الجانب "المظلم" للإتجار بأطفال دور الأيتام في هاييتي
هاييتي (CNN)-- في جزيرة هاييتي الكاريبية، يعيش 30 ألف طفلٍ على الأقل في دور الأيتام، وهو رقم ضخم جداً في دولة لا يتجاوز تعدادها السكاني العشر ملايين شخص، خاصة وأن غالبية هؤلاء الأطفال ليسوا أيتاماً في الواقع.
وتُقدر الحكومة هناك أن نسبة 80 في المائة من الأطفال المقيمين في دور الأيتام، لا يزال أحد والديهم على الأقل على قيد الحياة.
وفي الكثير من الحالات، يضع الأهالي أولادهم في دور الأيتام لأنهم غير قادرين على إعالتهم مادياً. وباتت تعتبر هذه الممارسة أمراً شائعاً في الجزيرة، خاصة إثر الزلزال الكارثي الذي أصاب البلاد في العام 2010، والذي خلف عشرات الآلاف من المشردين. ويعتقد الأهالي أن دور الأيتام ستوفر سكناً وغذاء أفضل للأطفال، حيث يتم الاعتناء بهم وتعليمهم.
لكن لسوء الحظ، هذا ليس الحال دائماً.
ويقول رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإتجار بالبشر في هاييتي، فيلس لين تيلوت، إن الكثير من دور الأيتام تستغل الأطفال، مؤكداً أن حالات عمالة الأطفال القسرية موجودة، ومضيفاً أنه "يسمح للأطفال بالعيش في البؤس حتى يتبرع لهم الأجانب بالأموال من باب الشفقة."
وبحسب تقرير أُطلق في يونيو/حزيران من العام 2017 ضمن أول مؤتمر وطني حول الإتجار بالأطفال في هاييتي، يبلغ مقدار التبرعات التي تجمعها دور الأيتام في هايتي سنوياً حوالي 100 مليون دولار، والتي تقدمها المجموعات التابعة لكنائس ومؤسسات غير ربحية، غالبيتها في الولايات المتحدة.
وبحسب المؤسسة غير الربحية التي أصدرت التقرير، والتي تدعى "Lumos"، لا تصل غالبية تلك الأموال للأطفال، الذين يفتقرون للحاجات الأساسية، كالطعام، والمياه، والعناية الطبية، والتعليم. وفي أسوأ الحالات، وجدت المؤسسة حالات من الاستغلال الجنسي للأطفال والإتجار بهم داخل دور الأيتام في هاييتي.
وتقول جورجيت مولهير، المديرة التنفيذية لـ "Lumos": "يجب أن نثقف المتبرعين والمتطوعين، لأنه رغم نواياهم الحسنة، ولكنهم يدعمون الإتجار بالبشر في هاييتي لدى تبرعهم لدور الأيتام أو تطوعهم بها."
وتؤكد مولهير أن هاييتي لا تعاني من أزمة أيتام، بل من "أزمة دور أيتام،" مشيرة إلى أن الأشخاص عديمي الضمير وجدوا في تلك الدور طريقة رابحة لجني الأموال، واستغلال الشريحة الأضعف في المجتمع.
وتضيف أن دور الأيتام "تدفع الأموال لأشخاص يبحثون عن الأطفال، ويضغطون على الأهالي للتخلي عن أبنائهم، ووهبهم لدور الأيتام، حيث سيحصلون على التعليم والعناية الصحية وفرصٍ لن يستطيع الأهالي إتاحتها لهم."
وتقول ميريه، البالغة من العمر 42 عاماً، إن هذا ما حدث معها بالضبط، إذ بدأ كابوسها في يناير/كانون الثاني من العام 2010، عندما أصاب زلزال بقوة 7.0 درجة المنطقة المجاورة لمنزل أسرتها. وبقيت تقيم في سكن مؤقت لأربع سنوات بعد تلك الحادثة بالقرب من العاصمة بورت أو برانس، حين توفي زوجها في تلك الفترة. وعانت ميريه بعدها من صعوبة إعالة أبنائها الثلاثة الصغار.
