بشار جرار يكتب عن حادثة اعتداء سعودي على مدربيه في قاعدة أميركية: بنيران لئيمة

نشر
6 دقائق قراءة
تقرير بشار جرار
Credit: Mark Makela/Getty Images

هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأميركية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

محتوى إعلاني

جارت الأحداث على مصطلحات متداولة في التغطية الصحافية لحوادث مقتل جنود برصاص رفاقهم أو حلفائهم في ساحات الوغى أو التدريب. فما عادت تلك النيران توصف بالصديقة وصرنا نتعامل مع ما يمكن وصفه بالنيران اللئيمة.

محتوى إعلاني

في ثقافات العالم كله وأديانه تلك رذيلة صارخة في قبحها. أن يغدر الإنسان حتى بعدوه يعتبر ضربا من اللؤم، فما بالك بمضيفه وحليفه وصديقه ومعلمه (مدربه على استخدام السلاح)؟

ليس دفاعا عن السعودية، فالمصاب مصابنا جميعا وكلنا شركاء في تحمّل المسؤولية. السعودية معنية في المقام الأول بما جرى (سقوط عدد من القتلى والجرحى)، حيث سارع ملكها هاتفيا بالتواصل مع الرئيس الأميركي لتقديم العزاء والتعبير عن إدانة الاعتداء الذي نفذه أحد منتسبي القوات المسلحة السعودية المبتعثين إلى الولايات المتحدة إلى جانب ما يزيد على 800 من أقرانه حتى الآن في ذلك البرنامج التدريبي وحده بقاعدة بينساكولا الجوية البحرية في ولاية فلوريدا.

وكما جرت العادة يتريث المسؤولون في وصف الحدث، لكن التحقيقات الأولية تتحدث عن إمكانية أن تكون عملية إرهابية ما زالت تفاصيلها قيد التحقيق. هل كان محمد سعيد الشمراني متطرفا إرهابيا يعمل بتقية على غفلة من أجهزة الأمن السعودية والأميركية؟ أم أنه تحول أثناء إقامته وتدريبه في الولايات المتحدة إلى متطرف فإرهابي؟ هل تم ذلك على نحو ذاتي بمعنى تحول بنفسه لأسباب عدة إلى إرهابي، أم أنه تعرض إلى استدراج أو تجنيد من قبل إرهابيين داخل أميركا أو السعودية أو عبر حسابات إلكترونية في مكان ما وراء البحار؟

ذلك جانب مما يعكف المحققون الأميركيون والسعوديون على تحقيقه، لكن ولحين اكتمال التحقيقات ونشرها، نتساءل: لماذا تطرف الشمراني؟ وكيف غابت المؤشرات الدالة على نواياه عن محيطه الاجتماعي والمهني (العسكري والأمني)؟

الملازم الشمراني أتى إلى أميركا في برنامج مدته عامان ينتهي في آب أغسطس المقبل. ووفقا للبيان الذي نشره على تويتر قبل تنفيذ الجريمة أشاد بزعيم ومؤسس تنظيم القاعدة الإرهابي أسامة بن لادن واستخدم ذرائع بالية تتعلق بدعم أميركا لإسرائيل. هل الإشادة والتبرير مسألتان تطلبتا نحو عامين من التفاعل بين (الباطن والظاهر)؟ قطعا لا.

الحقيقة المرة التي تطل علينا مع كل إرهابي سافر أو ذئب منفرد هي أن ما من أمن في الدنيا قادر على التعامل مع هؤلاء القتلة، فمعركتنا الحقيقية فكرية. علينا أن نتعامل مع العقل والوجدان أولا قبل تدريب الأبدان وتسليحها لحماية الأوطان.

المرض واحد وإن اختلفت الأعراض، فالأصل في العلة. ما شكّل وجدان وعقل وبالتالي نفسية وسلوكيات الإرهابيين واحدة. في نظري لا يختلف الملازم السعودي الشمراني عن الرائد الأميركي الأردني نضال حسن منفذ جريمة فورت هود الإرهابية، عن الإرهابي (العميل المزدوج) الأردني همام البلوي الذي نفذ قبل عشر سنوات عملية لئيمة غادرة أيضا في خوست بأفغانستان راح ضحيتها رجال استخبارات من الولايات المتحدة من ضمنهم النقيب الأردني علي بن زيد آل عون.

لن تنتهي مشكلة الإرهاب الديني عموما والإسلامي خصوصا، ما لم يتم التصدي بكل شفافية للنصوص التي استغلها البعض عبر قرون لتبرير مخططاتهم الشريرة.

أختم بعيدا عن تلك الأمثلة "السياسية والعسكرية" بالمشهد المعبر الذي جمع بين ضحية كردية أيزيدية بمغتصبها ابن جلدتها قبل أيام في فيديو انتشر كما النار في الهشيم عبر منصات التواصل الاجتماعي. في هذا المشهد، العرض هو فعل الاغتصاب لكن المشكلة تعود إلى تفسير نصوص تضمنت مصطلحات كالسبي والنكاح وملك اليمين؟ المشكلة ليس إذن فقط في مصطلحات كالجهاد والكفر والإيمان والنفاق والحاكمية؟ المشكلة بالتالي ليست في القاعدة وطالبان وبوكو حرام وداعش والنصرة وأنصار الشريعة وحماس والجهاد الإسلامي والجماعة الإسلامية وحزب الله وجند الله ونجباء الله.. إلخ ... العلة في النص الديني والتاريخي كيف نفسره ونلقنه لأطفالنا في المدارس قبل أن نحوله إلى مساقات تعليم وتدريب في المعاهد العسكرية.

فهل راجع المعنيون بصدق وأمانة أدبيات التوجيه المعنوي العسكري؟ هل تعاملوا بأمانة علمية ومهنية بما يعرف بالعقيدة القتالية؟ فقط انظروا كيف تحولت صيحة "الله أكبر" التي اختارها مخططو حرب رمضان – أكتوبر عام 73 من القرن الماضي، إلى صرخة أساءت للدين والوطن عندما باتت متلازمة مرتبطة مع عمل إرهابي في العالم كله.

لن يطفئ النيران اللئيمة سوى مراجعة علنية جريئة صادقة لتراثنا وموروثنا..

 

نشر
محتوى إعلاني