CNN CNN

المرأة العربية بين عيدها والعودة لزمن الجواري

الخميس ، 08 آذار/مارس 2012، آخر تحديث 21:33 (GMT+0400)

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يحل يوم المرأة بالمنطقة هذا العام بنكهة مختلفة، فتداعيات "ثورات الربيع" مستمرة، وسط مخاض يبدو سهلاً بدول وعسيراً بأخرى، فنتائج الانتخابات لم تنصف النساء المشاركات في الانتفاضات بقوة، ما فرض غيابهن في وقت توضع فيه القوانين الجديدة، ما أثار قلق البعض من إمكانية فقدانهن لـ"مكاسب" سابقة، بينما اندفع البعض إلى الحديث عن زمن "الجواري" و"ملك اليمين."

ففي مصر مثلاً، تراجعت حصة النساء في البرلمان بشكل واضح، فلم تفز أي سيدة في جميع المقاعد الفردية، أما على صعيد القوائم الحزبية، فلم يتجاوز عدد الفائزات أصابع اليدين، حتى أن بعض التنظيمات الإسلامية المشاركة في الانتخابات لم تنشر صور المرشحات على قوائمها لاعتبارات دينية.

وفي ليبيا، حيث كانت المرأة تعاني من التهميش - كما العديد من الشرائح الاجتماعية - فلم يبرز تغيير كبير بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي، بل إن الكثيرين عابوا على رئيس المجلس الانتقالي، مصطفى عبدالجليل، قوله في أول خطاباته بعد إعلان "التحرير" أنه يعتزم إعادة النظر بقوانين البلاد، وخص بالذكر إعادة السماح بتعدد الزوجات.

أما اليمن، فالطريق ما تزال طويلة أمام المجتمع المنقسم قبليا ومناطقيا، فقد شاركت اليمنيات في الثورة بفعالية، وكان لهن مسيرات ومظاهرات حاشدة خاصة بهن، كما باتت اليمنية توكل كرمان أول عربية تحصل على جائزة نوبل، غير أن الطريق ما تزال طويلة أمام اليمنيات اللواتي مازلن يحاربن ممارسات قديمة، بينها زواج القاصرات.

وتبرز قضايا المرأة في تونس أكثر من سواها، بسبب التقدم الكبير الذي حققته النساء في تونس طوال الأعوام الماضية على صعيد الحريات الشخصية والحقوق القانونية، ما جعل تلك الدولة تحتل مركزاً متقدماً في الدراسات الغربية حول التجارب النسائية العربية.

وكما شاركت التونسيات بقوة، ولعقود طويلة، بكافة مناحي الحياة، كان لهن مشاركة واسعة في الثورة التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي، كما شاركت في الانتخابات ونالت قرابة ربع المقاعد، غير أن التنوع غاب عن تمثيلهن، مع بروز السيطرة الإسلامية الممثلة بحركة النهضة، التي تعيد حالياً تشكيل المشهد السياسي التونسي.

وتعيش النساء في تونس بظل "حصانة قانونية" مستمدة من "مجلة الأحوال الشخصية" الصادرة عام 1956، والتي تساوي بين الرجل والمرأة بشكل كامل وتحظر تعدد الزوجات ويحدد السن القانونية للزواج عند 17 سنة، ويقر الطلاق القضائي، ويربط الزواج بموافقتها، كما يمنحها حق الوصاية على أطفال زوجها بعد وفاته.

ولكن بعض القوى العلمانية التونسية، إلى جانب منظمات نسائية، تبدي قلقها من أن يكون وضع المرأة التونسية على وشك التبدل، فرغم تأكيدات أركان حركة النهضة عدم نيتها المس بالوضع القائم، غير أن تعارض بعض مواد مجلة الأحكام الشخصية مع الشريعة قد يتسبب لها بإحراج كبير بين جمهورها أو بين القوى التي تقف على يمينها، ما يدفعها لتعديل موقفها في وقت لاحق.

وفي هذا السياق، انشغلت وسائل الإعلام بمتابعة تصريحات للسياسي الإسلامي، البحري الجلاصي، رئيس حزب "الانفتاح والوفاء" الذي نقلت عنه الصحف دعوته المجلس التأسيسي إلى إصدار قانون ينص على تعدد الزوجات، أو العودة لاعتماد "نظام الجواري" القديم.

ونسبت وسائل الإعلام إلى الجلاصي قوله: "من حق كل تونسي اتخاذ جارية إلى جانب زوجته، والتمتع بما ملكت يمينه،" واعتبر أن الجارية هي "الحل الأنجع لإعادة التوازن الاجتماعي والأخلاقي للمجتمع التونسي."