وفي تلك الفترة، تحدث معها رجل عرض المساعدة ووعدها بالاعتناء بأولادها، إذ تقول ميريه إن هذا الرجل هو يوهانس فيرنت، صاحب دار "Four Winds Spirit" للأيتام، موضحة: "لم يكن لدي أي شيء يتيح لي الاعتناء بهم. قال لي إنه سيسجلهم في المدرسة."
وتقول ميريه إنها كانت متأكدة من أن أولادها يعيشون برخاء في منزلهم الجديد، لذا لم تفكر بزيارتهم يوماً. لكن، صُدمت بعد سنتين عندما تواصلت معها مؤسسة "Lumos" وأخبرتها عن معاناة أطفالها.
وتشير ميريه إلى أنها عندما قامت بزيارتهم، وجدت أسرَة من دون أغطية، ومياة ملوثة للشرب، ووجدت أن أطفالها مرضى.
ولسوء حظ ميريه وأطفالها، تم ذكر دار "Four Winds Spirit " للأيتام بين أسوأ دور الأيتام في البلاد، وأغلقته الوكالة الحكومية التي تراقب تلك الدور في هاييتي.
واعترف فيرنت بأنه كان يضرب الأطفال بالسوط، لكنه قال إن هذا لا يعتبر تعنيفاً، بل هو من أنواع التأديب. كما يعترف بأن الأوضاع في الميتم لديه كانت سيئة، لكنه ألقى اللوم على المتبرعين الأمريكيين، الذين كانوا يجلبون معهم كميات صغيرة من الطعام والمياه، بدلاً من عرض الدعم المادي المستمر.
وفي الواقع، لا يدرك فيرنيت الخطأ الذي اقترفه. وبحسب تيلوت، الممثل الأعلى لمكافحة الإتجار بالبشر، ردة فعل فيرنيت شائعة جداً، مؤكداً: يمكن أن تجد أشخاصاً يمارسون الإتجار بالبشر، من دون وعي، بأن ما يقومون به هو إتجار."
ورغم أن الحكومة في هاييتي أغلقت خمسة دور للأيتام بسبب الإتجار بالأطفال، إلا أنه لم تتم عقوبة أي من أصحاب تلك الدور. ويقول تيلوت إن السبب هو أن تلك القضية لا تعتبر أولوية بالنسبة للشرطة، خاصة وأن هايتي تعاني من قضايا كثيرة أخرى، كالفقر المنتشر، ما يجعل القضايا الأخرى قيد الانتظار لأجل غير مسمى.
وفي دول كالولايات المتحدة، لم يعد هناك وجود لدور الأيتام، التي استبدلت كلياً بمنازل الرعاية البديلة، والتي تتضمن تبني أسرة صغيرة لطفل يتيم. وتسعى مؤسسة "Lumos" إلى استبدال دور الأيتام في هايتي بهذا النظام. لكن، تغير المعتقدات التي شاعت في المجتمع لسنوات ليس أمراً سهلاً.
وتستمر المؤسسة بتواصلها الوثيق مع الأسر التي تم لم شملها مع أطفالها، لضمان عدم إرسال الأهالي لأطفالهم إلى دور الأيتام مجدداً. لكن، وبسبب انتشار ثقافة إرسال الأهالي الفقراء لأطفالهم إلى دور اليتامى، سيكون التخلص من تلك الممارسة أمراً صعباً.
وتعلمت ميريه درسها جيداً، وهي تجني اليوم بعض الأموال عن طريق بيع منتجات صغيرة في الشارع، وتتلقى الدعم من مؤسسة "Lumos" لإرسال أبنائها إلى المدرسة، إذ تقول إن الحياة ما زالت صعبة، لكنها لن تتخلى عن أطفالها مجدداً.