خلف أحمد الحبتور يكتب لـCNN: رسالة مفتوحة إلى القادة الأوروبيين.. أوقفوا الحرب رأفة بشعوبكم
هذا المقال بقلم خلف أحمد الحبتور، رجل أعمال إماراتي ورئيس مجلس إدارة مجموعة الحبتور الإماراتية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأيه ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
بدأت الحرب الروسية الأوكرانية تأخذ منحىً تصاعديًا سريع الوتيرة في الآونة الأخيرة. فقد شهد العالم يوم الثلاثاء كلمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام الجمعية الفيدرالية الروسية، حيث اتهم الغرب باستخدام أوكرانيا واجهة لمواجهة بلاده، "بهدف تحويل الحرب من محلية إلى عالمية". تزامن ذلك مع زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن المفاجئة لأوكرانيا قبل محادثات أجراها مع نظيره البولندي، الرئيس أندريه دودا في وارسو، وردّه على بوتين بثبات الموقف الأمريكي من أوكرانيا والتوعد بتقديم مزيد من الدعم.
كل هذا يوازيه استمرار تعنّت وتشنج المواقف الرسمية المتتالية للدّول الأوروبيّة الدّاعمة لأوكرانيا، وزيادة إمدادها بالعتاد والأسلحة العسكرية المتطوّرة، والدعم الأمريكي السّياسيّ والمعنويّ واللوجستيّ.
بعد مرور عامٍ على هذه الحرب، على الدول الغربية أن تتحرّك بمنظور منطقيّ وواقعيّ للأزمة، وأن يجنحوا للسلم، عوضًا عن تسعير الحرب التي بدأت ارتداداتها تتخطى ساحة المعركة لتمتدّ إلى داخل مجتمعات الدول الأوروبية وتؤثر على راحة وأمان المواطن الأوروبي.
فبحسب تقرير لمعهد كولونيا الألماني للأبحاث الاقتصادية صدر الأسبوع الماضي، ستبلغ خسائر اقتصاد ألمانيا بسبب الحرب الأوكرانية الـ600 مليار يورو بنهاية عام 2023، كما سيتكبّد المواطن الألماني ما يقارب الـ2000 يورو، وفقًا للبيانات الأخيرة للناتج المحلّي في البلاد، هذا عدا عن ارتفاع يقارب الـ40٪ في أسعار الطاقة. فإن بلغت كلفة الحرب هذا الحدّ بالنسبة لأقوى اقتصاد في أوروبا، فما هي نسبة المعاناة المتوقع أن تعيشها شعوب البلدان الأوروبية الأخرى؟
من هذا المنطلق، ارتأيت أن أتوجّه إلى زعماء ورؤساء الدول الأوروبيّة وبريطانيا، مناشدًا إياهم أن يعوا خطورة استمرارهم على هذا النهج المدمر لشعوبهم ولاقتصادات دولهم، وألا يكونوا وقودًا لحربٍ ذات أجندات خارجية ويدفع ثمنها الشعب الأوكراني وشعوب بلدانهم.
فإن نظرنا إلى بدايات الحرب، كان من الممكن استباق الأمور ووضع آلية دوليّة لحلّ الأزمة الروسيّة الأوكرانيّة بأقل ضرر، وتجنيب الشعب الأوكراني البريء حالة البؤس والتشرّد التي يعانيها. وذلك من خلال السعي لإيجاد حلول لهواجس المتخاصمين، وعدم تبني المواقف الاستفزازية كالرغبة بإنشاء قواعد عسكرية للناتو على الحدود الروسيّة.
لا يخفى على أحد أنّ هذه التصرفات الاستفزازية ستؤجج غضب الدبّ الروسيّ الذي لن يتوارى عن استخدام كافة الوسائل المتاحة لما يراه دفاعًا عن أمنه وسيادته، ومن ضمنها السلاح النووي الإستراتيجي والتقليدي. ما نسمعه لا يبشّر بالخير. وإن استمرت المواجهة على هذا المنوال، فستؤدَي الى نشوب حرب عالمية نووية لن يسلم منها أحد.
