خطر حتى على بوتين نفسه.. كيف يؤثر غزو روسيا لأوكرانيا على العالم؟
أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)-- بينما كان الدبلوماسيون في اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في اللحظة الأخيرة يطالبون بالسلام، بدأت النيران الروسية تنهمر على أوكرانيا.
في ليلة مؤلمة، بدا خطاب من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وكأنه تأبين للديمقراطية، وانتهت سنوات السلام بانفجارات مدوية في العديد من المدن الأوكرانية. في غضون ساعات، أظهرت لقطات البث المباشر رتلًا من المركبات العسكرية يتدفق إلى أوكرانيا من بيلاروسيا، حيث كانت القوات الروسية محتشدة. وسرعان ما اندلعت انفجارات مدوية فوق العاصمة كييف، حيث أُطلقت صافرات الإنذار من الغارات الجوية، مما ينذر بأزمة جديدة خطيرة لعالم تعصف به الاضطرابات بالفعل.
سوف يتردد صدى هجوم الرئيس فلاديمير بوتين الذي طال الخوف منه إلى ما هو أبعد من روسيا وجارتها أوكرانيا. وسيترتب على ذلك عواقب تشمل ارتفاعات مؤلمة في أسعار الغاز والنفط المرتفعة بالفعل. وقد يؤدي ذلك إلى إحياء الحرب الباردة التي بدت ذات يوم من بقايا التاريخ، مما يخلق مواجهة جديدة محفوفة بالمخاطر بين الولايات المتحدة وروسيا، أكبر قوتين نوويتين في العالم. سيكشف الرئيس جو بايدن النقاب عن مجموعة العقوبات الأكثر قسوة على الإطلاق ضد روسيا في وقت لاحق.
صرح مستشار وزير الداخلية الأوكراني أنطون جيراتشينكو للصحفيين بأن "الغزو بدأ"، واصفا الضربات الصاروخية على المطارات والمقرات العسكرية في كييف، حيث شهدت فرق CNN على الأرض انفجارات ونيران مدفعية في أماكن أخرى في بداية هجوم. صراع حذرت الولايات المتحدة من أنه قد يؤدي إلى مقتل الآلاف من المدنيين.
أعلن بوتين، في خطاب متلفز غير مجدول، مليء بادعاءات كاذبة حول الإبادة الجماعية التي ارتكبت ضد الروس في المناطق الشرقية من أوكرانيا، عملية "لتجريد أوكرانيا من السلاح وتحريرها من النازية". أعادت ادعاءاته إلى الأذهان المناورات المظلمة للديكتاتوريين في ثلاثينيات القرن الماضي التي دفعت العالم إلى الحرب. أثارت إشارته إلى النازيين فكرة التطهير السياسي وأشارت إلى عقلية تبدو وكأنها على وشك جنون العظمة.
كانت تلك هي اللحظة السريالية عندما قام زعيم، مصاب بصدمة نفسية وهوس بانهيار الاتحاد السوفيتي، الذي شهده كضابط في الاستخبارات السوفيتية (KGB)، بشن معركة للانتقام من قوى التاريخ ومحو حريات وديمقراطية شعب ودولة مستقلة ذات سيادة.
أوكرانيا جمهورية سوفيتية سابقة سارت في طريقها الخاص بعد انهيار الشيوعية، وتخلت عن الأسلحة النووية مقابل ضمانات أمنية انتهكتها موسكو الآن. إنها تتوق إلى مستقبل في الغرب، لكن بوتين يرى أن سعيها نحو الديمقراطية يمثل تهديدًا لحكمه الاستبدادي ويريد ضمان عدم تحقيق البلاد أبدًا لحلمها في عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو).
أمريكا تواجه أزمة جديدة خطيرة
بصرف النظر عن التحدي الذي يواجه النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة وما كان يُعرف سابقًا بالعالم الحر، سيدفع الأمريكيون ثمن هذا الهجوم، على الرغم من أنهم لا يتعرضون للنيران مثل شعب أوكرانيا.
ارتفاع أسعار النفط والغاز والتضخم أمر مؤكد، إذ تجاوز سعر النفط مستوى 100 دولار للبرميل للمرة الأولى منذ عام 2014 بمجرد بدء الهجوم الروسي تقريبًا.
وبما أن بوتين كان يطالب بانسحاب حلف الناتو من الدول التابعة سابقًا للاتحاد السوفيتي والتي انضمت إلى الحلف، فهذه هي أزمة أمريكا أيضًا.
الولايات المتحدة لن ترسل قوات لمحاربة روسيا مباشرة في أوكرانيا، بالنظر إلى أن أوكرانيا ليست عضوا في الناتو، ولا تتمتع بضمانات الدفاع المتبادل للحلف.
لكن من شبه المؤكد أن واشنطن ستضطر إلى إعادة قواتها لدعم حلفائها الأوروبيين وإلى القواعد التي بدأوا في مغادرتها قبل 30 عامًا. تبدو دول البلطيق في لاتفيا وليتوانيا وإستونيا معرضة للخطر فجأة، وعلى عكس أوكرانيا، فهي دول أعضاء في الناتو تلتزم الولايات المتحدة بالدفاع عنها. هناك أيضًا احتمال حدوث مقاومة تمولها الولايات المتحدة في أوكرانيا، مما يزيد من احتمالية نشوب حرب جديدة بالوكالة بين واشنطن وموسكو.
