رأي: المطالب الانفصالية وحوافز اللاوطنية في الجزائر
هذا المقال بقلم البروفيسور عبد القادر عبد العالي أستاذ العلوم السياسية بجامعة سعيدة ولا يعبّر عن وجهة شبكة CNN.
في الواحد من عشرين ابريل نظمت الحركة الانفصالية في بلاد القبائل مسيرات حاشدة، تظهر فيها مطالبها الانفصالية، رغم خروج مسيرات معاكسة ومناهضة لها، إذ اشتعلت القنوات الاعلامية وقوات التواصل الاجتماعية نقاشا ولغط، بين مناصر ومهنئ للعهد الجديد، وبين متباك ومهدد وموعد بـ"أذيال فرنسا والوصاية الفرنسية"
وهذان الخطابان يصدران من مشكاة واحدة، رغم توجههما المتناقض، والأمر الذي ينبغي الوقوف عنده، هو لماذا وصلنا الى هذه النتيجة؟ ولماذ يرى فئة من اخواننا ومواطنينا في خطاب الانفصال ومشروعه حلا وسبيلا؟ وهل الوحدة شيء مقدس تبتغى لذاتها أم لثمارها؟
وما ينبغي الانتباه إليه أن خطاب التخوين الذي تعاني منه العديد من القضايا التي يراها انصارها عادلة ومناوؤها خاسرة ومغرضة، انه خطاب يتلازم مع اعراض التجاهل والاقصاء والحوار من طرف واتجاه واحد. ولا أحد يتساءل ما هو العرض البديل للانصار الذين يتزايدون على هذه الحلول الهوياتية والمصيرية.
ألا يحق بدل لعن الظلام إيقاد الشموع؟ فهذا الخطاب البائس المتخبط الذي يلوكه الذين يمتلكون حساسية مفرطة من الثقافة الأمازيغية، في بلاد المغرب الكبير. إنهم يجهلون حقائق التاريخ والجغرافيا، ولا يزيد خطابهم إلا تنفيرا وتأكيدا لمصداقية الخطاب الانفصالي لدى أنصاره، فخطاب التخوين والتهديد والترهيب والتنقيص من هوية الشقيق وليس الأخر، والتي هي في هذه الحالة، وللأسف، ميراث مشترك لكل الجزائريين ولكل ساكنة المغرب الكبير، فكلهم امازيغ بطريقة او باخرى، وهي ثقافتهم المشتركة اضافة الى العربية والاسلام وهذه مكونات الهوية المغاربية والتي يريد دعاة الانفصال الجهوي الاثني من جهة، ودعاة الشوفينية الوطنية الاقصائية الاستعلائية من جهة أخرى أن يفككوها ويفصلوا هذه اللحمة التاريخية.
ومن المعروف أن في الغالب ومن الخبرات التاريخية ان الحركات الانفصالية تتوج بنجاح الانفصال وتحققه، حين يتعنت المركز القومي المسيطر على قمع الأقلية صاحبة الحق (وفق منظورها الذاتي)، ولا تجدي القوة العسكرية ولا العنف في إخماد مطالب الانفصال، وحتى اللجوء الى حلول الابادة العرقية مكلف وخطير العواقب.
لكن الأمم المتحضرة توصلت الى حلول لمشاكل الانفصال والخصوصيات الجهوية، وذلك بتقديم عروض وبدائل اكثر اقناعا وجاذبية من عروض الانفصال، ويمكن الاستلهام من تجارب الهند وتجارب المملكة المتحدة واسبانيا، بتطبيق عدة سياسات تقوم على العدالة والاعتراف بالتعددية الثقافية، والديمقراطية التوفقية، وسياسات التمييز الايجابي، والحكم الذاتي الموسع، وميزات البقاء والمكاسب في الخيار ضمن الوحدة والثمن الاقتصادي الباهظ للانفصال.
وفي مقابل هذه التجارب الناجحة القائمة على الاقناع والقوة الناعمة الجاذبة، نجد تجارب وسياسات الهدم الذاتي وتجزئة المجزء تسود في العديد من أقطار المنطقة العربية، حيث تؤدي سياسات الاحتكار والاقصاء النخبوي والتنموي، وتضارب الاعلانات الدستورية والقانونية مع الممارسات الفعلية، وسياسات المكر والحرب الخفية ضد المكونات الثقافية التي تراها النخبة الحاكمة امر غير نافع مرغوب فيه، ومحاولة بلورة إجماع وطني وهمي حول الهوية الوطنية قائم على القمع التسلطي والاقصائي بدل النقاش الديمقراطي.
وعادة تنتهي هذه السياسات السلطوية الفاشلة إلى نجاح الانفصال وتحققه في ارض الواقع، وحتى الحلول الفيدرالية التي تقترح لمعالجة الامر المستفحل تكون قد فات الاوان على نجاعتها، فقد تمكنت ارتيريا من الانفصال عن اثيوبيا بعد عقود من القمع وحكم النار والحديد، وتحقق انفصال جنوب السودان عن السودان بعد عقود من الحرب ومحاولة فرض التعريب والاسلمة بالقوة.
والأمل باق في البلدان المغاربية خصوصا في المغرب والجزائر وليبيا في التعامل مع المطالب الثقافية ضمن سياسات معتدلة ومتدرجة، تحقق التنمية المناطقية العادلة، وتعزز وحدة الشعوب المغاربية، وتضعف النزعات الانفصالية والجهوية وتعزز التوجهات الاتحادية والاتصالية والقائمة على ثلاثية التركيبة الحضارية التاريخية التي تميز بلاد المغرب وشمال النيجر ومالي والقائمة على التركيبة الثلاثية: الأمازيغية والعربية والاسلام.