لذا أناشد رؤساء وقادة الدول الأوروبية وبريطانيا على حد سواء أن يستخلصوا العبر من الانعكاسات السّلبيّة للحرب على دولهم مباشرة بشكل خاص، وعلى العالم بأسره بشكل عام. لقد تعدى عدد النازحين الأوكرانيين هرباً من وزر الحرب عشرات الملايين. الشعوب الأوروبية تعيش ذعرًا في ظلّ ارتفاع مخيف لنسب البطالة وغلاء فاحش للأسعار ولأهم مقوّمات الحياة من وقود وكهرباء وغذاء.
لقد أنقذت العناية الإلهية شعوب أوروبا وبريطانيا من موجات البرد القارس المعتادة والتي كانت ستتطلب تأمين وسائل التدفئة ومستلزماتها من الطاقة التي شهدت ارتفاعات في الأسعار غير مسبوقة بسبب تمنُّع روسيا عن إمدادهم بالبترول والغاز. هل هم مدركون أن مسؤوليتهم القصوى هي تأمين حياة كريمة وآمنة لشعوبهم، وعدم تعريض أمنهم للخطر؟ كيف سيبررون عند صناديق الاقتراع أن مصير شعوبهم متعلّق بمستقبل الأحداث على الجبهة الروسيّة الأوكرانيّة؟
والأخطر من ذلك كله، هل الدّول الأوروبيّة مستعدة لخوض حرب عالمية ثالثة مدمرة ستتأثر بتداعياتها البشرية جمعاء؟ إن أكثر ما نخشاه، مع بداية العام الثاني لهذه الحرب، أن تتأزم أكثر وتخرج عن السيطرة ويحصل ما لا تحمد عقباه. حينها لن ينفع الندم.
فيا أيها القادة الأوروبيين والبريطانيين، اعملوا لمصلحة شعوبكم وأوطانكم. التفتوا إلى معاناتهم. كفى تمويلاً لأجندات خارجية من جيوبكم ورزق شعوبكم وأهلكم. فلتكن الأولوية لإطفاء نيران هذه الحرب. وليكن السعي للمصالحة وتقريب وجهات النظر بين الروسيين والأوكرانيين، وليس للتسليح، ووهم تقوية طرف ضد الآخر. احذروا من مغبّة التمادي بالمشاركة في لعبة تأجيج الصراع، أنتم أول الخاسرين وأكبر المتضررين.
لقد صمدت اليوم الشعوب الأوروبية بدافع الإنسانية والتعاطف مع الآخرين، ولكنها الآن تئنّ من الأوضاع الاقتصادية والحياتية المزرية التي وصلت إليها. فهل ستبقى صامتة أمام استمرار سياساتكم العبثية؟ واجب القائد المسؤول أن يعمل أوّلاً وأخيراً لمصلحة شعبه وتأمين راحته، ولا يجعل مواطنيه يدفعون ثمن أخطائه ومغامراته.
ما يحصل اليوم هو تفضيل لمصلحة الآخرين على مصالح بلدانكم. لذا كونوا السباقين للسلام وقفوا سدًا منيعًا أمام من يهدف لإضعافكم وتدميركم. لقد تخطى عدد الضحايا مئات الآلاف، ووصل عدد المشردين الأبرياء عشرات الملايين، وذلك لذنب لم يقترفوه، ناهيك عن الدمار الذي فاق كلّ التوقعات.
فليخرج منكم من يسعى لمصالحة روسيّة أوكرانيّة صادقة وطويلة الأمد، وأنا على ثقة بأنّ طرفي الصراع سيرحبون بذلك. ما من رابح في الحروب، أما الخاسر الأكبر هو من يشارك فيها بدلًا من العمل على إطفاء نيرانها.