رأي.. بشار جرار يكتب لـCNN عن نتائج الانتخابات النصفية: الانقسام الأمريكي فرصة شرق أوسطية
هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
الصورة الكاملة من ثالاثين ألف قدم كما يقال، تشير إلى انقسام غير مسبوق أمريكيا يفوق ما يعرف بـ "البطة العرجاء". ذاك مصطلح يعني اقتسام الحزبين الجمهوري والديمقراطي للسلطتين التشريعية والتنفيذية. لكن هذا الانقسام الذي أتت به أو عززته الانتخابات النصفية يشير إلى مسيرة أكثر من عرجاء. الانقسام كان أفقيا وعموديا: الأكثر انقساما كان الحزب الجمهوري الذي اعتبره أحد صقور الحزب في مجلس الشيوخ السيناتور جوش هولي "حزبا ميتا قد آن دفنه وبناء شيء جديد".. الانقسام لم يكن على مستوى الولايات بل المقاطعات أيضا.. عدد من المقاطعات المعروفة تاريخيا بأنها ديمقراطية صارت جمهورية كتلك المقاعد التي انتزعها الجمهوريون من الديمقراطيين. أربع مقاعد في مجلس النواب عن ولاية نيويورك. وكم كان رمزيا حصول مرشح ممن دعمهم الرئيس السابق دونالد ترامب، كيفين كايلي على الرقم ٢١٨ الذي ضمن به الحزب فوزه بأغلبية مجلس النواب. النائب فاز عن إحدى دوائر ولاية كاليفورنيا الانتخابية، التي تمثلها الرئيسة (السابقة) نانسي بيلوسي.
بيلوسي، التي شبكت ذراعها بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ومن بعدها الرئيس جو بايدن واضعا يده على كتف رئيس من وصفها بـ "أم الدنيا". حميمية لافتة من الواضح أنها لا تقتصر على قضايا قمة المناخ في الوقت الذي انتهت فيها دعوة التظاهر في الحادي عشر من نوفمبر إلى نكتة أحرجت معارضي السيسي!
قد يرى البعض في البطة العرجاء جمودا يعرف سياسيا بالإبقاء على الوضع الراهن والتسويف واللاحسم.. لهذا فرحت بورصة نيويورك مع ظهور النتائج الأولية التي أشارت إلى الانقسام. رجال المال والأعمال من مصلحتهم "انقسام السلطة على نفسها" تاريخيا لأن ذلك سيتيح لهم فرصا أكبر على المناورة والإفلات من "المساءلة أو العقاب". الشيء ذاته إلى حد بعيد، ينطبق على السياسة الخارجية، وفيما يخصنا في هذه المقالة، تداعيات سياسة البطة العرجاء على الساحة الشرق أوسطية.
ليست وحدها أمريكا ـ البيت الأبيض أو الكونغرس – التي ستميل إلى الاحتفاظ بالوضع الراهن، فهناك دول في الإقليم لديها من الخبرات المتراكمة التي لا يستهان بها في التعامل مع واشنطن في العامين الأخيرين من أي رئاسة خاصة في ولايتها الأولى. كلنا نذكر رصد المايكروفون دون معرفة الرئيس الأسبق باراك حسين أوباما، عندما طلب همسا من رئيس الوفد الروسي ديميتري ميدفيديف إلى قمة الأمن النووي قبل عشر سنوات، "إمهاله" حتى يظفر بولاية ثانية يكون فيها أكثر قدرة على "المرونة" في التعامل مع المطالب الروسية، ليعده ميدفيديف بنقل الرسالة إلى موسكو، إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
المتوقع من بايدن الرئيس، بعد خسارته مجلس النواب واستمرار الأغلبية الضئيلة في مجلس الشيوخ حتى لو ظفر حزبه بمقعد مجلس الشيوخ في انتخابات الإعادة، المتوقع المرونة داخليا وخارجيا فيما يخص الشرق الأوسط تحديدا، وعلى نحو خاص ملف الطاقة. الأرجح، تبريد الملفات لا تسخينها في ضوء استمرار الصراع في أوكرانيا وخشية اندلاعه في تايوان ودخول إيران نفقا قد ترى في نهايته الضوء إما اتفاقا جديدا مرضيا للجميع (يقبل به رئيس وزراء إسرائيل القديم الجديد بنيامين نتانياهو) وإما فرصة حقيقية لنجاح "ثورة مهسا أميني" وانهيار النظام الملالي..
المؤشرات المشجعة فيما يراه كثيرون قضية الشرق الأوسط المركزية، صدرت عن نتانياهو الذي أكد -بحسب مصادر إسرائيلية- لإدارة بايدن "عدم نيته تغيير الوضع القائم في مدينة القدس" والحرم الشريف المعروف أيضا بجبل الهيكل وفقا للأمم المتحدة.
في ظل اعتداء إسطنبول الإرهابي الأخير، ورفض وزير الداخلية التركي "قبول تعازي السفارة الأمريكية"، ثمة مخاطر حقيقية لتدهور على الساحات التركية، السورية والعراقية واللبنانية للضغط على روسيا وإيران وتركيا (في ضوء ما يظنه البعض تقاربا مع روسيا على حساب أمريكا والناتو).
في تلك الساحات، تصير البطة العرجاء صقرا مادامت الأمور محل إجماع وطني أمريكي على مستوى مؤسسات الدولة، وما يسميه البعض الدولة العميقة.
الخلاصة: الانقسام الأمريكي فرصة شرق أوسطية لا يستبعد فيها تحقيق اختراقات مادام المفاوض الشرق أوسطي قادر على إقناع الإدارة والكونغرس أن في ذلك مصلحة أمريكية عليا تسمو على الانقسام الحزبي بكل أجنحته. على البعض -هنا وهناك- التخلص من الهوس بعقدتي "أوباما وترامب"!