رأي.. هل سيعلن ترامب الحرب على إيران الفارسية أم سيقضي على "الدولة الإسلامية"؟

نشر
8 دقائق قراءة
تقرير شمس الدين النقاز
Credit: Win McNamee/Getty Images

هذا المقال بقلم شمس الدين النقاز، والآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظره، ولا تعكس بالضرروة رأي شبكة CNN.

محتوى إعلاني

الحديث عن إيران ذو شجون، واستذكار أفعالها في منطقة عربية كانت هي رأس الحربة في تخريبها يطول ولا ينتهي، فإيران ذلك البلد الجميل، لم يرض مرشد الثورة الإيرانية آية الله الخميني أن يتركه آمنا بعيدا عن الحروب والنزاعات وتصدير الطائفية المقيتة، بل اجتهد في جعله قبلة للطائفيين الباحثين عن حضن يضمهم.

محتوى إعلاني

ورغم قلة بضاعته السياسية وطول فترة مكوثه منفيا خارج بلاده، إلا أن الخميني رجل الدين والفيلسوف الفارسي، رجع إلى مسقط رأسه "فاتحا" للبلاد، وقائدا لمرحلة جديدة من تاريخها، هدفها تصدير الثورة الإيرانية إلى دول الجوار ومحاربة أقرب الأقرباء.

بعد عام و7 أشهر من توليه الحكم خلفا للشاه محمد رضا بهلوي، قاد الخميني حربا ضد جارته العراق، وصفها مؤرخون بأنها الأكثر دموية في المنطقة، وامتدت لـ8 سنوات، وأوقعت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى كما تسببت في خسائر بمليارات الدولارات للبلدين.

مات الخميني وحل محله "خمينيون" جدد، كانوا أشد تطرفا وأكثر طائفية من أستاذهم، فظهرت إيران الدولة الفارسية الطامحة إلى إعادة أمجاد امبراطوريتها التاريخية بوجه أكثر قبح، يعرف الجاهل قبل المتعلم أنه استعماري أساسا، سرعان ما ترجمه تصريح مندوب طهران في البرلمان الإيراني، علي رضا زاكاني، المقرب من المرشد الإيراني علي خامنئي، بالقول إن "العاصمة اليمينة صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التابعة لإيران بعد كل من بيروت ودمشق وبغداد".

التصريحات المستفزة للمسؤول الإيراني، والتي أكدها حيدر مصلحي، وزير الاستخبارات الإيراني السابق في حكومة محمود أحمدي نجاد، بقوله إن "إيران تسيطر فعلا على أربع عواصم عربية كمال قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو"، لقيت آذانا تسمعها ولكنها لم تجد من يردعها، فبالكاد يستطيع العرب اليوم، أن يدافعوا على عروشهم من بطش الإيرانيين.

الإيرانيون دهاة السياسة وأصحاب النفس الطويل في المفاوضات والمراوغات واللاعبون المهاريون في ميدان السياسة، التهموا منطقة عربية ساخنة وحاصروها من كل الجهات، فالعراق أضحى دولة تتحكم فيها الميليشيات الموالية لطهران، ولبنان دولة كارتونية يحكمها حزب الله، أما اليمن فقد غدى الحوثيون أصحاب "حق" يقاتلون للمحافظة عليه مهما كلفهم ذلك، أما سوريا، فعن ماذا سنتحدث وماذا سنترك.

لن نستعرض كثيرا مسار النفوذ الإيراني في هذه البلدان المذكورة، لكن وجب علينا التذكير بالدور الإيراني في استخدام جزء كبير من هذه الشعوب في محاربة إخوانهم وأهاليهم وقبائلهم الرافضة لأن تكون أحجارا على رقعة الشطرنج الفارسية.

لقد شكل الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق منعرجا حاسما في تاريخ التمدد الإيراني في المنطقة، فالدور الذي لعبه "الملالي" في مساندة الغزاة ومد يد العون لهم، لا يكاد يخفى على كل ذي بصيرة، بل إن عددا من المسؤولين الإيرانيين ووكلائهم كانوا قد اعترفوا في أكثر من مناسبة بأنهم بمثابة الجسر الذي عبرت من خلاله قوات الاحتلال الغازية.

