بشار جرار يكتب لـCNN عن شجاعة نائب أمريكي "مدمن" رفض الترشح للإنتخابات
هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأميركية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
اعتاد الناس على تفاخر السياسيين بسجلهم سواء أكان ذلك في أحاديثهم الصحافية أم في جلسات التفاخر أثناء تصديهم لقيادة الجاهات أو قص شريط افتتاح المشاريع.
لكن نائبا أميركيا وفي عز السباق الانتخابي على تجديد انتخابه عن ولاية فيرجينيا لم يجد بدا من الخروج إلى الصحافة بتصريح متلفز واجه به الرأي العام الذي لا يرحم من هم تحت ضوء الشأن العام.
لم يكن الإعلان عن إنجاز كبير أو وعد للناخبين بما هو أكبر إن أعادوا انتخابه، بل كان إعلانا بعدم نيته خوض المعركة الانتخابية لأنه بصدد مواجهة معركة أهم وأكبر. النائب توماس غاريت وبصوت متهدج، قال إنه يعاني من الإدمان على الكحول وإن الأولوية الآن هي التركيز على هذه المعركة من أجل أسرته.
غاريت النائب الجمهوري عضو أيضا في التجمع الانتخابي المحافظ، وبالتالي يعلم جيدا كلفة هذا التصريح وآثاره. لكن حرارة الاعتراف أكسبت إعلانه تجاوبا فاق التوقعات.
عضو مجلس النواب الأميركي عرف كيف يحول خسارته إلى ربح عندما أظهر شجاعة الاعتراف بتأكيده أنه قبل كل شيء ورغم كل شيء هو إنسان جيد، أب وزوج صالح ومواطن صالح لكنه يعاني من مشكلة هي الإدمان. والمشكلة عندما تصبح مرضا تتطلب العلاج لا الإدانة، احترام الذات لا سحقها.
قد يهمك ايضا: إليك ما يحدث لجسمك عند استهلاك المشروبات الكحولية
اختتم غاريت الإنسان والسياسي والمشرّع حديثه بالقول هذه ليست نهايتي، إنها بدايتي الجديدة..
استوقفتني كثيرا هذه الصورة من النواحي الإنسانية الاجتماعية والسياسية. إنسانيا، تخيلوا معي حجم الصراع الذي عاشه توماس بين قول الحقيقة على مرارتها أو سترها واللجوء إلى ما يعرف بـ "الكذبة البيضاء" أو "ملح الرجال" كما يزعمون. توماس آمن بأن الحقيقة تحرر الإنسان وتنجّيه. هذا القدر من الشجاعة يتضاعف عندما يكون الإنسان شخصية عامة.
سياسيا، ثمة شجاعة من نوع آخر، وهي الشجاعة الأدبية السياسية بألا يوفر إدمان توماس على الكحول مادة للنيل من مصداقية حزب وكتلته كجمهوري محافظ حيث من المعروف مدى استناد هاتين الفئتين في ماكنتهما الدعائية على القيم والسلوكيات الحميدة في تبنيها للمرشحين. ومن المعروف أن معاقرة المسكرات وتعاطي العقاقير المخدرة غير القانونية أو المشفوعة بوصفة طبية من المعايير التي يتم على أساسها إصدار التقييم الأمني للفرد في أميركا والمبني بشكل أساسي على مجموعة من العوامل يقاس من خلالها مدى أهلية الشخص لنيل الثقة. أما اجتماعيا، فلعل من أهم ميزات المجتمع الأميركي هي تحليه بثقافة احترام الخصوصية والرأفة بضعف الإنسان والإيمان بحق الجميع في نيل فرصة أخرى وأخرى حتى ينهض الجواد من كبوته.
وبلحظة صدق مع الذات، نتساءل جميعا من منا لم يعرف ضعفا وصل في مرحلة ما إلى مستوى مرضيّ توجب علاجه؟ الإدمان بحد ذاته ضعف يتمثل بالهروب من المشكلة عوضا عن مواجهتها بالوسائل الصحيحة والمؤثرة.
واسمحوا لي بالتساؤل بماذا يختلف إدمان التدخين عن الكحول عن المخدرات والمنشطات وسواها مما يوصف بالمؤثرات العقلية. المسألة ليست مجرد "ما يذهب العقل" فالتحدي الحقيقي هو التأثير على العقل والجسد والروح بما يؤدي إلى تحديد قدرة الإنسان على الحكم على الأمور واختيار الخيارات الصحيحة. من هذا المنطلق، المشكلة في الإدمان نفسه لا مجرد مدى قانونية أو شرعية المادة التي وقع الإنسان "الحر" في براثن عبوديتها.
ليتنا نكف عن الإدانة ونسموا نحو الإعانة.. إعانة أنفسنا والآخرين على الخلاص من الشرور والانعتاق كما أرادنا خالقنا أحراراً.