رأي.. بشار جرار يكتب عما قد يكون "أخطر قرارات" بايدن: أمريكا وأفغانستان.. انسحاب لا تمام فيه
هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأميركية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
"لا لم ننجز المهمة" هذا أهم ما قاله الرئيس الأمريكي جو بايدن الخميس فيما اعتبر أقوى مؤتمر صحفي يعقده منذ توليه الرئاسة. إجابة أخرى أحدثت وقعا مدويا تمثلت بنفيه الثقة بطالبان، الأمر الذي يفتح الأجواء أمام تساؤلات حول معقولية تاريخ إنجاز الانسحاب الكامل بحلول نهاية الشهر المقبل.
وكعادتها في الانتقاص من إنجاز الآخر أو على الأقل التشويش عليه، شنّت المعارضة الجمهورية، من مشرعين وسياسيين وعسكريين وحتى الصحفيين، وبخاصة أولئك الذين خدموا في أفغانستان، شنوا وابلا من الانتقادات للقرار من حيث عدة اعتبارات أبرزها: توقيت الانسحاب ووتيرته، المغازي والمخاطر المترتبة على تكرار ما وصف خطأ الرئيس الأسبق باراك حسين أوباما بالانسحاب قبل أوانه وخلافا لتوصيات العسكريين من العراق، الأمر الذي أدى إلى فراغ أمني أسهم -كما يرى الخصوم- بخلق داعش وتعزيز تنظيمات إرهابية أخرى من جهة، وفتح بوابات العراق ومن ثم سوريا أمام إيران وتركيا، من جهة أخرى.
صحيح أن الأمريكيين سئموا أطول حروبهم الخارجية وأكثرها كلفة بالدماء والأموال، إلا أن ثمة انقسام أقله توجّس من تكرار ما جرى في العراق. طالبان الآن ومع اكتمال نحو تسعين بالمئة من الانسحاب الأمريكي تسيطر على خمسة وثمانين بالمئة من أفغانستان بحسب تقديرات البنتاغون. عندما سئل بايدن -القائد الأعلى للقوات المسلحة في أمريكا ورئيس البلاد- عن احتمال استغلال طالبان الفراغ واستعادة بسط سلطتها بالقوة على سائر أفغانستان، استبعد الأمر كون للبلاد الآن جيش وطني جيد التجهيز والإعداد رغم سحب الفساد الداكنة التي تخنق كل بصيص أمل في البلاد إن لاح ونجا من فك الكماشة الآخر – الإرهاب. لكن بايدن استدرك، تاركا فسحة من الاحتمالات لحال أفغانستان ما بعد الانسحاب، مذكرا - وهنا ما دفع كثيرين للقلق – إن أفغانستان لم تكن في تاريخها دولة موحدة بإثنياتها المتناحرة. لم يفت بايدن الإشارة إلى مرور امبراطوريتين على الأراضي الأفغانية، بريطانيا العظمى ومستعمراتها – التي ما غابت عنها الشمس - والاتحاد السوفييتي بكل ما يملكه الجيش الأحمر والشيوعية والجوار من أسباب قوة.
بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع قرار بايدن، فقد أثبت -ولعلها في سابقة- أن إدارته لن تكون نسخة ثالثة عن الإدارتين اللتين كان فيهما الرجل الثاني في البيت الأبيض. بايدن قالها بصريح العبارة إن المهمة أنجزت من حيث القضاء على تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن بإيداعه في "كفن جهنّم" لكنها لم تنجز إن كان الحديث عن أفغانستان الديموقراطية التعددية التي تحترم حقوق الإنسان. "تلك ليست مهمتنا" و"لم يعد لأمريكا مصالح استراتيجية في أفغانستان"، بحسب بايدن.
بهذا تكون أمريكا قد أكدت مبدأ التراكمية في صنع وتعزيز الإنجاز عسكريا كان أم سياسيا. هنا تلتقي رئاستان ديموقراطية وجمهورية على النحو ذاته الذي جمع أوباما بسلفه جورج بوش الإبن. ها هو بايدن عمليا يطبق شعارا انتخابيا لسلفه وخصمه "اللدود" دونالد ترامب في الانسحاب من الحروب اللا متناهية والكف عن لعب دور الشرطي في العالم والتخلي عن أحلام بناء الأمم المكلفة. الداخل الأمريكي يفرض نفسه بقوة أكثر، سيما بعد جائحة كورونا-١٩ التي يبدو أنها مستمرة في مسلسل التحورات الجديدة ومفاجآت بعض الأعراض الجانبية للقاحات دون سواها.
ولعل المهمة الأكبر التي قد تكون الأكثر أهمية في نجاحها هي تداعيات هذا الانسحاب "سريع الوتيرة". أتراه يستدرج قوى معادية لواشنطن للسقوط في براثن أفغانستان الموحدة أو المتشظية؟ إيران بدأت تتحدث عن "حشد" أفغاني!