رأي.. بشار جرار يكتب عن حرب الأولويات في أمريكا: لوغاريتمات الانتخابات!
هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأميركية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
منذ ابتلينا بما يسميه الرئيس الأميركي دونالد ترامب "الطاعون الآتي من الصين"، ونحن في حيرة من أمرنا حتى في تحديد أولوياتنا. بداية كان الخيار بين الصحة والاقتصاد، حتى أدخل الشرطي دريك شوفين (قاتل جورج فلويد) أميركا كلها في دوامة لا تقل عنفا وإرباكا هي التوتر العنصري المتراكم في أميركا منذ عقود.
لكنها جميعا: صحة الفرد واقتصاده وأمنه تصب جميعا وترجع إلى أصل الأمور وهي صحة الإنسان الذي من دونه لا يقوم اقتصاد ولا يستتب أمن. هنا، من السهل جدا أن ننزلق في النقاش إلى أقرب ما يكون إلى السفسطة وما عرف يوما بالنقاش "البيزنطي"!
في علم المفاوضات، فنونها وآدابها هناك الحاجة إلى تفادي المنتصر والمهزوم لما يعرف بالمعادلة الصفرية. المفاوضات الناجحة التي يكتب غالبا لها الديمومة تنتهي إلى ما يعرف بالربح مقابل الربح لا الخسارة، بمعنى أن يجد كل طرف ما يرضيه حتى يخرج أمام نفسه والعالم رابحا فترضى النفوس وتجنح إلى السلام.
ساعة إعداد هذه المقالة، تقرر العودة إلى المؤتمر الصحافي اليومي في البيت الأبيض المكرس لكوفيد-١٩. التركيز سينصب بحسب ترامب والمتحدثة باسم البيت الأبيض على تطور الأخبار الخاصة بإنتاج لقاحات وعقاقير مساعدة على التخفيف من حدة الإصابة بأعراض كورونا المستجد. لكن في الوقت نفسه، يعكف وزير الخزانة ستيفين منوتشن على مواصلة مفاوضاته مع قادة مجلس النواب من الحزب الديمقراطي لتمرير حزمة دعم وتحفيز اقتصادية ثالثة من شأنها التركيز على تشجيع الناس على الخروج من منازلهم واستئناف أعمالهم عوضا عن الركون إلى ما تقدمه الحكومة الفدرالية من إعانة. يتزامن هذان التطوران مع احتباس الأنفاس لمواجهة تلوح بالأفق بين ترامب والسلطات المحلية في المدن التي تشهد أعمال عنف من ضمنها بورتلاند بولاية أوريغون الأميركية شمال غرب الولايات المتحدة. السلطات المحلية في هذه الولاية الديموقراطية بل وحتى الليبرالية انتخابيا، ترفض توظيف ترامب للأحداث الداخلية لاعتبارات انتخابية حيث يواصل انتقاد تقصير الحكام والولاة الديموقراطيين في التعامل من مظاهر الفوضى والعنف وهو – بموضوعية – محق بذلك كون كل تلك الأعمال نشبت في ولايات ومدن يحكمها ديموقراطيون.
والناظر إلى المشهد الأميركي اعتمادا على وسائل الإعلام واستطلاعات الرأي العام غالبا ما يخطئ قراءة المشهد. تماما كما هو الحال – للأسف – بالمستشرق الذي يحاول فهم قضايا الشرق الأوسط وطلاسمها بمتابعة نشرات الأخبار أو البرامج الحوارية فيها، سواء أكان ذلك عبر الإعلام الرسمي أو غير الرسمي ولا أقول أهليا، لأن حتى الإعلام "غير الرسمي" و يا للأسف هو في حقيقة الأمر إعلام موجه من طرف ما، يملك المال والأجندة!
إن ثالوث الصحة والاقتصاد والأمن لا شك في صدارة أولويات الأميركيين. التحدي الكبير في المئة يوم الباقية على موعد الاقتراع بتجديد الثقة بترامب أو انتزاعها منه ومنحها ولو حتى نكاية فيه إلى جو بايدن، هذا التحدي هو بسيط ومركّب في آن واحد.
يبدو أن ترامب واثق من طرح اللقاح قبل نهاية العام والتوقعات تشير إلى أكتوبر. في هذه الحالة سيكسب الرهان. لكن ماذا عن القائلين بنظرية المؤامرة وسيقومون بمقاطعة المطعوم كما قاطعوا الكمامة؟! ماذا عن الذين ضاعت مدخراتهم جراء خسائر البورصة أو تخريب ممتلكاتهم وأعمالهم جراء أعمال العنف؟ هنا كل شيء قابل لإعادة الخلط، وتبقى الأمور بيد الناخبين الأميركيين إن صاغوا بأنفسهم أشبه ما يكون بلوغاريتمات الانتخابات وهي الصيغة "الرياضية" التي توفق بين المتغيرات والأولويات بشيء ما من المنطق!