تونسيون يبحثون عن إنهاء العقم والحظ السيء وتأخر الزواج عند العرّافين
تونس (CNN)-- رغم تقدم الطب وتطور الأدوية وسيطرة مظاهر الحياة الحديثة والعصرية على المجتمع التونسي لا تزال فئة كبيرة من التونسيين تركض وراء الخدمات التي يقدمها العرافين والمشعوذين وتميل نحو هذه المعتقدات، سواء بحثا عن حلول للمشاكل الإجتماعية والأزمات النفسية أو كذلك لعلاج أمراض عضوية أو رغبة لتجاوز الزمن وكشف المستقبل.
وتعج المدن التونسية بآلاف العرافين والمنجمين، إذ بات من المألوف أن ترى لافتات في الشوارع أو على أعمدة الصحف التونسية عليها عناوين "عالم روحاني" أو "حكيم عالمي" تتضمن عبارات مدح وثناء حول المقدرات القوية لهؤلاء في معرفة الحظ والكشف عن عالم الغيب ومعالجة الأمراض المستعصية.
ولعل ما ساهم في ازدهار هذه الظاهرة هو الاهتمام الذي يبديه العديد من التونسيين بهذا المجال في السنوات الأخيرة سواء من طرف الباحثين عن حلول لمشاكلهم النفسية والعضوية وكذلك للراغبين في معرفة عالم الغيب واستكشاف المستقبل حتى وإن كانت هذه الممارسات تتنافى مع معتقداتهم، فالفتاة التي تأخر زواجها والرجل المصاب بالعجز الجنسي والمرأة التي لم تنجب وفئات أخرى أصبحت تطرق أبواب العرافين والمنجمين علها تجد ضالتها عندهم.
CNN بالعربية تحدثت مع بعض رواد أحد مكاتب العرافين بالضاحية الجنوبية للعاصمة لرصد الأسباب الثقافية والفكرية التي تجعلهم أكثر ميلا إلى ثقافة الخرافة والدجل لحل أزماتهم، وقد أجمعوا كلهم على أن الاحساس بالعجز عن إيجاد حلول لمشاكلهم وفقدان الأمل في المستقبل يدفعهم نحو محلات المشعوذين أو العرّافين بحثا عن الراحة والطمأنينية والتفاؤل.
سعاد الكعبي، ربة بيت، جاءت لأجل ابنتها التي تجاوز عمرها العقد الثالث و تقول إنها تعاني من كآبة ملزمة نتيجة انسداد الآفاق أمامها، فهي عاطلة عن العمل رغم حصولها على شهادة في التصميم ولم تأتيها أي فرصة للزواج وهو ما جعلها تعتقد بوجود حالة من النحس والسحر تلازمها أو كما يطلق عليها باللهجة التونسية "التابعة".
شكوك سعاد جعلها تلجأ إلى هذا العراف القريب من محل سكناها والذي اشتهر بمداواته بالقرآن علّه يفلح في حل هذه العقدة ويكشف ما يخبئه الزمن لابنتها، لكنه اشترط في أول مقابلة لها حضور المعنية بالأمر أي ابنتها ليعاينها مباشرة الأسبوع القادم، موضحة أن كل همها من وراء ذلك هو إخراج ابنتها من حالتها النفسية الصعبة وفتح أبواب الأمل أمامها.
يمينة شريّط قدمت كذلك لهذا العراف بعد أن أصبحت تشك أن بيتها مسكون بالجن، حيث تقول إنها انتقلت للعيش في شقة جديدة تحولت فيها حياتها إلى كابوس بعد أن أصبحت تسمع أصواتا خطوات أشخاص في الليل وترى ظلهم وأحيانا تشتم بعض الروائح الكريهة مما يثير في نفسها الفزع والخوف ويجعلها لا تستطيع النوم، موضحة أن هذه الحالة تقتصر عليها فقط ولا تشمل باقي أفراد العائلة الذين لم يلاحظوا شيئا.
وتضيف بهذا الخصوص . "أنا اليوم هنا لطرح مشكلتي على هذا العرّاف الذي نصحتني به زوجة أخي وقالت إنه نافع ، صحيح أنني لست راضية على هذ الخطوة التي أقوم بها وقد تكون معصية أرتكبها، لكن أنا اضطريت لذلك أريد العيش في سلام وراحة".
وفي تحليله لهذه الظاهرة يرى أستاذ علم الإجتماع طارق بلحاج محمد أن عقلية اللجوء إلى الشعوذة والالتجاء إلى السحر والعرافين مؤشر يدل على الفقر النفسي والثقافي والحضاري أكثر منه مؤشرا على التهميش الاجتماعي والاقتصادي، مشيرا إلى أن الدليل على ذلك هو أن هذه الظاهرة ليست حكرا فقط على الأميين أو الفقراء بل إن نسبا عالية من المتعلمين وخريجي الجامعات وأصحاب الأعمال هم أيضا من رواد المشعوذين والدجالين.
وأوضح لـCNN بالعربية أن عددًا من الناس يلجؤون إلى العرافين والمنجمين وإلى الخرافة عندما يحاصرهم العجز وتستبد بهم حالة اليأس وفقدان الأمل وذلك بحثا عن الراحة والشعور بالطمأنينة، مضيفا أنه في ظل تعقد ظروف الحياة أصبح السحر والشعوذة بضاعة رائجة ومربحة وباتت تدخل في صلب الحياة اليومية للتونسيين.
وأمام تنامي أعداد العرافين في تونس وتزايد اهتمام التونسيين بخدماتهم، أصدر ديوان الإفتاء بتونس قبل شهرين فتوى وصف من خلالها اللجوء إلى العرّافين والأطباء الروحانيين بـ"الدجل والخزعبلات والضحك على المرضى".
وقال الديوان إن العرافين والأطباء الروحانيين يستغلون الحالات النفسية للمرضى لأجل ابتزازهم، وأن الغيب لا يعلمه إلّا الله حسب نص القرآن الكريم مضيفًا أن هؤلاء العرافين يستغلون مشاعر المرضى عبر استعمال القرآن.
وأضافت الفتوى أنه على المسلم أن يعتمد أولا على الله يطلب منه الشفاء من الأسقام وقضاء الحوائج، لأنه هو النافع لعباده بيده الخير وهو قريب منا يسمع نداءنا ويجيب علينا وهو القائل " أدعوني أستجب لكم"، مع طلب الدواء من الأطباء أهل الاختصاص الذين أفنوا شبابهم في طلب العلم فهم الجديرون بالتوجه إليهم لا لغيرهم.