لؤي شبانة يكتب لـCNN في اليوم العالمي لحقوق الإنسان: لن تتمكن أمة نساؤها مهمشة
هذا المقال بقلم الدكتور لؤي شبانة، مدير صندوق الأمم المتحدة للسكان للمنطقة العربية، والآراء الواردة أدناه تعكس وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
تختتم اليوم الحملة الدولية لمنهاضة العنف ضد المرأة، والتي درج أن تنظمها مجموعة من المنظمات الدولية وهيئات الأمم المتحدة بما فيها صندوق الأمم للسكان، بالاشتراك مع المنظمات المحلية المعنية بحقوق المرأة في العالم على مدار 16 يوما بهدف تسليط الضوء على ما تتعرض له النساء والفتيات من تمييز وتهميش وتعدي على سلامتهن الجسدية والنفسية من جراء القوانين الجائرة بحقهن والممارسات المجتمعية والثقافية التي ترسخ من استضعافهن.
ورغم تبني معظم دول المنطقة العربية تصريحات رسمية وإبدائها النية في تحسين وضع الفتيات والنساء، بما في ذلك من خلال الانضمام لعدد متزايد من القوانين والإعلانات الدولية، إلا أن المشكلة لا تكمن في استمرار أنواع من السلوك العنيف الموجه ضد النساء والفتيات فحسب، إنما أيضا في قبول المجتمعات العربية لبعض الممارسات المهينة بحق النساء والفتيات واعتبارها جزءا من الثقافة والتقاليد.
وقد كشفت بعض التقارير والإحصائيات في السنوات القليلة الماضية أن وتيرة العنف المنزلي في مصر مثلا لم تتغير خلال العقدين الماضيين رغم تطور بعض القوانين الخاصة بحماية المرأة. كما أوردت تقارير أخرى أن 62% من السيدات في المغرب قد تعرضن لنوع من أنواع العنف. و34% من السيدات المتزوجات المتراوحة أعمارهن من 15 حتى 49 سنة في الأردن قد تعرضن للعنف على الأقل مرة واحدة، واللائحة تطول.
أتساءل أحيانا عن جدوى الحملات في ظل استمرار الممارسات المهينة للنساء وللفتيات في البيت وفي الشارع وفي أماكن العمل. أتساءل أصلا عن فحوى المؤتمرات واللقاءات العديدة التي تنظمها المؤسسات المعنية بوضع المرأة والتي يستمر رغم عملها تهميش المرأة ونسيان الفتاة، بالإضافة لاستمرار توقع المجتمع أن يكون دورها دورا مكملا لدور الرجل وليس دورا مستقلا كعضو فعال في مجتمع مكون نصفه من بنات جنسها أصلا.
ورغم ظهور بعض الشخصيات النسائة العامة على الساحة في المنطقة العربية كرائدات في مجالات مختلفة، سواء في المجال الحقوقي أو الأكاديمي والثقافي أو العملي والمهني، إلا أنها ما زالت حالات معدودة وليست دارجة. بل ما زال موضوع السنة الأدنى للزواج مثلا أو الحق في التعليم موضوع خلاف في عدة مجتمعات عربية. ومن المهم ربط ظاهرة زواج الفتيات في سن مبكر بمستوى فقرهن والمستوى المتدني لدخل الفرد في بلادهن، فأعلى معدلات زواج الطفلات، أي من هن دون سن الثامنة عشرة، تحدث في البلاد الأكثر فقرا في المنطقة كاليمن والسودان والصومال، حيث تتزوج واحد من كل ثلاث سنوات قبل أن تتم عامها الثامن عش، وهو السن الذي حددته اتفاقية الطفل كآخر عام في مرحلة الطفولة، مع على معدل لزواج الطفلات في المنطقة في مصر،. أما في اليلاد ذات الاقتصاد الأقوى كالجزائر مثلا فزواج الفتيات شي نادر. ورغم تدني نسبة زواج القاصرات بالمقارنة مع الأجيال السابقة، إلا أنه من المرجح أن تستمر هذه الظاهرة وغيرها من الممارسات طالما استمرت التشريعات الوطنية بالسماح بتزويج القاصرات، وهو ما تعتبره الأمم المتحدة زواج الأطفال وانتهاك صارخ لحقوق الطفل يمنعهن من تحقيق ما لديهن من إمكانيات. فمن تتزوج صغيرة غالبا ما تتوقف عن الدراسة في سن مبكر أي قبل أن تنهي المرحلة المدرسية، وغاليا ما تحمل وتنجب الأطفال في سن مبكرة أيضا مما قد يضاعف من مخاطر الحمل والولادة على جسدها. ومع إنجابها للأطفال فإنها غالبا ما تفقد من قدرتها على الالتحاق بالعمل أو قد تعمل في مجالات تعد فرص التقدم ضئيلة، وذلك بحكم ضعف تحصيلها العلمي أصلا.
