رأي.. الحبتور لترامب: يمكنك أن تصطاد ذبابا أكثر بواسطة العسل
هذا المقال بقلم رجل الأعمال الإماراتي، خلف الحبتور، وما يرد به لا يعكس بالضرورة آراء شبكة CNN.
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- كان دونالد ترامب رجل الأعمال مثيراً للإعجاب. وكذلك ترامب نجم الواقع، لكنني متخوّف من المنعطف الذي يأخذنا فيه كرئيس للولايات المتحدة وقائد العالم الحر. ولستُ الوحيد الذي تراوده هذه المخاوف، فخير دليل على ذلك ملايين المحتجّين الذين كانت لهم وقفة موحّدة من هونغ كونغ إلى هيوستن تعبيراً عن اعتراضهم.
فات الأوان! لقد أُغلِق باب الإسطبل، ورُبِط الحصان بداخله. جل ما يمكننا فعله الآن هو الجلوس والتفرّج على الأداء الأكبر لهذا الرجل الاستعراضي أملاً في أن يخرج العالم كما نعرفه سالماً مستقراً.
يحتاج عالمنا إلى أن تكون الولايات المتحدة قوية ومستقرة أكثر من أي وقت مضى، خلال هذه الأزمنة العاصفة والمضطربة، لا سيما وأن النسيج الأوروبي يتداعى بسبب شبح الانتخابات المقبلة في فرنسا وهولندا وألمانيا حيث يُتوقَّع أن يكون النصر حليف المرشحين الشعبويين اليمينيين، على خطى ترامب. ليس من مصلحة أحد أن تكون أمريكا ممزّقة بالانقسامات والكراهية. لكن لسوء الحظ، ليس الرئيس الأمريكي الجديد عامل توحيد.
لم يسبق أن بدأ رئيسٌ ولايته مع هذا القدر من العداء الشديد الذي تكنّه شريحة كبيرة من السكان وصولاً إلى وسائل الإعلام التقليدية، والمجتمع الاستخباراتي، والأقليات العرقية، والنخب السياسية، الديمقراطية والجمهورية على حد سواء. فالمرسوم التنفيذي الذي أصدره وقضى بإلغاء القرار الذي كان أوباما قد اتخذه لوقف إنشاء خطَّي أنابيب لاعتبارات بيئية، تسبّب بإشعال الاحتجاجات من جديد، وقد يؤدّي أسلوب الازدراء الذي يعتمده في التعاطي مع قضية تغير المناخ إلى نكث الولايات المتحدة بتعهداتها بموجب اتفاق باريس.
لم يسبق أن أثار رئيس أمريكي غضب الأصدقاء والشركاء الأقرب لبلاده (الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي ’الناتو‘ والأمم المتحدة) أو استقطب كل هذه الكراهية في عواصم الدول المجاورة لبلاده وخصومها (المكسيك والصين) في مستهل فترة شهر العسل التي تمتد لمائة يوم عادةً في بداية عهده.
أؤيّد تماماً منحه فرصة، لكن للأسف لست متفائلاً بعد مراجعة تصريحاته حول مجموعة متنوعة من المسائل. هل يعتقد أن العالم سيقف مكتوف الأيدي فيما يعمل هو على تحقيق الأهداف التي حدّدها تحت شعار "أمريكا أولاً" والتي تتّسم بالأنانية الشديدة؟
لقد رفضت المكسيك رفضاً قاطعاً تسديد تكاليف الجدار الذي يستعدّ لتشييده. وحذّرت الصين من أنها لن تقبل بأي تفاوض على سياسة "الصين الواحدة" التي تُعتبَر الركيزة الأساسية للعلاقات الأمريكية-الصينية. ويُعتقَد أن كوريا الشمالية تستعدّ لتوجيه رسالة عبر إطلاق صاروخ متطور بعيد المدى. وتقول إيران إنها لا تنوي إعادة التفاوض على الاتفاق النووي، وفي حال إلغائه، سوف تستأنف برنامجها النووي.
تحذّر القيادات الفلسطينية والعربية من أن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس سيقود إلى رد فعل عنيف، ويطلق رصاصة الرحمة على محادثات السلام التي تعهّد ترامب بتأدية وساطة ناجحة فيها بمساعدة من صهره جارد كوشنر، كبير مستشارين بالبيت الأبيض.
