تحليل: من شرق آسيا للشرق الأوسط إلى أوروبا.. كيف تغير النظام العالمي؟
تحليل إخباري بقلم زاكاري وولف، محرر شؤون سياسية في CNN
أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)-- إنه وقت محير للأمريكيين فيما يتعلق الأمر بالشؤون الدولية، حيث تبرر الحكومة من ناحية لماذا حان الوقت للانسحاب من أفغانستان، ولكن من ناحية أخرى تبرر لماذا حان الوقت للدفاع عن أوكرانيا.
إنه الوقت الذي يريد فيه الأمريكيون أن يكون جيشهم أقل التزامًا بالخارج. الناتو يشعر بالقلق. الأنظمة الاستبدادية التي تتطلع إلى التوسع، مثل روسيا والصين، تزداد جرأة وتتصرف مثل الحلفاء.
عصر أمريكا كقوة عظمى يخضع للاختبار بطرق جديدة في جميع أنحاء العالم.
شرق أوروبا
بعد 30 عامًا من سقوط الاتحاد السوفييتي، تقوم روسيا بالمناورة للتوغل أكثر في أوكرانيا، إحدى جمهورياتها السابقة. إن نمو الناتو بعد انهيار الاتحاد السوفيتي يعد تحديا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ووضعت إدارة بايدن 8500 جندي أمريكي في حالة تأهب قصوى لنشرهم في أوروبا الشرقية كرادع لروسيا وضمانة لدول الناتو.
غرب أوروبا
النفوذ الأمريكي يحتاج إلى تعزيز. لتوحيد دول الناتو في مواجهة روسيا، تلعب الولايات المتحدة أيضا دور وسيط الطاقة، وتسعى للحصول على ضمانات من الشرق الأوسط وآسيا لمواجهة ورقة الضغط الروسية كأكبر مورد غاز طبيعي إلى ألمانيا.
آسيا
الصين تختبر الحكم الذاتي لتايوان، وتقوم بمهمات جوية عسكرية متكررة بالقرب منها. جاء أكبر توغل من هذا القبيل خلال هذا العام في اليوم التالي لقيام الولايات المتحدة واليابان، بنقل أسطول من السفن البحرية إلى بحر الفلبين كجزء من مناورات عسكرية.
في الوقت نفسه، تقوم كوريا الشمالية، المنغلقة على نفسها، بتسريع وتيرة تجاربها الصاروخية.
الشرق الأوسط
تعرضت القواعد العسكرية التي تستضيف قوات أمريكية في العراق وسوريا لهجمات هذا العام. والأسبوع الجاري، شاركت أنظمة الدفاع الصاروخية الأمريكية والإماراتية في اعتراض صاروخين أطلقهما الحوثيون اليمنيون واستهدفا قاعدة الظفرة الجوية العسكرية التي تستضيف قوات أمريكية.
ثم هناك إيران، فبعد أن انسحبت الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاق الدولي الذي يهدف لكبح تسارع البرنامج النووي الإيراني، قد تكون إيران تقترب أكثر من الأسلحة النووية.
الدور الأمريكي
كل هذه المواقف كانت في طور التكوين لسنوات، لكن السؤال المتصاعد هو ما الدور الذي ستلعبه الولايات المتحدة في المستقبل؟
تشير المواجهة بشأن أوكرانيا إلى أن خصوم الولايات المتحدة يشعرون بأنها ضعيفة ويرون ثغرة الآن.
كتب ستيفن كولينسون مراسل CNN في البيت الأبيض أن "التحديات المتصاعدة للسلطة الأمريكية تأتي في وقت ينتشر فيه تصور واسع النطاق في الخارج بأن واشنطن ليست القوة التي كانت عليها في النصف الثاني من القرن العشرين".
ويضيف: "على الرغم من تأكيدات بايدن بأن (أمريكا قد عادت)، فإن الانسحاب الفوضوي من أفغانستان العام الماضي أثار تساؤلات حول كفاءة والتزام الولايات المتحدة. ويعرف خصوم الولايات المتحدة أن الأمريكيين قد استنفدوا طاقاتهم بسبب 20 عامًا من الحرب في الخارج، وهو عامل قد يدفع البعض إلى اعتقاد أن واشنطن يمكن أن تتنازل عن التزاماتها الاستراتيجية لأسباب سياسية".
دور بوتين
يشارك بوتين بشكل مباشر أو غير مباشر في معظم هذه القضايا، من أوكرانيا إلى سوريا إلى آسيا.
لقد كتبت الأسبوع الماضي أنه لا أحد يعرف على وجه اليقين ما الذي يسعى إليه بوتين. لكن فيونا هيل، الزميلة البارزة في معهد بروكينغز ومسؤولة الشؤون الروسية في مجلس الأمن القومي الأمريكي سابقا، قدمت حجة مقنعة في صحيفة "نيويورك تايمز" عن أنها تعرف بالضبط ما يسعى وراءه، على الأقل فيما يتعلق بأوكرانيا: بوتين "يريد طرد الولايات المتحدة من أوروبا". وأضافت: "كأنه يقول: "مع السلامة يا أمريكا. لا تدع الباب يضربك في طريقك للخروج".
واتفقت جيل دوجيرتي، الخبيرة في الشؤون الروسية والمديرة السابقة لمكتب CNN موسكو، مع رأي فيونا هيل. وقالت: "إنهم يريدون إعادة لما حدث في نهاية الحرب الباردة". وتساعد حملة وسائل الإعلام الحكومية الروسية في تشكيل مواقف الجمهور على الأرض.
يشعر بوتين أن القوة الأمريكية تنحسر، حسب هيل. وهو يعتقد أن الولايات المتحدة تعيش حاليا المأزق نفسه الذي كانت عليه روسيا بعد الانهيار السوفيتي: ضعفت بشكل خطير في الداخل وفي تراجع في الخارج.
وتقول هيل إن المواجهة حول أوكرانيا يجب أن تقابل بقوة من الولايات المتحدة لأن صداها سيتردد في جميع أنحاء العالم.
وتجادل بأنه بالإضافة إلى تحدي الناتو، فإن عدوان بوتين في أوكرانيا من شأنه أن يهدد "نظام الأمم المتحدة بأكمله ويعرض للخطر الترتيبات التي ضمنت سيادة الدول الأعضاء منذ الحرب العالمية الثانية، على غرار غزو العراق للكويت في عام 1990، ولكن على نطاق أوسع".
الغرب ليس متوحدًا أمام روسيا
على الرغم من كل المخاطر الجيوسياسية، فإن النفوذ الاقتصادي لبوتين هو الذي أبطأ الوحدة الأوروبية ضد أفعاله.
وكتبت إيفانا كوتاسوفا مراسلة CNN في لندن أن خط أنابيب الغاز الطبيعي Nord Stream 2 من روسيا، متجاوزًا أوكرانيا إلى ألمانيا، أصبح إسفينًا في الأزمة الجيوسياسية.
لم تتعهد ألمانيا بتسليح أوكرانيا مثل الديمقراطيات الغربية الأخرى. وكان إدراج خط الأنابيب بطيئًا في المحادثات حول العقوبات ضد روسيا.
وقالت كريستين بيرزينا، الزميلة البارزة في مركز أبحاث "صندوق مارشال الألماني" في الولايات المتحدة، إنه "بالنظر إلى أن هدف روسيا هو تقسيم الجميع، إذا كانوا يسعون إلى تفكيك الوحدة في الاتحاد الأوروبي وفي الناتو، فإن خط الأنابيب هذا كان وسيلة رائعة".