"فلاديمير الأول" و"فخر المثليين".. كيف تلعب الأرثوذكسية الروسية دورًا محوريًا في حرب بوتين على أوكرانيا؟

نشر
12 دقيقة قراءة
Credit: GettyImages

أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)-- قدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عدة تفسيرات لحرب بلاده على أوكرانيا، بعضها منطقي أكثر من البعض الآخر. ومنها وقف تقدم الناتو نحو حدود روسيا، أو الادعاء بـ"اجتثاث النازية" في أوكرانيا.

محتوى إعلاني

في غضون ذلك، قدم أسقف الكنيسة الأرثوذكسية الروسية وبطريرك موسكو وعموم روسيا سببًا مختلفًا تمامًا للغزو: مسيرات فخر المثليين.

محتوى إعلاني

قال البطريرك كيريل، الأسبوع الماضي، إن الصراع هو امتداد لصدام ثقافي جوهري بين "العالم الروسي الأوسع" والقيم الليبرالية الغربية، والذي يتجسد في تعبيرات عن "فخر المثليين".

ومع ذلك، يقول الخبراء إن تعليقات كيريل تقدم رؤى مهمة حول رؤية بوتين الروحية الأكبر للعودة إلى الإمبراطورية الروسية، حيث يلعب المعتقد الديني الأرثوذكسي دورًا محوريًا.

لكن الموقف المتشدد للبطريرك الروسي يكلفه أتباعه أيضًا، إذ أعلنت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في أمستردام، الأحد الماضي، أنها قطعت العلاقات مع البطريرك، لتنضم إلى عدد من القساوسة والكنائس الذين تخلوا عن موسكو بسبب الحرب في أوكرانيا.

"العالم الروسي"

قالت فيكتوريا سمولكين، أستاذة التاريخ في جامعة ويسليان، لشبكة CNN، إن "بوتين يدعم هذا المفهوم لما يسمى بالعالم الروسي وهذا المفهوم متجذر في الأرثوذكسية الروسية".

وأضافت: "العالم الروسي حيثما يوجد متحدثون بالروسية، والعالم الروسي حيثما توجد كنيسة تابعة للكنيسة الروسية، فهو لا يعترف بالحدود السياسية القائمة".

من جانبه، قال جورج ميشيلز، أستاذ التاريخ في جامعة "كاليفورنيا ريفرسايد"، لشبكة CNN، إن رؤية بوتين مدعومة من قبل كيريل، الذي يرى أيضًا أن أوكرانيا جزء تاريخي لا يتجزأ من كنيسته الروسية.

وأشار ميشيلز إلى أنه "في بداية الحرب، ألقى البطريرك كيريل عظة شدد فيها على الوحدة التي وهبها الرب لأوكرانيا وروسيا". وأوضح ميشيلز أن "كيريل شجب قوى الشر في أوكرانيا التي تعمل على تدمير هذه الوحدة".

الأحد الماضي، اتخذ كيريل خطوة أخرى خلال عظة في موسكو عندما ربط على وجه التحديد "قوى الشر" بأحداث فخر المثليين.

وفقًا للبطريرك، فإن الحرب في أوكرانيا تدور حول "الرفض الجوهري لما يسمى بالقيم التي يقدمها اليوم أولئك الذين يدعون أنهم القوى العالمية" أي الغرب.

وقال كيريل إن "الاختبار" حول الجانب الذي تقف معه، وما إذا كان بلدك على استعداد لتنظيم مسيرات فخر المثليين.

وخلال عظة في 6 مارس، قال كيريل: "من أجل الدخول إلى نادي تلك البلدان، من الضروري إقامة موكب فخر للمثليين. ليس لإعلان موقف سياسي، ليس للتوقيع على أي اتفاقيات، ولكن لإجراء مسيرات فخر للمثليين".

وأضاف: "إذا رأينا انتهاكًا للقانون الإلهي، فلن نتسامح أبدًا مع أولئك الذين يفسدون هذا القانون، ونطمس الخط الفاصل بين القدسية والخطيئة، بل وأكثر من ذلك مع أولئك الذين يروجون للخطيئة كمثال أو كأحد نماذج السلوك الإنساني"، وتابع بالقول: "هناك حرب حقيقية حول هذا الموضوع اليوم".

شجب خطاب كيريل تسلل القيم الليبرالية الغربية إلى قلوب وعقول الأوكرانيين والروس الذين قال إنهم تاريخيًا متحدون وأرثوذكسيون.

وأوضحت سمولكين أن البطريرك الروسي "يقول إن هناك صراعا حضاريا وأن مسيرات فخر المثليين في هذه الرؤية هي اختبار حاسم للجانب الذي تنحاز فيه".

