تحليل لـCNN: ماذا تعني محاولة بوتين زيادة حدة المخاطر في أوكرانيا؟
تحليل من تيم ليستر ونيك باتون والش بشبكة CNN
(CNN)-- أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم الأربعاء، في خطاب، عن تعبئة جزئية للمواطنين الروس للمساعدة في الحملة العسكرية المتعثرة في أوكرانيا، مثلما أعلن في فبراير/ شباط، عبر خطاب، عن "شن عملية عسكرية خاصة".
وبعد مرور 7 أشهر، كانت لغة بوتين أكثر تشاؤما مما كانت عليه في الساعات الأولى من يوم 24 فبراير/شباط (يوم الإعلان عن العملية الخاصة)، ثم حذر الغرب من أن روسيا سترد فورا على أولئك الذين يقفون في طريقها، مهددا بعواقب "لم تروها من قبل في تاريخكم بأكمله"، حسب قوله.
وفي خطابه الأخير، أوضح الرئيس الروسي هذا التهديد، وقال: "وحدة أراضي وطننا واستقلالنا وحريتنا سيتم ضمانها، وسأؤكد ذلك مرة أخرى، بكل الوسائل المتاحة لنا".
وأضاف: "أولئك الذين يحاولون ابتزازنا بالأسلحة النووية يجب أن يعلموا أن الرياح يمكن أن تنقلب في اتجاههم".
ولقد زاد الزعيم الروسي من حدة المخاطر بشكل كبير، مثل أن تشرع روسيا في عملية عاجلة لتوسيع ما يشكل ذلك "الوطن"، من خلال الاستفتاءات المنظمة على عجل في الأراضي المحتلة التي تهدف إلى استيعاب أجزاء من أوكرانيا في روسيا نفسها: دونيتسك، ولوغانسك ، وجزء كبير من خيرسون و زابوريجيا.
وكان الإعلان عن هذين الاستفتاءين، يوم الثلاثاء، مفاجئا ومتزامنا، ففكرة أنه يمكن تنظيمهما في غضون أيام في المناطق التي تستمر فيها الأعمال العدائية هي في ظاهرها فكرة سخيفة خاصة وأن بعض المسؤولين في هذه المناطق كانوا قد اقترحوا تأجيل التصويت على الانضمام لروسيا حتى تتحسن الأوضاع الأمنية، ومن العبث أيضا فكرة أن الانضمام إلى روسيا جاءت تلقائيا من المناطق نفسها.
ويقول ماثيو شميدت، الأستاذ المساعد للأمن القومي والعلوم السياسية بجامعة نيو هافن، إن هذا ليس المهم فبوتين يستخدم دعوة الاستفتاء لتبرير التعبئة.
وذكر أناتول ليفين، مدير برنامج أوراسيا في معهد كوينسي في الولايات المتحدة، أن "لدى بوتين جمهوران في ذهنه، فهو يريد إقناع الولايات المتحدة و(أو) الأوروبيين بالجدية بشأن التفاوض على تسوية حل وسط لإنهاء الحرب من خلال إظهار أنه بخلاف ذلك، ستتخذ روسيا خطوات تصعيدية جذرية لن تجبر الغرب على التصعيد بدوره فحسب، بل ستجبر أيضا على استبعاد أي سلام محتمل لفترة طويلة مقبلة".
وقال ألكساندر بونوف من مؤسسة كارنيجي ذلك بصراحة في سلسلة تغريدات قبل خطاب بوتين، إن رسالة الرئيس الروسي إلى حلفاء أوكرانيا هي: "لقد اخترتم أن تقاتلونا في أوكرانيا، الآن تحاولون قتالنا في روسيا نفسها ، أوعلى وجه الدقة ما نسميه روسيا".
ويقول شميدت يقول إن جمهور بوتين الرئيسي هو الجبهة الداخلية، وهو يحاول استعادة زمام المبادرة ورفع معنويات الجمهور الروسي، وربما كان يأمل أيضا في انعاش شعبيته على غرار الدعم الشعبي الواسع لضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014.
