لماذا تتعامل الجزائر بقسوة مع الطوائف الإسلامية "الخارجة" عن مذهب البلاد؟
الجزائر (CNN)-- توالت تصريحات المسؤولين الجزائريين، في المدة الأخيرة، خاصة المشرفين على قطاع الشؤون الدينية، حول موضوع الطوائف الدينية، التي يعتقدون أنها دخيلة على المجتمع الجزائري وتتنافى مع المرجعية الدينية الرسمية للبلاد، أي الإسلام السني المالكي. وتُرجمت هذه التصريحات إلى تعليمات موجهة إلى المساجد تدعو فيها الأئمة للتصدي لأي كتب تروج لأفكار تخالف معتقدات الجزائريين.
وكان رئيس المجلس الإسلامي الأعلى أبو عبد الله غلام الله، قد صرح للإذاعة المحلية قبل أسبوع، أن السلطات الجزائرية ملزمة بحماية المجتمع من الطوائف التي تهدد تماسكه، مفوضا رجال الأمن باقتحام البيوت السرية للطائفة الشيعية واعتقالهم، لما "يحدثونه من فوضى في البلاد، حرصا على الوحدة الوطنية التي تهددها هذه الطوائف"، على حد تعبيره.
وسبقه لهذا الكلام، وزير الشؤون الدينية، محمد عيسى، الذي أكد أن وزارته تعكف على تتبع استراتجية لمحاربة كل الطوائف الدخيلة على المجتمع حتى لا يتم تقسيمه إلى طوائف، متوعدا بمقاضاة أي طائفة دخيلة على المجتمع الجزائري تنشط بطريقة سرية، بهدف "الحد من مثل هذه الظواهر والقضاء على الانحراف في مهده" على حد قوله.
وتأتي هذه التصريحات المتتالية، عقب اعتقال مصالح الأمن الوطني 20 فردا من الطائفة الأحمدية بشرق البلاد، فضلا عن تناول وسائل الإعلام محسوبة على التيار الإسلامي موضوع التمدد الشيعي، بعد اكتشاف خلايا نائمة تنشط بطريقة سرية، بالموازاة مع ذلك، أكدت تقارير من جهات غير رسمية وجود عدد معتبر من الشيعة الجزائريين.
في الوقت نفسه، تغض السلطات الجزائرية الطرف عن تنامي التيار السلفي الوهابي، واستمرار وجود أتباع المذهب الإباضي. وفي هذا الصدد، يبرر جلول حجيمي رئيس نقابة الأئمة، في حديثه لـCNN بالعربية، هذا التفاضل، بأن التيار السلفي الوهابي هو تيار سني لكنه متشدد، ومع ذلك فهو يختلف تماما عن الطوائف الاحمدية والشيعة وغيرها، غير أن الإباضية المتمركزة في غرداية هي جزء من الخصوصية الجزائرية.
وتشير الكتابات التاريخية أن المذهب الاباضي الذي أسسه عبد الله بن إباض التميمي، له وجود تاريخي في الجزائر من خلال الدولة الرستمية التي كانت عاصمتها "تيارت"، و"تعد أعظم دولة في تاريخ الجزائر، سيطرت على المغرب الكبير من طرابلس إلى وهران، وبنيت على العدل واتصف خلفاؤها بالنزاهة الراشدية، ودام حكمها قرنا ونصف قرن"، استنادا على منشور لرئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية، جمال سعدي.
وفي السياق ذاته، يرى عبد الحفيظ غرس الله باحث في علم الاجتماع الديني، أن الجزائريين خضعوا لعمليات تاريخية تكرس الوحدة الدينية والمذهبية والثقافية، حتى أصبحت موقفا اجتماعيا وسياسيا، غير أن هذا لم ينطبق على الإباضية، لأنها جزء من المكون التاريخي والثقافي والديني للمجتمع الجزائري وهي مجموعة منصهرة اقتصاديا واجتماعيا في الفضاء الاجتماعي العام.
وتعود مسألة الأقليات الإسلامية في الجزائر وورودها في الخطاب الرسمي بغية محاربتها بحجة مخالفتها للمرجعية الدينية للبلاد، حسب الدكتور سيد احمد أبصير باحث في العلوم السياسية، لما بعد فترة التسعينيات، وذلك في شكل انعكاس مباشر لحالة الأوضاع الأمنية والسياسية آنذاك، على اعتبار أن الجزائر كانت ترى في مسألة توظيف الدين خطرا على المجتمع والنظام على الرغم من فكرة حرية المعتقد".
وبحسب أبصير، فإن فالمشكلة تظهر متشعبة، منها ما هو هيكلي يتعلق بكيفيات التعامل مع طبيعة تلك التيارات الدينية و أصحابها و مشكلة غياب مرجعية دينية مؤسساتية بارزة، ويتابع أبصير حديثه لـCNN بالعربية، أن التخوف من هذه الطوائف هو أمني وسياسي بالدرجة الأولى، والدليل على ذلك تراتبية الأدوار الأمنية التي يجب أن تلعبها مديريات الشؤون الدينية في إدارة ومراقبة المساجد.
وتعرف الجزائر، مؤخرا، بروز ظاهرة التحول الديني من السنة إلى مذاهب إسلامية أخرى، والتي ربطها غرس الله، خلال حديثه لـCNN بالعربية، بنتائج العولمة جراء الانفتاح الإعلامي القريب جدا من كل فرد، حتى أصبح فيه منافسة في السوق الديني، مستدركا كلامه قائلا "في الجزائر التحول الديني لا يزال ملغمًا ، بحكم ترسانة القوانين و الهواجس الأمنية، فضلا عن المقاومة الثقافية التي تراه خطر ديني وسياسي واجتماعي".
ويقول أستاذ علم الاجتماع الاقتصادي بجامعة مستغانم الدكتور مصطفى راجعي، في اتصال مع CNN بالعربية، أن ما يحدث في الحقل الديني بالجزائر، مطابق لسوق السلع و الخدمات المادية، لأن "السوق الدينية تقدم خدمات روحية فيها منافسة على الاحتفاظ بالمنتسبين و كسب أعضاء جدد"، ومن هذا المنطلق، "تحاول الطوائف الدخيلة تقديم خدمات لإرضاء حاجات روحية لأفراد أصبحوا غير مقتنعين بالخطاب الديني الرسمي".
ويعلل كلامه قائلا "المنتسبون لجماعات الأقلية الدينية، ينظرون لأنفسهم كأشخاص يتعرضون للاضطهاد الديني بعد حرمانهم من حقهم الدستوري في ممارسة حرية العبادة المكفول دستوريا، في حين، أن الأغلبية السنية المالكية ينظرون لهذه الأقليات، كتهديد أو كمنافسين جاءوا لكسر احتكار السوق الديني، الذي تمارسه الأغلبية بدعم من وزارة الشؤون الدينية".
وعن المنع الذي تمارسه السلطات الجزائرية على هذه الطوائف، يوضح راجعي أن "التضييق و المنع الرسمي قد يجعل الانتساب إليها صعبا و مكلفا اجتماعيا و مهنيا، لما يتعرضون له من تحرش ديني أو اعتقال وعقوبة، لكن هذا سيجعل الأفراد الراغبين و المصممين على الانتساب لهذه الجماعات من إيجاد حلول بديلة سرية غير قانونية لتلبية حاجات الأفراد الذين يطلبون الخدمات الروحية".