تحليل لـCNN: كيف حاول بوتين إعادة تأكيد سيطرته على روسيا بعد تمرد فاغنر؟

نشر
8 دقائق قراءة

تحليل إخباري بقلم كريستيان إدواردز، من شبكة CNN

محتوى إعلاني

لمدة يومين بعد أن ألغى زعيم شركة فاغنر العسكرية الروسية يفغيني بريغوجين تمرده الفاشل، لم يقل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شيئا بشكل علني، بعد أن واجه أكبر تحد لسلطته منذ 23 عاما، وكاد أن يشهد انزلاق بلاده نحو حرب أهلية، بينما توقع الكثيرون أن يرد الرئيس الروسي بصوت عال وغاضب.

محتوى إعلاني

وبدلا من ذلك، كُسر الصمت أولا من قبل خصمه، ففي رسالة صوتية مدتها 11 دقيقة نُشرت عبر قناته على تلغرام، زعم بريغوجين أنه قام فقط بتنظيم احتجاج، وليس انقلابا، في محاولة "لتقديم كبار الضباط العسكريين الروس للعدالة جراء أخطائهم أثناء العملية العسكرية الخاصة"، في إشارة إلى غزو أوكرانيا.

وعندما خاطب بوتين الأمة الروسية أخيرا، يوم الاثنين، كان لطيفا بشكل ملحوظ، وفي المرة الأخيرة التي شوهد فيها يوم السبت، أخبر الروس بأن تمرد بريغوجين كان "طعنة في ظهر بلدنا وشعبنا"، ووعد بمحاسبة المتمردين، والآن، شكر المتمردين على "قرارهم الصحيح" بوقف تقدمهم، وعرض عليهم عقودا للانضمام إلى وزارة الدفاع الروسية، كما زعم أن "التمرد المسلح كان سيتم قمعه على أي حال"، دون أن يحدد كيف.

وبالنسبة لزعيم مشهور بتقديم أطروحات تاريخية كبرى في خطابات مدتها ساعة، كان خطاب يوم الاثنين مقتضبا، ولم يستمر سوى بضع دقائق، وترك أسئلة أكثر من الإجابات، مثل لماذا سُمح لبريغوجين بالفرار إلى بيلاروسيا؟، ولماذا لم يعاقب المتمردون؟، وكيف يحاول بوتين إعادة تأكيد سلطته؟

التهدئة أولا ثم العقاب

في 36 ساعة غريبة وفوضوية، قاد بريغوجين قواته لمسافة 800 ميل من حدود أوكرانيا باتجاه موسكو، واستولى على قيادة عسكرية إقليمية، واقتحم مدينة كبيرة، وادعى أنه أسقط طائرة هليكوبتر عسكرية.

وتوقع الكثيرون أن يكون رد بوتين سريعا ووحشيا، وقال في خطابه للروس، يوم السبت، إن "خيانة فاغنر كانت خيانة لبلدهم".

وقال دميتري ألبيروفيتش، العضو في المركز البحثي "هوم لاند سكيورتي"، لشبكة CNN: "بوتين يقدر الولاء قبل كل شيء، يمكنك أن تسرق، أن تقتل، أن تكون مجرما، لكن الشيء الوحيد الذي لا يمكنك أن تفعله هو الخيانة".

وبالنظر إلى ذلك، بدا إحجام بوتين الواضح عن معاقبة المتمردين محيرا، ولكن، وفقا لما ذكره كيريل شاميف، الزميل في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، فإن الأولوية الأولى لبوتين ستكون "نزع سلاح مجموعة فاغنر وتسريحها"، قبل تطبيق أي عقوبة محتملة.

وقال شامييف، لـCNN: "على المستوى التكتيكي، من المهم التهدئة قليلا، وجعل الأمور هادئة، وإعطاء بعض الأمل والفوائد لمرتزقة فاغنر العاديين والقيادة العليا، لتقليل دوافعهم للعمل".

ويعمل بوتين حاليا على تحقيق التوازن، ربما كان يميل إلى الاستجابة بسرعة، لإثبات أنه لن يتم التسامح مع التمرد ولإظهار قوته، ولكن إذا تحرك بسرعة كبيرة، فإنه يخاطر بإثارة تمرد آخر وإعطاء انطباع بالذعر.

وقال شاميف: "إذا كان رد فعلك سريعا جدا، فيمكن أن يُظهر للنخب أنك خائف"، ومن المفارقات أن اتباع نهج "الرجل القوي" يمكن أن يكشف الضعف بدلا من ذلك.

ووفقا لشامييف، "يجب أن يكون بريغوجين عبرة، لكن هذه مسألة دقيقة تتعلق بالتوقيت، فحرب أوكرانيا تدخل مرحلة غير مؤكدة، وربما تكون بداية هجوم كييف المضاد متعثرة، لكن وحدة القوات الروسية ومعنوياتها أصبحت موضع تساؤل منذ فوضى نهاية الأسبوع الماضي".

