رشيد جرموني يكتب.. المسار الديمقراطي بالمغرب في مفترق الطرق

نشر
10 دقائق قراءة
تقرير رشيد جرموني
Credit: AFP getty images

هذا المقال بقلم د.رشيد جرموني، ولا يعبّر عن وجهة نظر CNN بالضرورة.

محتوى إعلاني

--المتتعبون للحقل السياسي بالمغرب في هذه الأيام، أصبحوا غير قادرين على فهم ما يجري في خفايا هذه العلبة السوداء. ذلك أنه لم يكن مفهوما كيف يصبح حزب على 20 مقعد، أن يصبح أحد برلمانييه رئيسا لمجلس النواب (أعني الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية)، رغم أنه اختار في الولاية السابقة، أن يكون في خط المعارضة مع حزب الأصالة والمعاصرة. ولعل الدهشة التي تنتابنا، هي أنه لم يكن أحد يصدق أن يتحول حزب سياسي وطني وعريق وذو تاريخ كبير،- تنوء عنه مختلف الكتابات والأبحاث لتجلية مساره في بناء الديمقراطية المغربية- إلى الاصطفاف في جهة التحكم "والنيوسلطوية" وأن لا يختار أن ينحاز إلى أحزاب الكتلة الوطنية والديمقراطية (حزب العدالة والتنميةوالتقدم والاشتراكية وحزب الاستقلال). إنها نهاية وموت حزب كان اسمه يززل الأرض من تحت أقدام السلطوية والتحكم. بيد أن دهشتنا واستغرابنا يتبددان، إذا ما وقفنا عند مختلف المعطيات والمواقف التي طفت للسطح في الآونة الأخيرة والتي أقعبت مفاوضات تشكيل حكومة السيد عبد الاله بن كيران. فكما يعلم الجميع، فقد استمر التفاوض والتفاوض المتعب والمسلسل الهليودي كا أحب أن أسميه، طيلة أكثر من 100 يوم إلى حد كتابة هذه السطور.

محتوى إعلاني

يتبن أن هناك خيوط لمؤامرة كبيرة ضد الخيار الديمقراطي، وضد إرادة الشعب المغربي، أو على الأقل الذين اختاروا المشاركة في الانتخابات. وهذه المؤامرة كما يعرف الجميع، أصبحت خيوطها مكشوفة بعدما تم انتخاب "الحبيب المالكي" أو كما نعتته شبكات التواصل الاجتماعي ب"كرزاي المغرب"، بمجموع أصوات 198 برلمانية وبرلماني. وهذه رسالة مشفرة تقول للسيد عبد الاله بن كيران، أننا نمثل الجهة الأقوى وأنك لن تستطيع تشكيل حكومة بدون هذه الكتلة؟ وثانيا، إن هذا التكتل يمكمن قراءاته من وجهة نظر أخرى، وهي أنه يبعث رسالة إلى الصف الآخر، بان زمام الأمر بيدنا وأننا نملك أن نلعب جميع الأوراق لكي لا يكون للحزب الاسلامي، أي قوة في تشكيل حكومة منبثقة عن صناديق الاقتراع؟ وأننا لا نؤمن بمن حصل على 125 مقعد أو أقل؟ فنحن (الخطاب لمن يدير المؤامرة المكشوفة) قادرون على صنع أغلبيتنا بشروطنا نحن وليس بشروط المتزعم للانتخابات. وإذا ما بدا أن السيد عبد الاله بن كيران وحزبه متشبثون بالمنهجية الديمقراطية وبالخيار الذي انتهجه الدستور المغربي لسنة 2011، وبثقة الشعب، فإن التجربة المغربية أو لنسميها "الدموحرامية" كما كان يطلق عليها الراحل "المهدي المنجرة"، يمكنها أن تقلب كل الأمور، وأن تلعب كل الأوراق بما فيها الخروج عن هذه المنهجية. فما دلالة ذلك؟ ما هي أثارها على أداء الفاعلين السياسيين في اللحطة الحرجة؟ وما هي مختلف السناريوهات المطروحة؟