على الرغم من الدعوات الموجهة لكيريل للتنديد بحرب بوتين، لم يرفض "البابا الروسي" القيام بذلك فحسب، بل قدم بدلًا من ذلك شرعية أخلاقية للغزو من خلال وصفه بأنه صراع "ذو أهمية ميتافيزيقية" من اختيار الإنسانية لاتباع قوانين الرب.

وذكر ميشيلز أن "الكنيسة الأرثوذكسية الروسية تقدم الكثير من الرمزية والأيديولوجية التي استخدمها بوتين لتعزيز شعبيته".

أهمية كييف

تحمل مدينة كييف رمزية كبيرة لكل من بوتين وكيريل نظرًا لارتباطها بفلاديمير الأول، حاكم العصور الوسطى في دولة "كييف روس" - التي كانت تضم أجزاء من كل من أوكرانيا وروسيا الحالية وكانت عاصمتها كييف - والذي اعتنق المسيحية في حوالي عام 988 ميلادية.

وقال ميشيلز: "وفقًا لوجهة النظر القومية الروسية السائدة الآن، كان فلاديمير الأب المؤسس لأول دولة روسية والكنيسة الأرثوذكسية الروسية. شكلت الدولة والكنيسة تعايشًا مثمرًا وأصبحت كييف مهد الحضارة الروسية". وأضاف أن "بوتين يعتبر فلاديمير الأول منقذ روسيا". وتابع بالقول: "بالنسبة له، تعتبر كييف وشبه جزيرة القرم، حيث تم تعميد فلاديمير الأول، أراض روسية مقدسة".

مسيحية "كييف روس" هي السرد التأسيسي الذي يدعى بوتين وكيريل بناء عليه بأن أوكرانيا جزء من روسيا.

وقالت سمولكين: "إنهم يحاولون انتزاع إرث كييف روس لروسيا وهذا جزء مهم حقًا من رؤية بوتين للتاريخ ودور الأرثوذكسية الروسية في ذلك التاريخ".

وأضافت: "ما يدعيه بوتين هو أنه يعيد الترتيب الطبيعي للأشياء الذي وضعه الرب، وهو أن الأوكرانيين والروس كانوا دائمًا شعبًا واحدًا وأنهم جميعًا يعرفون ذلك لأنهم جميعًا يأتون من كييف روس وجميعهم أرثوذكس".

عززت خطابات كيريل أيضًا فكرة تدخل القوى الغربية في الوحدة التاريخية للروس والأوكرانيين.

بعد 3 أيام من غزو روسيا لأوكرانيا، قال كيريل: "يجب ألا ندع القوى الخارجية المظلمة والمعادية تضحك علينا، يجب أن نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على السلام بين شعوبنا، وفي الوقت نفسه، حماية وطننا التاريخي المشترك من كل الأفعال الخارجية التي يمكن أن تدمر هذه الوحدة".

وقالت سمولكين إن خطاب كيريل يهدف إلى إظهار أن الانقسام بين الأوكرانيين والروس قد زُرع من الخارج.

ووصفت سمولكين النظرية القومية الروسية للبطريرك على النحو التالي: "إذا اعتقد الأوكرانيون أنهم شعب مختلف عن الروس، فذلك فقط لأن الغرب قد ضللهم وزرع الخلاف بين هؤلاء الأشقاء المتناغمين".

في عام 2016، بعد غزو القرم، أقيم نصب تذكاري لفلاديمير الأول في وسط موسكو. قبل ذلك، كان النصب التذكاري الرئيسي الآخر لفلاديمير الأول، الذي تم تشييده في عام 1888، في وسط كييف.

مشاكل في التراتبية

من المحتمل أن البطريرك كيريل يدعم أيضًا حرب بوتين، لأن الأول فقد السلطة مؤخرًا على العديد من الكنائس الأرثوذكسية الأوكرانية.

كانت للكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية روابط تاريخية خاصة بالكنيسة الأرثوذكسية الروسية لعدة قرون، وهي علاقة تميزها عن الكنائس الأرثوذكسية المستقلة الأخرى، مثل تلك الموجودة في جورجيا وقبرص واليونان ورومانيا وغيرها من الكنائس التي تشكل جزءًا من المسيحية الأرثوذكسية الشرقية.

في عام 2018، بعد غزو شبه جزيرة القرم، قطع جزء من الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية العلاقات مع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، الأمر الذي أثار حفيظة البطريرك الروسي.

وقال ميشيلز: "بالنسبة للبطريرك كيريل، هذه مسألة حياة أو موت".