وأضاف ماثيو شميدت، لشبكة CNN: "التعبئة ليست قرارا عسكريا، بقدر ما هي وسيلة لمحاولة السيطرة على رواية الحرب التي يدرك أنه يخسرها"، وذلك على خلفية الأخبار السيئة التي تتسرب إلى الداخل من الخطوط الأمامية للقتال، وقال شميدت إن "معنويات الرأي العام هي معنويات الجيش".
وأضاف: "يجب أن يقول بوتين إن روسيا الكبرى تتعرض للهجوم، إنه يجد صعوبة في بيع ذلك، ويضع قيادته تحت ضغط كبير".
ويعتقد باونوف أن الهدف هو تحويل الغزو الروسي لدولة مجاورة إلى حرب دفاعية، وهو تمييز من شأنه أن "يجعل الصراع أكثر شرعية في نظر الروس العاديين، ويترك الكرملين حرا في اتخاذ أي قرارات و إجراءات يراها ضرورية".
ويقول شميدت إن "التعبئة تمثل مخاطرة كبيرة، ويستغرق الأمر وقتا من حيث: التدريب والتجهيز والتنظيم، ولا يفعل شيئا لتحسين أكبر أوجه القصور في روسيا".
تحديات كبيرة للمجندين الروس
وتواجه موسكو نفس العقبات اللوجستية الهائلة التي أفسدت الأشهر الستة الماضية من الحرب، فقد عانت قواتها من خسائر في العتاد، حتى أن وزارة الدفاع الروسية، وفقا لمسؤولين أمريكيين، لجأت إلى كوريا الشمالية للحصول على ذخيرة، وفي أحدث انتكاسة لها في منطقة خاركيف شمال شرق أوكرانيا تركت وحدات دبابات النخبة مستنفدة بشدة.
ويبدو أن "التعبئة الجزئية" التي أعلنها بوتين تعتمد أيضا على عددا من الروس كانوا سيواجهون بالفعل ضغوطا كبيرة للاشتراك في المجهود الحربي الروسي المتعثر.
وقال وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو إنه هناك 300 ألف جندي احتياطي سيكونوا متاحين، وأضاف: "هؤلاء ليسوا بعض الأشخاص الذين لم يسمعوا من قبل عن الجيش، هؤلاء خدموا في الجيش، ولديهم خبرة عسكرية"، وزعم أن "أولئك الذين خدموا في الجيش يبلغ عددهم 25 مليونا تقريبا".
إن التعبئة محدودة، ربما حتى لا تنفر الرأي العام، وربما لإفساح المجال لمزيد من التحركات في المستقبل.
وتحدث كل من بوتين وشويغو على وجه التحديد عن استدعاء الاحتياطي لكن المرسوم نفسه لا ينطبق فقط على هذه المجموعة فهو يسمح "باستدعاء من مواطني الاتحاد الروسي للخدمة العسكرية عن طريق التعبئة في القوات المسلحة للاتحاد الروسي".
لكن اعتماد روسيا على الوحدات الشيشانية والكتائب المتطوعين والميليشيات من لوغانسك ودونيتسك وحتى المدانين الذين جندتهم مجموعة "فاغنر" يكذب الادعاء بأن هناك إمدادا جاهزا من قدامى المحاربين للتوجه إلى خط القتال.
وقال شميدت، لشبكة CNN، إن الحشد "لن يوفر الضباط الشباب المدربين الذين يمكنهم قيادة عمليات هجومية ضد جيش ظل يقاتل لأكثر من 3000 يوم"، في إشارة إلى صراع أوكرانيا مع الانفصاليين المدعومين من روسيا في منطقة دونباس منذ عام 2014، ولا تغيير الثقافة التي كافحت ضد التكيف الأوكراني.
اللجوء إلى السلاح النووي
ولم يكن بوسع بوتين أن يرفع من حدة المخاطر بإشارته المباشرة إلى الأسلحة النووية، لكن المراقبين ليسوا مقتنعين بأنه سيستمر، أو حتى يمكنه تنفيذ مثل هذا التهديد، على الرغم من إصراره على أنه لا يخادع.