محمد على أبطحي نائب الرئيس الإيراني الأسبق للشؤون القانونية والبرلمانية، كان أحد هؤلاء المفتخرين بالدور الإيراني في الوقوف بجانب المحتل، ففي ختام أعمال مؤتمر الخليج وتحديات المستقبل الذي نظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية بإمارة أبوظبي في 15 من شهر يناير 2004، وقف "أبطحي" شامخا ليعلن عن أن بلاده "قدمت الكثير من العون للأمريكيين في حربهم ضد أفغانستان والعراق"، مؤكدا أنه "لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة"، قبل أن تنطفئ شعلة حماسه وفخره، بالتعبير عن أساه لأن "الشيطان الأكبر" لم يثمن الخدمة التي قدمتها له إيران، بقوله "لكننا بعد أفغانستان حصلنا على مكافأة وأصبحنا ضمن محور الشر، وبعد العراق نتعرض لهجمة إعلامية أمريكية شرسة".

إن العلاقة الحميمية الكبيرة بين الولايات المتحدة وإيران لم تكن أكثر من زواج متعة معلوم الأجر والتوقيت من الجانبين، فأمريكا "الدولة العظمى" ما كانت لتنجح في تنفيذ سياساتها لولا المساعدات والتسهيلات التي منحها لها "ملالي طهران" الذين نالوا جزاء ذلك اتفاقا نوويا أخرجهم من الظلمات إلى النور بعد أن كاد الشعب الإيراني المغلوب على أمره يثور عليهم احتجاجا على تردي الأوضاع الداخلية على جميع المستويات.

السؤال الأهم اليوم، هل سيعلن الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب الحرب على إيران أم سيواصل مسايرتها بتطبيق سياسة باراك أوباما المرنة؟ فمن جهة كان أوباما يصرّح بمواقف عدائية ضد المد التوسعي الإيراني ومن جهة أخرى كان الراعي الأول للإتفاق النووي الذي أخرج إيران من عنق الزجاجة.

على ما يبدو، سيغير ترامب من سياسة بلاده الخارجية فيما يتعلق بالتعامل مع الملف الإيراني، فالتمدد الفارسي في المنطقة العربية آخذ بالتوسع والتهام المزيد من الدول العربية والمحاذية لها على غرار أفغانستان التي عرفت في السنوات الأخيرة تقاربا كبيرا بين البلدين إضافة إلى ارتماء حركة طالبان في الحضن الإيراني، وهو ما تسبب في غضب حلفاء واشنطن.

الرئيس الأمريكي الجديد يعلم جيدا اليوم، أن حربه الأساسية ضد تنظيم الدولة الإسلامية الذي أصبح يهدد مصالح بلاده وحلفائها في كل مكان، وفي نفس الوقت يستمتع ترامب في مكتبه البيضاوي، بمشاهدة الاقتتال الحاصل بين التنظيم وميليشيات إيران في سوريا والعراق والذي يصب في بعض جوانبه في مصلحة الولايات المتحدة الرافضة للنزول بريا لقتاله.

دول المنطقة اليوم أصبحت ترى في التمدد الإيراني خطرا داهما لا يقل خطورة عن "الوحش الجهادي"، لكنها تأمل في القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية علنا والتفاوض مع إيران سرا قبل أن يقع السقف على الجميع، وفي نفس الوقت، تخشى من أن تزيد تصريحات ترامب الطين بلة، لأن اندلاع حرب أخرى في المنطقة لن تحل المشاكل بقدر ما ستكون الأخطر والأكبر والأكثر تدميرا.

لا نظن أن الرئيس الأمريكي الجديد، سيورط بلاده في حرب جديدة في ظل وضع داخلي متأزم لم تعرفه أمريكا منذ عقود، ناهيك عن أولوية محاربة تنظيم الدولة الإسلامية الذي أظهر صمودا كبيرا رغم أكثر من عامين من القصف المتواصل على مقاره في سوريا والعراق، إلا أن كل السيناريوهات ستبقى مطروحة بهدف تأديب طهران وإنزالها منزلتها الحقيقية بعيدا عن استعراض صواريخها الباليستية التي لا تعدو أن تكون كومة من الحديد الصدأ حان وقت التخلص منها بقصف "النواصب" في كل مكان.

نشر
محتوى إعلاني