على نطاق أوسع، يعد هجوم بوتين على أوكرانيا تحديًا آخر لقوة أمريكا العالمية ومفهوم عالم حر وديمقراطي الذي يضاعف نفوذها. تواجه الديمقراطية الليبرالية الآن تحديًا مخيفًا، ليس فقط من روسيا الانتقامية، ولكن من قوة عظمى صاعدة استبدادية في الصين. وخلافًا لما حدث خلال الحرب الباردة، عندما وقف جميع الأطراف بحزم في مواجهة 40 عامًا من النضال ضد الشيوعية، كانت الديمقراطية الأمريكية تترنح، مهددة من قبل رئيس سابق حاول التمسك بالسلطة.
في إشارة على النسيج الممزق للوحدة الوطنية الأمريكية، سارع الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي وصف بوتين بـ"العبقري"، الثلاثاء لماضي، إلى إجراء مداخلة هاتفية مع قناة "فوكس" الإخبارية، وزعم أن "الانتخابات المزورة" في الولايات المتحدة أثقلت كاهل الأمريكيين برئيس "غير شرعي"، وزادت جرأة الزعيم الروسي، الذي كان يتملقه.
خطاب مؤثر
الطبيعة الحقيقية للهجوم الروسي، وأهميته بالنسبة لبقية العالم، ظهرت في خطاب مؤثر من قبل الرئيس الأوكراني زيلينسكي، الذي قال إنه اتصل ببوتين في وقت سابق ولم يكن على الخط سوى الصمت.
وقال زيلينسكي، متوسلاً للشعب الروسي بلغته: "لقد قيل لكم إن هذه النيران ستحرر الشعب الأوكراني. لكن الشعب الأوكراني حر".
وأضاف الرئيس الأوكراني، وهو ممثل كوميدي سابق مكلف الآن برواية مأساة وطنية، للروس: "نريد أن نحدد تاريخنا بأنفسنا. في سلام وهدوء وصدق". وأضاف أن المعارك المحلية نادرًا ما تبقى على هذا النحو في منطقة لعنها التاريخ. وتابع بالقول: "هذه الخطوة يمكن أن تصبح بداية حرب كبرى في القارة الأوروبية".
قدم وزير الدفاع الأمريكي الأسبق وليام كوهين نقطة مماثلة في حديثه إلى شبكة CNN، قائلا إن "بدء حرب في مكان جاف، إذا جاز التعبير، يمكن أن يشعل النار في الهشيم".
خطر على بوتين
لم يتم التأكد بعد من مدى ومدة العملية التي يقودها عشرات الآلاف من القوات الروسية المحتشدة حول أوكرانيا. لكن الغرض منها واضح. اتخذ زعيم روسي استبدادي خيار حرمان ملايين الأوكرانيين من حقهم في اتخاذ قراراتهم الخاصة بشأن بلدهم ومستقبلهم. إن خيارهم الواضح هو ألا تحكمهم روسيا.
قال مسؤول أمريكي كبير مطلع على أحدث المعلومات الاستخبارية الأمريكية إن التقييم المبكر هو أن هذه بداية الغزو الروسي الكامل الذي توقعته الولايات المتحدة منذ فترة طويلة.
لطالما غضب بوتين مما يعتبره عدم احترام من أمريكا في أعقاب الحرب الباردة وتوسع الناتو شرقًا ليشمل حلفاء سوفيتيين سابقين مثل بولندا ورومانيا والمجر. يفسر هذا سبب وجود الصراع في أوكرانيا، ولكنه أيضًا يمثل تحديًا أوسع لواشنطن.
في خضم ضباب الحرب المبكر، من السابق لأوانه معرفة مدى المقاومة التي سيواجهها الروس، إذا كانوا سيسقطون الحكومة في أوكرانيا، أو إذا كان الغزو غير القانوني يمكن أن يتسبب في تمرد قد يقتل قوات روسية ويخلق ظروفًا يمكن أن تتحدى نظام بوتين.
وقال بول كولبي، أحد خبراء الشؤون الروسية، وضابط كبير سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، إن غزو دولة أكبر من فرنسا أو ألمانيا يمكن أن يخلق في النهاية وضعًا غير مستدام للروس، وكان بمثابة مقامرة هائلة.
وأضاف كولبي لشبكة CNN: "يحاول بوتين ابتلاع حيوان النيص هنا (يشبه القنفذ)، وسيكون من الصعب على الدب الروسي هضمه". وتابع بالقول: "هذا صراع سيمتد على مدى شهور وسنوات سواء سارت الأمور على ما يرام بالنسبة لبوتين أم لا. سيغير شكل أوروبا وسيضع خطوطًا دائمة للصراع داخل أوكرانيا وعلى حدود أوكرانيا مع الغرب".
قبل لحظات من بدء الهجوم، كان الدبلوماسيون قد تجمعوا في قاعة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في اجتماع ترأسه السفير الروسي، في تغيير مرير لجدول أعمال المنظمة العالمية.
قدم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش نداء أخيرًا لإبطال أوامر الغزو. وقال: "لدي شيء واحد فقط أقوله من صميم قلبي. الرئيس بوتين، أوقف قواتك من مهاجمة أوكرانيا. امنح السلام فرصة. لقد مات الكثير من الناس بالفعل".
لكن الأوان قد فات بالفعل.