ففي يونيو/ حزيران 2020، وقع بوتين مرسوما بتحديث العقيدة النووية الروسية حيث "يحتفظ الاتحاد الروسي بالحق في استخدام الأسلحة النووية ردا على استخدام الأسلحة النووية وأنواع أخرى من أسلحة الدمار الشامل ضده و(أو) ضد حلفائه" ولكن هذه الجملة تنتهي بجملة غير عادية: "وكذلك في حالة العدوان على الاتحاد الروسي باستخدام الأسلحة التقليدية، عندما يكون وجود الدولة ذاته تحت التهديد".
ويقول أناتول ليفين، إنه من المستحيل تحديد ما إذا كان بوتين سيؤيد استخدام الأسلحة النووية التكتيكية، ولكن "يبدو من المشكوك فيه أن تستخدم روسيا هذه الأسلحة إلا إذا كانت القرم نفسها معرضة لخطر السقوط".
وأضاف ليفين، لشبكة CNN: "حتى الآن فشلت استراتيجيات بوتين بشكل ساحق، سواء من حيث التقدم العسكري على الأرض والضغط الاقتصادي على الغرب للسعي إلى حل وسط مع روسيا"، لكنه قال: "تحتفظ روسيا بوسائل التصعيد الجاد بعيدا عن الأسلحة النووية ولا سيما تدمير البنية التحتية الأوكرانية وقتل القيادة الأوكرانية".
ويعتقد شميدت أيضًا أن هناك خطر ضئيل في أن يتجه بوتين إلى الأسلحة النووية التكتيكية، "لأن ذلك سيجلب حلف شمال الأطلسي بشكل حقيقي وسيخسر الجيش الروسي، مصدر قوته".
وبينما كان بوتين محددا حينما قال إن التعبئة الجزئية ستستخدم للدفاع عن المناطق المحتلة حديثًا، إلا أنه لم يختر توسيع تهديده النووي إلى نفس الفكرة الموسعة لما قد تعتبره روسيا أراضيها في المستقبل.
لكن من الواضح أن مجرد ذكر تلك الأسلحة النووية يهدف إلى تعقيد حسابات العدو.
وبالنسبة لبعض المراقبين، فإن الاستيعاب الرسمي لأجزاء من أوكرانيا في الاتحاد الروسي يهدد بجعل أي نهاية تفاوضية للنزاع الأوكراني، مهما بدا ذلك بعيدا، شبه مستحيل.
وقال الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف، يوم الثلاثاء، إنه بمجرد دمج الجمهوريتين في الاتحاد الروسي "لن يتمكن أي زعيم مستقبلي لروسيا ، ولا أي مسؤول من عكس هذه القرارات".
ومع ذلك، يشير شميدت إلى أن ميدفيديف بديل، وليس أساس السلطة، وأن كلا الجانبين قد وضع مواقف متطرفة يمكن في نهاية المطاف تكييفها أو تداولها من خلال المفاوضات، ومع ذلك ، تبدو هذه اللحظة بعيدة أكثر من أي وقت مضى.
وحتى الآن، لم تقل الحكومة الروسية، بالطبع، أنها ستعترف رسميا بنتائج الاستفتاء لكن سيكون من غير المعتاد أن يتم رفض عملية متزامنة ومنظمة على ما يبدو في موسكو، فقد صدق المشرعون الروس على الاستفتاء الذي نُظم في شبه جزيرة القرم في عام 2014 في غضون أسبوع.
وسواء كان ذلك بخصوص توقيت الهجوم على أوكرانيا، وأهدافه النهائية، واستخدام الغاز الطبيعي والنفط كسلاح سياسي، وحتى الاستخدام المحتمل للأسلحة النووية لحماية الوطن، فبوتين كان دائما يسترشد بالرغبة في عدم توازن خصومه.
وهذه المناورة الأخيرة صحيحة في الشكل، ومن المحتمل أن يبدد أي أمل ضئيل في أن تنتهي هذه الحرب في أي وقت قريب، لكنه يوضح أيضًا أن خيارات بوتين تضيق في مواجهة أوجه القصور العسكرية التي تتحدى أي حل سريع، مع تزايد معرفة حجم الخسائر ، يجب عليه أن يطابقها بحجم متساو من الفعل.
- أمريكا
- أوكرانيا
- روسيا
- الإدارة الأمريكية
- الجيش الروسي
- الحكومة الأوكرانية
- الحكومة الروسية
- الغاز
- الناتو
- فلاديمير بوتين