لقد اجتمع وزراء الاتحاد الأوروبي مرات عدة لمناقشة تأثير رئاسة ترامب على العلاقات الأمريكية-الأوروبية. ولم تكن مخاوفهم في غير محلّها. فالإدارة الجديدة لم تهدر وقتها في الطلب إلى بروكسل الاختيار بين الجيش الأوروبي المقترَح إنشاؤه والتمويل الأمريكي للناتو. قد تقرّر دولٌ شعرت بالراحة والاسترخاء تحت المظلة الدبلوماسية والعسكرية الأمريكية، منها دولٌ عدة في الشرق الأوسط، أن تبدأ بنفسها تطوير الأسلحة النووية الرادعة.
لعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يتطلع إلى ترامب إلى رفع العقوبات عن بلاده، ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، التي تصبو إلى التوصل سريعاً إلى اتفاق تجاري عن طريق التفاوض، هما رئيسا الدولة الوحيدان اللذان يتلهّفان فعلاً لمصافحة ترامب بقدر ما هو متلهّف لمصافحتهما. يردّد أفراد أسرة الرئيس الأمريكي أن الولاء هو القيمة الأهم بالنسبة إليه. إذاً يمكننا أن نفترض أنه ما دام صديقاه الجديدان المفضّلان مستعدَّين للتعاون، سوف تدوم العلاقات معهما، لكن في حال انحرفا عن المسار، فسوف ينضمان هما أيضاً إلى قائمة أهدافه.
ما يقلقني هو النزعة التجارية لدى ترامب. فحيث يرى الآخرون معاناةً يرى هو ذلك بمنظار الدولارات وبالعنوان العريض. على سبيل المثال، يلتقي المجتمع الدولي حول الرأي القائل بأن اجتياح العراق عام 2003 كان خطأ كارثياً. يصرّ ترامب الآن على أنه لم يقدّم قط دعمه للاجتياح. غير أن مقاطع الفيديو تُثبت أنه مجرد مثال آخر عن "الحقائق البديلة".
قال في الكلمة التي ألقاها في حفل التنصيب إن الولايات المتحدة لن تسعى إلى فرض نمط عيشها على البلدان الأخرى. أنا أصدّقه. هو لا يأبه لما يجري في باقي بلدان العالم شرط ألا يؤثّر في المصالح القومية الأمريكية. قد يبدو ذلك خبراً ساراً نظراً إلى الفوضى التي أثارها الرئيس السابق باراك أوباما عبر التدخّل في أمور ليست من شأنه. لكن هل هو كذلك فعلاً؟
صُدِمت لدى مشاهدة شريط فيديو يتضمّن مقابلات وخطباً عدة – منها رسالته الأخيرة إلى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي أيه) - تطرّق فيها ترامب إلى النقطة نفسها مراراً وتكراراً:
"يملك العراق نفطاً تبلغ قيمته 15 تريليون دولار، ويحتل المرتبة الثانية بعد السعودية. لقد أبيدت جيوشه. جيوشه ضعيفة. ومجتمعه فاسد في مختلف الأحوال... لذلك قلت ببساطة ’نأخذ النفط‘. أقلّه يسدّدون لنا الـ1.5 تريليون دولار (مقابل تحريرهم)"
أضاف: "عندما دخلنا إلى ذلك البلد، قلت: ’أفترض أننا سنأخذ النفط‘... هل سمعتم يوماً بمقولة ’الغنائم ملكٌ للمنتصر‘. إذا غادرنا، يجب أن نأخذ النفط. أقلّه يدفعون لنا بهذه الطريقة. فنُشِرَ على الصفحات الأولى أن ترامب شخص مريع يريد الاستيلاء على النفط من دولة سيادية... رويدكم علي!"
تابع ترامب: "أنا كنت لآخذ ثروتهم، كنت لآخذ نفطهم. لا وجود للعراق. قادتهم فاسدون. ليس هناك عراقيون... يجب إنشاء سياج دائري حولها (سياج دائري من الجنود الأمريكيين حول الحقول النفطية)"
هناك مزيدٌ من الكلام المماثل، لكن وصلت الفكرة. كان ترامب يتوقَّع من العراق أن يدفع ثمن تدميره عبر الغرق في الفقر. يكاد يجعل جورج دبليو بوش وباراك أوباما يبدوان وكأنهما فاعلا خير بالمقارنة معه. إذا كان لا يزال يسعى خلف هذا الهدف، فكيف يتوقّع أن يهزم الإرهابيين؟ سرقة الثروة الطبيعية للعراق ستكون أشبه بحزام ناقل يُنتِج الإرهابيين. من المؤكد أن كلامه سيجعل الدول الأخرى المنتجة للنفط ترتعد خوفاً.