وإذا كان الكرملين قد أبعد بطريقة ما بريغوجين على الفور، وانهارت القوات الروسية في أوكرانيا، فقد تثبت انتقادات رئيس فاغنر صحتها.

وتابع المحلل: "سيبدو الأمر، لقد كان بريجوجين على حق، وفي الواقع، لقد كان محقا فيما يتعلق بالجيش، وكان محقا بشأن مدى عدم استعداد الجنرالات وعدم درايتهم والآن قاموا بقتله، إنه موقف سيئ للكرملين".

ومن ثم، فإن رد فعل بوتين إلى حد ما قد يكون حكيما، وقد ظهر بشكل أكبر يوم الثلاثاء، حيث شكر ضباط الأمن على دورهم الواضح في قمع التمرد، وقال للمسؤولين: "لقد أوقفتم الحرب الأهلية".

وأضاف: "لقد تصرفتم بوضوح وبطريقة منسقة بشكل جيد، في موقف صعب، وأثبتم بالفعل ولاءكم لشعب روسيا وللقسم العسكري وأظهرتهم المسؤولية عن مصير الوطن ومستقبله".

كما قال جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB)، يوم الثلاثاء، إنه أسقط القضية ضد مجموعة فاغنر لأن "المشاركين فيها أوقفوا أفعالهم التي تهدف بشكل مباشر إلى ارتكاب جريمة"، وفقا لوكالة أنباء "ريا نوفوستي" الروسية.

كما كسر الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو صمته، الثلاثاء، مؤكدا أن بريغوجين سافر إلى بيلاروسيا بموجب شروط "صفقة" توسط فيها (الرئيس البيلاروسي)، مما سمح له بمغادرة روسيا دون مواجهة تهم جنائية.

وزعم لوكاشينكو أنه أخبر بريغوجين أنه سوف "يُسحق مثل الحشرة" إذا واصل تقدمه نحو موسكو، وأقنعه بالدعوة إلى التمرد لكن بينما كشف عن بعض تفاصيل المفاوضات، ولم يقل لوكاشينكو الكثير عن مستقبل بريغوجين.

نقص الدعم الشعبي

ويعد وجود رؤية خلال إدارة الأزمة، أمرا مهما، والآن بعد أن تلاشى الغبار بعد عطلة نهاية أسبوع فوضوية، يحاول بوتين إظهرا سيطرته لكنه لم يتمكن من الدعوة إلى طريقة أخرى لإعادة تأكيد السيطرة التي استخدمها القادة الآخرون بعد مواجهة تحديات مماثلة لسلطتهم: حشد الدعم السياسي.

فعندما واجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان محاولة انقلاب في عام 2016، كان رده سريعا ولا هوادة فيه، وسُجن الآلاف في غضون أيام، وأعلن أنه يفكر في إعادة العمل بعقوبة الإعدام، وحتى بعد مرور عام، كان غضبه واضحا، وقال: "سنقطع رؤوس هؤلاء الخونة".

وطوال الأزمة، بالكاد ترك أردوغان موجات الأثير، فقد حضر جنازات من قتلوا في التمرد، وحشد المتظاهرين لدعمه، ونظم مظاهرات حاشدة مؤيدة للحكومة في المدن الكبرى.

هذه المشاهد كانت غائبة في روسيا، كانت مظاهرات الدعم العامة الوحيدة لبريغوجين أثناء طرده من روستوف أون دون مساء السبت، اصطف الناس في الشوارع للتعبير عن فرحتهم، مثل المشجعين الذين ينتظرون خارج الملعب لإلقاء نظرة على نجمهم الرياضي المفضل.

وتعتمد قوة الكرملين بشكل كبير على نزع الطابع السياسي عن غالبية الروس، وقال شاميف: "عدم تسييس طوعي ومستقل، حتى لا ينزل الناس إلى الشوارع بمفردهم".

وبسبب هذا التكتيك المُطبق منذ فترة طويلة، لا يمكن لبوتين أن يتوقع من ملايين الروس أن يحتشدوا للدفاع عنه، كما في حالة أردوغان.

وفي الوقت الحالي، يتعلق الأمر بوقته قبل أن يقرر كيف ومتى يعاقب بريغوجين، لكن خلال هذا التأخير، قد تتزايد الشكوك في روسيا.

وقال ألبيروفيتش: "إذا لم يُسجن، إذا لم يقتله بوتين، فسيبعث ذلك بإشارة إلى الجميع بأن بوتين أضعف مما كانوا يعتقدون، ويمكنك الإفلات".

وأضاف: "ليس هناك شك في أن قوته الآن ضعفت، وأن الكثير من الناس في جميع أنحاء البلاد- النخب والحكام وأشخاص في الأجهزة الأمنية - ربما يسألون أنفسهم: إذا كان بإمكان بريغوجين حقا الإفلات من هذا، مع سلطة دولة صعبة مثل تلك، فما الذي يمكن أن يحدث لنا لو فعلنا مثله؟".

نشر
محتوى إعلاني