وطبعا تزداد الأمور تعقيدا أوقات الأزمات الإنسانية والحروب التي تزيد من تعرض النساء والأطفال للعنف عموما، ومن ضمنه تزيد من زواج الأطفال الذي يظهر فجأة كحل لكثير من العائلات اللتي ترى في الزواج طريق لتخفيف العبء الاقتصادي المرافق للفتاة
وفي هذه الدوامة، أتساءل من المسؤول عن تغيير عادات يراها المجتمع عادية بل وتجاهد بعض شرائح المجتمع من أجل إبقائها؟ المسؤول الأول هي الدول ودوائر صنع القرار والتي من واجبها سن قوانين وتشريعات تفي من خلالها بالتزاماتها تجاه الاتفاقيات الدوية التي صادقت عليها. ثم على الدول تفعيل القوانين وربطها بجزاء حين يتم انتهاكها، كما يجب وضع إجراءات واضحة للفتيات والسيدات حول ما يجب عليهن فعله في حال تعرضن للعنف: إلى أين يتجهن؟ هل لدى جهاز الشرطة خطة للتعامل مع من يعنف المرأة وذلك وفق قوانين واضحة؟
لقد ربطت أهداف التنمية المستدامة التي اتفقت عليها كل دول العالم التقدم والتنمية بدور المرأة كشريك أساسي في كل جوانب الحياة، منذ صغرها من خلال حقها في الحصول التعليم حتى نضجها فانخراطها في العمل سواء الخاص أو العام من خلال تبوئها لمناصب رسمية. لذا فالمدخل الأنسب لمعالجة موضوع العنف ضد النساء هو المدخل الحقوقي الذي يضمن للنساء حقوقهن ويذكر الدول بوجوب توفير التشريعات والتطبيق حتى تتمتع هؤلاء النساء بحقوقهن متمثلة بثلاثة أنواع أساسية من الحقوق هي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بالإضافة للحقوق الثقافية وإمكانية الوصول للمعرفة لتمكين النساء من اتخاذ قرارات مفيدة مبنية على دراية وليس على ما هو مقبول اجتماعيا فقط. في اليوم العالمي لحقوق الإنسان من الأساسي أن نعترف أن الطريق ما يزال طويلا أمام المرأة العربية، وأن استمرار تهميشها وتحييدها ما هو سوى تهميش لنصف المجتمع وإضاعة فرصة ذهبية لازدهار المجتمع. إن تحقيق التنمية يتطلب حشد كل قواها لا سيما القوة المغيبة وهي النساء ولا يمكن ان تصبح هذه القوة منتجة ما دامت عرضة للعنف الاجتماعي والاقتصادي.
- مصر
- اليمن
- السودان
- الصومال
- حقوق الإنسان
- حقوق المرأة
- الأمم المتحدة
- العنف الأسري
- العنف ضد المرأة
- عنف أسري
- زواج الأطفال