياة الجديد الذي فرضته الاعاقة أفقد أيمن الأمل في المستقبل، حلمه أن يصبح مهندسا في شركات البترول وأن يتزوج رفيقته في الجامعة بدأ يتشتت ويتهاوى:" كانت طموحاتي أن أكمل دراستي وأصبح مهندسًا معروفًا وأتزوج بمن أحب، لكن اليوم بات من المستحيل أن أعود عاديا وأستأنف حياتي اليومية وأحقق أمنياتي، الكرسي المتحرك الآن أصبح أهم وأقرب رفيق لي.. أحس انني بلا طموح وبلا أهداف وأنني يئست من الدنيا".

وينتقد مصابو الحرب في ليبيا  تخلي الدولة عن رعايتهم وتقديم المساعدة لهم وغياب برامج التأهيل والدعم النفسي والمادي لهم، رغم أنهم دفعوا من أجسادهم للدفاع عنها، مؤكدين أنهم يواجهون مصيرهم بأنفسهم ويعانون من اللّا مبالاة والتهميش، مطالبين بضرورة ضمان حقوقهم وتوفير حياة مستقرة لهم.

يقول أيمن في هذا السياق إنه يشعر بالحنق الشديد على المسؤولين الحكوميين الذين يرى بأنهم باتوا يعيشون في رفاهية تامة على حساب أجساد وأرواح ضحايا الحرب، الذين يعيشون المعطوبون منهم كعالة على المجتمع.. لا يلقون أي اهتمام من قبل أي طرف.

ويقدر عدد جرحى الحرب في ليبيا بعشرات الآلاف ومازالت مشكلة علاجهم مستعصية خاصة ذوي الإصابات الخطيرة في ظل تدني الخدمات الصحية في البلاد بعد غلق العديد من المستشفيات وهجرة الطواقم الأجنبية وغياب الأدوية الأساسية بسبب الاقتتال المستمر، ولذلك تعد مشكلة إعادة تأهيل مصابي الحرب من أهم التحديات التي تواجه البلد.

حالة أيمن تنطبق على حالات آلاف الاشخاص الذين غيّرت الحرب من تفاصيل حياتهم، فرغم أن أيمن عجز عن التعامل مع واقعه الجديد وفقد كل بصيص للأمل في المستقبل منذ أن فقد قدماه، فإن سعيد خلف الله 42 سنة، نجح في تخطي ألمه ووجع جسده واستطاع استئناف حياته بشكل طبيعي من جديد ودون انتظار لتدخل الدولة.

فقد عزيز طرفه اليمنى بعد إصابته بطلق ناري عندما كان في مواجهة داخلية بين قبيلته التبو وقبيلة الطوارق جنوب ليبيا، استخدمت فيها كل أنواع الاسلحة الثقيلة قبل عام ونصف من الآن وبسبب عدم خبرته باستعمال الاسلحة وخبايا ساحات المعارك، سرعان ما كان عرضة لإحدى الطلقات التي أصابت يده إصابة كبيرة استوجبت إجراء عملية جراحية انتهت ببترها.

ويقول سعيد لـCNN بالعربية في هذا السياق . "هذا وضع جديد لم أكن مستعدا له صراحة، أصبت بأزمة نفسية في البداية ولم أتقبل وضعي، لكن لحسن الحظ وجدت مساندة كبيرة من عائلتي خاصة زوجتي التي لم تتخلى عني وأعادت لي الثقة في نفسي وها أنا الآن أمارس عملي بشكل عادي وأقوم بدوري كرب عائلة بشكل جيد كذلك ولست نادما على فقدان أحد أطرافي".

نشر
محتوى إعلاني