بدون مقدمات وبدون جدل في استكناه مختلف المبادرات التي يقوم الفاعلون السياسيون في المغرب، يبدو أن هناك معطى أساسيا في فهم الحقل السياسي المغربي اليوم، وهو انه لا يسمح لتجربة الاسلاميين ممثلا في حزب العدالة والتنمية بالانتقال لتدبير الشأن العام وخصوصا التنفيذي، لما له من تداعيات كبرى على المشهد العام –ليس داخل المغرب وحده، ولكن خارجه- لأن هذا الاستثناء يمكن أن يشكل بارقة أمل في المنطقة العربية والاسلامية، ويمكن أن يؤسس لمرحلة جديدة في علاقة الاسلاميين بتدبير السلطة، وبالقدرة على تملك الخبرات الكبيرة في التقدم في تحقيق نجاحات سياسية، بل وأكثر منها وتضاهيها من حيث القوة والفعل، وهي التمكين لخيار إديولوجي وقيمي من إشاعة سلوكه السياسي والفكري والسلوكي. وهو ما يمثل "تهديدا" حقيقيا للنسق السياسي العربي والاسلامي والمغاربي، والمتسم "بفيروس التسلط والتحكم".

ويمكن القول، أنه مع دخول تجربة احزب العدالة والتنمية في الحياة السياسية المغربية، بدأت تبرز العديد من الظواهر التي لا يمكن تجاهلها في هذا التحليل –المتواضع- على كل حال. فقد فرض السلوك السياسي لهذا الحزب، على بقية الأحزاب أن ترتفع لمستوى الاستقلالية في القرار السيادي والساسي. ولعل تجربة كل من حزبي التقدم والاشتراكية والاستقلال تبينان هذا المعطى بجلاء. لأنه وقع تمرين واحتكاك ديمقراطيين في الساحة السياسية، فرضت ايقاعا جديدا لم نألفه منذ مدة. وقد كان لذلك تداعيات على هذا النسق الذي كان ولا يزال يتسم بالسلطوية والتحكم، لكن مع حدوث تحولات نوعية فيه.

من جهة ثانية، تكشف هذه المؤامرة أن مشهدنا السياسي المغربي جد هش وقابل للتراجع في كل لحظة وفي كل حين، فكون أن يتسلل حزب إلى الحياة السياسية في زمن قياسي ويستطيع أن يجمع حوله كل هذه الاحزاب، من غير تفريق بين حزب وطني وحزب إداري فهذا مما ينذر بأننا لا زلنا في مرحلة السبعينيات أو الثمانينات من القرن الماضي. هذا بالرغم من التطور الدستوري والقانوني بل وحتى المؤسساتي الذي يعرفه المغرب.

بالمقابل، والرغم من انكشاف مؤامرة تحييد حزب العدالة والتنمية ووضع الأشواك والمتاريس في وجهه لتشكيل الحكومة، فإن المفاجاة كانت هي التوصيت بورقة بيضاء في انتخابات رئيس مجلس النواب. ولعلنا نستغرب من مثل هذا السلوك السياسي، لفاعل يعي جيدا خيوط المؤامرة ومن يقف وراءها. وتزداد مفاجئتنا حدة عندما نرى كيف تهافت فريق العدالة والتنمية لاقتسام "المناصب" المسؤولية في مجلس النواب. وهذا ينم عن كون العدالة والتنمية، يريد أن يطمئن الجهات التي تقف في وجهه، أنه قادر –ببراغماتيته السياسية- أن يحافظ على وضعه في التغيير من داخل المؤسسات كيفما كانت النتائج.

