رأي.. بشار جرار يكتب لـCNN عما يمكن إصلاح ما أفسدته العنصرية في الشرطة

نشر
7 دقائق قراءة
Credit: ANGELA WEISS/AFP via Getty Images

هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

محتوى إعلاني

لا ليست العنصرية هي المشكلة وحدها، ولا هي أصلها، كما وأن ما ملأ مسامع المشرقين بعد جائحة كورونا ليس مشكلة أميركية صرفه.

محتوى إعلاني

قد تهز بداية هذه المقالة قناعات كثيرين، لكن الخيار إن كان بين خطأ شائع وصحيح مهجور لا يعني تضييع الأخير انجرارا وراء ما يعرف في التحرير الصحفي بثقافة القطيع. فالخبر الشائع قد لا يكون سوى مجرد إشاعة، والصورة ذائعة الانتشار وحتى الصيت قد تكون مفبركة حتى وإن حسنت نوايا صاحبها الذي غالبا ما يتخلى عن كونه صحافيا ليصبح ناشطا، وشتان بين المهنتين والرسالتين.

لكن أيا كانت حجج الطرفين لا أحد ينكر أن الصورة الطاغية حقيقية. هناك مشكلة بين الشرطة والجمهور، وخاصة ما يثير ريبة ذلك الشرطي من المشتبه به أو مجرد عابر سبيل تقاطعت بينهما السبل كما هو في حالة المرحوم جورج فلويد في بداية الأحداث بولاية مينيسوتا ومؤخرا في حالة المرحوم ريشارد بروكس في ولاية أتلانتا. ظروف المشهدين مختلفة كليا إلا بكون القاتل (بصرف النظر عن نتائج التحقيقيات الأمنية والمداولات القضائية) والمقتول أبيض وأسود، لا معنى هنا للحذلقة في استخدام تعابير كأميركي من أصل أفريقي مثلا لأنك بماذا ستصف الأبيض؟ من أصل أوروبي؟ أم قفقاسي؟ أم استرالي؟

الثلاثاء قام الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي عزز من صورته -أمام ناخبيه على الأقل- بأنه خيار الأمن والنظام، قام بتوقيع أمر رئاسي لإصلاح الشرطة. كما أجمع الأطراف كافة على أن المسألة ما هي إلا البداية لعملية متكاملة ثقلها الرئيسي جاري العمل على إنجازه الآن في الكونغرس الذي يملك الغالبية في مجلس النواب جناحه الأقوى في هذه المسألة الحزب الديمقراطي. هذا الحزب الذي لا يمكن مهما بلغ جبروت ماكنته الإعلامية أن يتبرأ من موقفه المعارض لتحرير العبيد قبيل اندلاع الحرب الأهلية فيما يقوم أنصاره اليوم من غلاة المتطرفين اليساريين بقطع رأس تمثال مكتشف أميركا كريستوفر كولومبوس وإطاحة تماثيل محرر العبيد أبراهام لنكولن وأب الأمة الأميركية جورج واشنطن. حتى الحقوق المدنية في عهد الراحل مارتن لوثر كينغ كانت كما سجل التاريخ إنجازا تم تسجيله في عهد رئيس جمهوري هو رتشارد نيكسون الذي ما انفك معارضو ترامب يجرون مقارنة بينه وبين نيكسون لغايات التقريع وتحشيد القوى لعزله أو دفعه للاستقالة كسلفه.

الإنجاز الأكبر الذي اتفق عليه الجميع فيما تضمنه الأمر التنفيذي كان منع خيار "الخنق" لغايات تحييد المشتبه به أثناء الاحتجاز خاصة إن واجه الشرطي مقاومة جسدية، ما لم تصل الأمور إلى حد الدفاع عن النفس. أما العقبة الكأداء التي مازالت مثار خلاف واختلاف في صفوف الحزبين فهي رفع الحصانة عن الشرطة. والتقاضي للأسف من سمات المجتمع الأميركي الذي تحولت من نعمة إلى نقمة أفسدت طبيعتها، حيث أن الغلبة لا تكون بالضرورة لمن يمتلك الحق، بقدر لمن يمتلك فريقا قانونيا أكثر تمكنا وأحيانا استغلالا وتلاعبا بالقانون. وأي قانون في أميركا هو نتاج ما صاغه المشرعون الذين ينحازون إما إلى أجندتهم الحزبية أو مصالحهم الانتخابية المالية الصرفة من خلال جماعات الضغط (اللوبيهات) وهي كثيرة في القضية محل النقاش على مستوى الأمة لا بل والعالم بأسره.

ففي قضية الشرطي المتهم الآن بجريمة قتل ريشارد بأتلانتا، تبرز قوة المناهضين لرفع الحصانة عن الشرطة وهي لا تختلف في منطلقاتها عن الأمر التنفيذي الذي وقعه ترامب قبل ذلك بأيام رفضا لمحاولة المحكمة الجنائية الدولية رفع الحصانة عن العسكريين الأميركيين الذين يقومون بأداء واجبهم خارج الولايات المتحدة. الغاية هي ألا يتحول التقاضي إلى سيف سياسي مسلط على الأميركيين خاصة رفاق السلاح من عسكريين وشرطة والجهات الأمنية بما فيها الاستخبارية.

ومن اللافت أن من بين ما جمع في ظروف حالتي المرحومين جورج و ريشارد كان تعاطي ما تحول قوانين قيادة المركبات من استخدامه، وأقله في هتين الحالتين الكحول. برزت هنا جمعية أسستها أم فقدت فلذة كبدها في حادث سير لمركبة يقودها مخمور قبل أربعين عاما وتعرف اختصارا بكلمة "ماد" إشارة إلى "أمهات ضد قيادة المخمورين" فما بالك بالمسطولين بالمخدرات أو المغيبين بالتراسل النصي أو حرمان النوم ممن يعانون أمراض النوم المعروفة ب “سليب آبنيا". 

الطريق للإصلاح باختصار طويل ويبدأ بالبيت. من الأصوات التي تسمع بإنصات الآن دعوة الأميركيين من أصل إفريقي إلى وضع حد لظاهرة "أسر بلا أب" التي يعاني منه طفل من أربعة في أميركا وفقا لدراسة صادرة عن "إن إف آي" (المبادرة الوطنية للآباء) ، وما لا يقل عن ٣٠٪ من أسر الأميركيين من أصول إفريقية يعيشون وفقا لمكتب الإحصاء الأميركي تحت جناح أحد الوالدين فقط حيث يكون غياب الأم أكثر خطورة من فقد الأب في مراحل الحضانة المبكرة.

قد يكون بداية الإصلاح الحقيقي للشرطة هو التعامل مع جذور العنف وازدراء القانون لا مجرد عدم احترامه كما شهدنا في أعمال السلب والنهب والتحريق والتخريب. قد تكون البداية يا أحبة بوجود أب راع لكل أسرة أو من يعمل عمله، وهذه إشارة صريحة مباشرة للعودة إلى راعينا خالقنا جل وعلا. الأحد المقبل – آخر آحاد الشهر الجاري – هو عيد الأب في أميركا وعدد ومن دول العالم، فكل عام وأنت بخير..

 

نشر
محتوى إعلاني