كما أن سعيه إلى إفقار المكسيك عبر ترحيل ملايين المهاجرين غير الشرعيين وتهديده المصانع المتعددة الجنسيات وتحذيرها من استحداث وظائف في المكسيك تحت طائلة فرض تعرُفات جمركية على الواردات تصل نسبتها إلى 45 في المائة، قد يؤدّي إلى تدفق هائل للأشخاص بدافع اليأس ولن ينجح أي جدار في كبحه.
يقدّم ترامب نفسه بصورة البطل نصير الأشخاص العاديين والمنسيين. غير أن سياساته التجارية الحمائية المقترحة قد تتسبّب بارتفاع الأسعار، والتضخم، واندلاع حروب تجارية. لا شك في أن الصين تضحك في سرّها بعدما أقدم ترامب على الانسحاب من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ التي استغرق إنجازها سبع سنوات، والتي وُجِّهت دعوة مؤخراً إلى الصين للانضمام إليها.
أمريكا ترامب مجردة من كل مشاعر الرحمة تماماً مثل مراسيمه التنفيذية التي تحظر دخول اللاجئين القادمين من بلدان الشرق الأوسط التي تمزّقها الحروب، إلى الولايات المتحدة، وتستهدف "المدن الملاذ" التي ترفض ملاحقة المهاجرين غير الشرعيين قضائياً، وتقضي بوقف إصدار التأشيرات لأي مواطن من سوريا أو العراق أو إيران أو ليبيا أو الصومال أو السودان أو اليمن. لن تؤدّي هذه الخطوات التي تستهدف المسلمين في شكل أساسي، سوى إلى استفحال مشاعر العداء للولايات المتحدة، وسوف يُفهَم منها أنها بمثابة موافقة على خطاب الكراهية ورهاب الآخر الموجَّهَين ضد المسلمين الأمريكيين. وقد بدأت تداعياتها تظهر على الأرض. ففي 15 يناير الجاري، أُحرِق أحد المساجد في سياتل.
ومن شأن سعيه الحثيث لإلغاء برنامج "أوباما كير" للرعاية الطبية من دون تأمين بديل مناسب، أن يجعل الملايين محرومين فجأة من التأمين الصحي. من أولى القرارات التنفيذية التي أصدرها نسف الجهود التي بذلها أوباما لخفض أقساط التأمين على الرهن العقاري. كما أنه متّهم بتقويض القسائم الغذائية التي يعوّل عليها 45 مليون أمريكي من الأشد فقراً، وهم الأشخاص أنفسهم الذين صوّتوا له.
تستند الولايات المتحدة إلى منظومة من الضوابط والتوازنات. لكن فيما يُرتقَب أن تسيطر أكثرية جمهورية على المحكمة العليا وبوجود كونغرس يطغى عليه الجمهوريون، لن تتمكّن الثنائية الحزبية من تأدية دورها في كبح جماح السياسات غير الدستورية التي يعتزم ترامب تطبيقها.
النصيحة التي أوجّهها إلى الرئيس دونالد ترامب هي الآتية: يمكنك أن تصطاد عدداً أكبر من الذباب بواسطة العسل. لا تتردد في مدّ يدك إلى جميع من هدّدتهم أو أسأت إليهم. اطلب منهم أن يعملوا معك لجعل عالمنا مكاناً أفضل، ليس للأمريكيين وحسب إنما لنا جميعاً. لا يمكنك أن تدير القوة العظمى وكأنها شركة عائلية.
القيم التي لطالما تمسّكت بها أمريكا هي على المحك الآن، وكذلك مكانتها التي تجعل منها شعاع أمل للفقراء والمظلومين. إذا فقدت الولايات المتحدة احترام العالم، فسوف يتداعى دورها القيادي خلال العقود المقبلة، ويصبح شيئاً من الماضي.