منذ بداية الحرب في أوكرانيا، هناك المزيد من علامات الاستياء المتزايد داخل صفوف الأرثوذكس الأوسع.

أعلنت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في أمستردام، الأحد الماضي، قطع العلاقات مع كيريل وبطريركية موسكو بسبب موقف الأخيرة من الحرب.

وكتبت كنيسة القديس "نيكولاس دي ميرا" بأمستردام على موقعها على الإنترنت أن "هذا القرار مؤلم للغاية وصعب لجميع المعنيين".

كما خاطر حوالي 300 من الكهنة والشمامسة الأرثوذكس، بمن فيهم العديد ممن يعيشون ويعملون في روسيا، بعصيان زعيمهم وبلدهم بالتوقيع علنًا على رسالة تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار.

قال القس الروسي الأرثوذكسي الأب أندريه كوردوشكين، عميد كاتدرائية "القديسة مريم المجدلية" في مدريد والموقع على الرسالة: "الكنيسة ليست حزبًا شيوعيًا يتحدث فقط من خلال زعيمه".

وأشار كوردوشكين إلى أن الرسالة تذكر كلمة "حرب" أربع مرات، وهي كلمة أصبح من غير القانوني الآن استخدامها في وسائل الإعلام الروسية.

وأضاف: "إنه عمل شجاع، خاصة بالنسبة لأولئك الموجودين بأنفسهم في روسيا، لأن لدينا عائلات ونحن معرضون للخطر للغاية".

ناشد مجلس أساقفة الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، والذي لا يزال مرتبطًا ببطريركية موسكو، كيريل من أجل دعوة الحكومة الروسية إلى وقف الحرب.

وكتب الأساقفة في رسالة مفتوحة في 28 فبراير: "قداستكم، نطلب منك... دعوة قيادة الاتحاد الروسي إلى وقف فوري للأعمال العدائية التي تهدد بالفعل بالتحول إلى حرب عالمية".

وكان لدى زعيم أرثوذكسي أوكراني آخر، المطران إبيفانيوس، الذي تعد كنيسته مستقلة عن موسكو، كلمات أقوى.

وكتب في بيان صدر يوم 27 فبراير أن "روح عدو المسيح تعمل في زعيم روسيا"، وأضاف: "كان هذا في هتلر خلال الحرب العالمية الثانية. هذا ما أصبح عليه بوتين اليوم".

في خطوة لافتة للنأي بأنفسهم عن كيريل، أزالت 12 أبرشية روسية أرثوذكسية في أوكرانيا اسمه من صلواتهم خلال القداس، بناءً على تعليمات من أساقفتهم.

البابا فرنسيس وموقف الكنيسة الكاثوليكية

تجنب بابا الكنيسة الكاثوليكية حتى الآن دعوة كيريل مباشرة لإدانة الحرب، ولم يوجه إدانة علنية لبوتين أو روسيا بالاسم، على الرغم من مناشداته الحادة لإنهاء الحرب.

ومع ذلك، فإن مسؤولي الكنيسة الكاثوليكية الآخرين ليسوا متحفظين بالدرجة نفسها.

ونأى وزير خارجية الفاتيكان، الكاردينال بيترو بارولين، سريعًا بالكنيسة الكاثوليكية عن خطابات البطريرك كيريل التي شيطنت مسيرات فخر المثليين، قائلًا إنها تخاطر "بتفاقم" الوضع.

كتب رئيس مؤتمر الأساقفة الكاثوليك البولنديين ستانيسلاف غاديكي رسالة مباشرة إلى كيريل، قال فيها: "أطلب منك، أيها الأخ، أن تناشد فلاديمير بوتين بوقف الحرب العبثية ضد الشعب الأوكراني".

كما طلب غاديكي من كيريل حث الجنود الروس على رفض الأوامر العسكرية، قائلاً إن "رفض تنفيذ الأوامر في مثل هذه الحالة هو التزام أخلاقي".

وأعطى الأب أنطونيو سبادارو، المستشار المقرب من البابا فرنسيس ومحرر المجلة شبه الرسمية للفاتيكان " La Civilta Cattolica " نظرة على ما يتساءل عنه الكثيرون في العالم الكاثوليكي والأرثوذكسي الآن.

وقال سبادارو، في مقابلة مع وكالة الأنباء الإيطالية Adnkronos الأسبوع الماضي، إن "السؤال المطروح هو ماذا يفعل البطريرك كيريل وماذا سيفعل؟".

بالنظر إلى تصريحات كيريل حتى الآن، يبدو أن هذا السؤال قد تم الإجابة عليه بإسهاب.

نشر
محتوى إعلاني