رأي.. بشار جرار يكتب لـCNN عن تكساس وشرارة المواجهة: "الانفصال غير مطروح ولن تكون حربا أهلية"
هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
باتت أسطوانة مشروخة وقد ظننا أنها كسرت بتحطيم جدار برلين وانتهاء الحرب الباردة، تلك التي تضخّم أحداثا في أمريكا وكأنها على حافة التراجع عن موقعها الدولي كقطب ما زال أوحدا، أو أنها على شفا جرف هاو لطالما كان ينذر بحرب أهلية ثانية أو انفصال وتفكك للاتحاد الذي من أول ما يقسم عليه الأمريكي مجنّسا كمواطن أو مكلفا كمسؤول بأن يحمي الاتحاد والنظام الجمهوري ووحدة وسلامة الأراضي الأمريكية ومصالحها في العالم.
باستعراض سريع للأخبار والصور والفيديوهات التي دفعت مثلا المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا للتعليق الساخر على ما يجري في تكساس بأنها تدعو الرئيس "بايدن إلى تشكيل تحالف دولي لإنقاذ الديموقراطية في تكساس!"، فإن من الفيديوهات التي رافقت تلك الأخبار المزيفة أو المحرفة -جزئيا أو كليا- عبر منصات التواصل الاجتماعي فيديو يظهر دبابات وناقلات جند أمريكية تتجه إلى تكساس وكأن الرئيس جو بايدن ووزير الدفاع الأمريكي لويد أوستين يريدان بذلك مواجهة الحرس الوطني في تكساس، والتي تم دعمها حتى الآن بست وعشرين ولاية جميعها يحكمها حاكم جمهوري، حيث تقتصر صلاحيات تحريك قوات الحرس الوطني على الحاكم فقط الذي يستطيع دستوريا رفض أي إجبار أو ضغوط حتى من القوات الاتحادية التي تأتمر بأمر القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو الرئيس.
المتتبع لتواريخ تلك الفيديوهات التي انتشرت كما النار في الهشيم بترويج خاطئ أو متعمد مضلل من قبل بعض النشطاء أو الصحفيين الموجّهين سياسيا أو عقائديا، يرى بشكل جلي إنها أتت بقرار من إدارة بايدن وحتى قبلها إبان عهد سلفه ومنافسه الرئيس السابق دونالد ترامب، لحماية الحدود الأمريكية من أي اختراق من جانب الحدود المكسيكية وليس في أي حال من الأحوال للاحتكاك مع حرس حدود تكساس أو أي ولاية أخرى. حتى المناطق التي توجهت إليها تلك الموارد العسكرية الاتحادية كانت في أراض تابعة للاتحاد باتفاقات خاصة مع أي من الولايات الخمسين ومن بينها الحدودية خاصة تكساس.
تعمد بعض السرديات تجاهل أيضا البعد القضائي في المواجهة القديمة المتجددة، وهي تأييد المحكمة العليا -أعلى سلطة قضائية في الولايات المتحدة- قرار إدارة بايدن رفع الحاجز السلكي ذي الشفرات الذي نصبته السلطات المحلية في تكساس بقرار من حاكمها غريك آبوت كونه غير إنساني وقد يتسبب بإيذاء المهاجرين حتى وإن كانوا غير شرعيين. من الناحية الإنسانية تبدو الصورة مختلفة لكنها توارت في السجالات الحاصلة بين الطرفين. وكل ما جرى حتى الآن هو تعهد آبوت بمواصلة استخدام هذا الحاجز على امتداد حدود الولاية على أن تتم إعادة أي جزء تقوم القوات الاتحادية بتقطيعه وإزالته.