إنها بكل صراحة عقدة الاسلاميين التي أفحمهم بها منهدسها الأول، الاستاذ عبد الاله بن كيران. الذي يقول إننا لا يجب أن نترك الكرسي الفارغ؟ بل يجب دائما أن نحافظ على حضورنا من أي موقع كنا فيه؟ ربما كان هذا الكلام صالحا في مرحلة زمنية معينة، لكنه اليوم يقفز على حقائق كثيرة، وهي أن المجتمع المغربي أصبح أكثر قدرة على التمييز وأكثر قدرة على الدفاع عن خياراته الكبرى ومنها بطبيعة الحال الخيار الديمقراطي. وأن المغاربة الذين صوتوا للعدالة والتنمية (والذين ليسوا برقم سهل وليسوا بكتلة ناخبة معية) بل هم تعبير عن مغرب جديد، مغرب ينشد التعبير عن الذات وعن هوية سياسية ديموقراطية.

ولهذا فأنا شخيصا أعتبر أن هذا السلوك السياسي في غير محله وينم عن وعي باللحظة التاريخية التي نمر بها. وكان عليه أن يختار خيار المقاطعة –كما قام بذلك حزب الاستقلال- الذي عبر عن موقف شجاع وفي محله. فعندما يكون "الغموض السياسي" حسب افتتاحية جريدة العلم ليوم الخميس19 يناير 2017، فإن الفاعلين الساسيين الجادين عليهم ان يتحموا مسؤلياتهم في اتخاذ القرارات الصائبة والمنحازة للخيار الديمقراطي. إذ كيف يمكن فهم هذه الازدواجية الرهيبة أن لا تصوت على رئيس مجلس النواب، ثم تأتي لكي تؤتت المجلس بأعضائك؟ ربما نشهد في لحظتنا هذه المشاهد السريالية العصية عن التفسير والشرح؟ قد يقول قائل إن هذا الخيار هو الخيار المتاح في ظل الضغوطات التي يتعرض لها حزب إسلامي منبوذ من طرف الجهاز المتحكم في السلطة بالمغرب؟

ربما ضعف تقدير اللحظة، وعدم تملك ملكة النقد كما يقول بذلك "هيغل" هي التي أصابت بالعمى من يدبرون أمر المواقف السياسية في حزب العدالة والتنمية. وإليكم المعطيات التي تغافل عنها هذا الحزب.

أولا: وجود وعي لا يفتأ في الصعود تعبر عنه مختلف حساسيات المجتمع المغربي، أو ما يمكن ان نسميه "القوة الناعمة" او المواطنة النشطة" التي يستحيل عليها، أن ترجع المغرب إلى ما قبل 2011.

ثانيا: تمكن حزب العدالة والتنمية من تسيير مجموعة من المدن الكبرى والمتوسطة، والتي تدبر الشأن اليومي ولها تأثير مباشر على حياة المواطنين، وقد بدأت بعض المبادرات في بعض المدن تؤتي ثمارها، مما يمكن الحزب من قوة دعم جماهيرية جد قوية.

ثالثا: إن تعرية المتؤامرين على الخيار الديمقراطي لا يمكنها ان تتحقق بالتعايش معه، فكيف يعقل أن تقنع أحدا، بأنك ستدبر الأمر في حكومة تسيرها انت لكنك لا تملك فيها رأيك؟ وكيف يمكنك أن تتخذ قرارات في صالح الخيار الديمقراطي إذا كنت بجانب من هم ضد الديمقراطية؟

ولهذا فأنا أعتقد أنه كان على الحزب –وربما ما يزال الأمر مفتوحا- أن ينحاز إلى خيار المعارضة والاصطفاف بجانب القوى السياسية الشريفة، (حزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية) لكي يؤطر الجماهير ولكي يقود سلسلة من الإصلاحات الجوهرية على مستوى الوثيقة القانونية (الدستور لتجاوز بعض ثغراته وأيضا مناطق الظل فيه) ، وثانيا على مستوى الرفع من ايقاع النقاش العمومي في الفضاءات المؤسساتية وغير المؤسساتيه، لكي نرتقي بتجربتنا الدقمراطية نحو مزيد من الشفافية والمحاسبة والاستحقاق والجدارة. وهكذا سيكون له تأثير –فيما نعتقد- في تجنيب المغرب سيناريوهات العودة لمنطق التحكم والسلطوية.

نشر
محتوى إعلاني