كان آبوت ومن قبله رون دي سانتيس حاكم فلوريدا الذي انسحب للتو من السباق الرئاسي، قد تحديا إدارة بايدن على نحو غير مسبوق عندما قاما بتحميل المهاجرين غير الشرعيين بالباصات وحتى الطائرات إلى مواقع تحرج الإدارة بما في ذلك إدارة الرئيس الأسبق باراك حسين أوباما حيث تم توجيه مئات المهاجرين غير الشرعيين إلى منتجع مارثاز فينيارد في ولاية ماساتشوستس التي يملك فيها أوباما قصرا ومزرعة كبيرة "مانشين". تم الدفع بالعشرات عبر الباصات إلى قبالة منزل نائب الرئيس كمالا هاريس في واشنطن إضافة إلى عدد من المدن الديمقراطية من بينها نيويورك وشيكاغو اللتان شهدتا تعالي أصوات حتى المسؤولين الديمقراطيين من ضغط الهجرة غير الشرعية على الموازنات المحلية خاصة في مرافق حيوية كالصحة والتعليم والإيواء وتلك الأخيرة مسألة فاقمت من الحساسية عندما ترددت أنباء عن إجبار قدامى محاربين من المشردين على مغادرة فنادق لتخصيصها لمهاجرين غير شرعيين!
ولم يكن مفاجئا أن تتحول بذلك قضية أمن وضبط الحدود وملف الهجرة برمته إلى القضية الانتخابية الأولى متقدمة على ملف التضخم والاقتصاد فيما تراجعت حتى السياسة الخارجية إلى المرتبة الرابعة والخامسة وفقا لاستطلاعات جرت إبان أحدث مواجهة في الانتخابات التمهيدية في ولاية نيوهامشر. وقد كان لافتا قيام أحد الحضور في مجمع انتخابي لنيكي هيلي التي تحاول مزاحمة أو هزيمة المرشح الجمهوري الأقوى ترامب، قيامه بتمزيق لافتة هيلي الانتخابية بعد دعوتها إلى ضرب إيران وقد صاح بأنه لن يؤيد من يريدون فتح حرب جديدة فيما هذه هي حال الحدود والاقتصاد في إشارة إلى ملفي الهجرة والاقتصاد وضحايا سموم المخدرات خاصة فيتنول التي بلغت مئة ألف في عام واحد -بمعدل 1500 وفاة أسبوعيا- فيما ارتفع عدد المتسللين في يوم واحد الشهر الماضي إلى أربعة عشر ألفا. من بين المتسللين خمسون اسما مدرجة على لائحة الإرهاب وفقا لبيان تحذيري وقع عليه عشرة من قادة مكتب التحقيقات الفدرالي السابقين.
ولعل مشاركة ألوف المواطنين من تكساس وخارجها في التوجه إلى الحدود بجرافات وشاحنات وسيارات كبيرة يشير إلى أن المسألة لم تعد فقط حزبية -جمهورية- بل ووطنية أمريكية عبر حركة "لنسترجع حدودنا" لا بل وذات بعد ديني عبر تسمية البعض لأنفسهم بأنهم "جيش الرب" مؤكدين أنهم لا يريدون عنفا ولا صداما مع أحد خاصة القوات الاتحادية.
هذه ليست السادس من يناير الجديدة (اقتحام الكونغرس بعد خطاب ترامب التشكيك بنزاهة انتخابات 2020)، وبالتالي لن يقتنع أحد بأن ما يجري في تكساس "تمردا" أو "ثورة"، وعليه ستبقى القضية قضية انتخابية تخبو وتنشط حتى نوفمبر المقبل. أما الأربعاء فالكونغرس على موعد لعزل وزير الأمن الوطني إليخاندور مايوركس من منصبه. التحقيق سيبدأ في مجلس النواب لكنه وإن حظي كما هو متوقع بأغلبية ضعيفة، فإنه لن يتحقق إجرائيا لصعوبة الحصول على موافقة ثلثي مجلس الشيوخ ذي الأغلبية الطفيفة للحزب الديمقراطي على قرار عزل مايوركس التي يرون فيها مجرد "بروفة" لعزل بايدن.