وقد اتصلت CNN بالعربية بالجلاصي لاستيضاح مواقفه، فقال إن ما جاء في حديثه هو "رأي عبر من خلاله بطريقة نقدية" عن وجهة نظره وهي أن "مجلة الأحوال الشخصية المطبقة في تونس أذلت المرأة وقضت عليها، وهي ليست من الإسلام في شيء، بل هي من وضع الحداثيين والرئيس السابق الحبيب بورقيبة، وهما من يتحمل مسؤولية هذه الجريمة في حق المرأة."

وأضاف أن الرئيس السابق زين العابدين بن علي، واصل العمل بالقانون: "للقضاء على الإسلام" وأضاف: "بتنا الدولة الوحيدة في العالمين العربي والإسلامي التي تطبق هذه القوانين."

ولفت الجلاصي أنه لم يقصد العودة الفعلية لزمن الجواري، وإنما إظهار أن النساء في ظل الإسلام، حتى الجواري، كان لهن حقوق أفضل من النساء اليوم، وأن القوانين الحالية تضر بالمرأة وبالمجتمع ككل وتدفع النساء والرجال إلى ممارسات غير شرعية.

وأضاف الجلاصي: "وضع الجارية أفضل لأنها كانت تأتي معززة إلى بيت مالكها وكان لها قيمة ومعنى، أما اليوم فالمرأة في تونس تتزوج بأبخس الأثمان، لذلك فالجواري أفضل حالاً من التونسيات حالياً لأن الأخيرات يبعن بأرخص الأسعار بطرق ملتوية مثل زواج المتعة أو الزواج العرفي أو الارتباط غير المشروع بالأصدقاء."

وأضاف: "بات لبعض رجال الأعمال أكثر من 15 صديقة، ونرى أعداد اللقطاء تزداد بشكل كبير."

ورأى الجلاصي أن الاعتراض الأساسي هو "على مجلة الأحوال الشخصية التي تمنع الزواج المتعدد وتضر بالتالي بالرجل والمرأة،" وأضاف: "هناك اليوم 56 ألف قضية طلاق سنوياً في تونس، وهناك 400 ألف رجل مهدد بالسجن شهرياً في حال التخلف عن دفع النفقة التي يفرضها القانون."

واعتبر الجلاصي أن الرجال يقاسون جراء هذه القوانين ويمتنعون عن الزواج، ما يدمر المجتمع ويرفع معدلات العنوسة بشكل كبير، واتهم القوانين التونسية بأنها "تجعل النساء آلهة جديدة وترفعهن إلى مراتب القداسة."

وانتقد الجلاصي، الذي لم يتمكن حزبه من المشاركة في الانتخابات لتأخر حصوله على الترخيص، الأوضاع في تونس ككل، ورأى أنها "ظاهرة شاذة، وهي بقوانينها تخالف ما عليه الحال لدى 95 في المائة من المسلمين حول العالم."

وأكد أن هذه الأسباب دفعته إلى الاعتراض على قضية المتمثلة بمواصلة تطبيق مجلة الأحوال الشخصية، والدعوة بالتالي للسماح بتعدد الزوجات، ما يحل أيضاً مشكلة اللقطاء والعلاقات غير المشروعة.

وعن موقفه حيال القضية في ظل وجود قوى إسلامية على رأس الحكم في تونس قال الجلاصي: "قضية الجواري وملك اليمين موجودة منذ فجر الإسلام، وقواعدها واضحة، وفي تونس هناك مزايدات سياسية لا تريد إلغاء المجلة، حتى أن بعض القوى الإسلامية التي فازت بالانتخابات وصوتت الناس لها من أجل تطبيق الشريعة تتجنب التطرق إلى هذا الموضوع."

ولإظهار شدة الانقسام في وجهات النظر، نقلت وكالة الأنباء التونسية الخميس أن الاتحاد العام للشغل استضاف في مقره بالعاصمة ندوة تحت عنوان "لا تراجع عن حقوق المرأة التونسية" بهدف دراسة واقع المرأة التونسية حاليا.

وقال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي بالمناسبة، إن السعي متواصل من أجل بلوغ المساواة الحقيقية بين الرجل والمرأة.

وفي ما يخص واقع المرأة التونسية اليوم قال الحسين العباسي إن "الوضع لا يطمئن لان مسيرة النساء في النضال ما زالت طويلة وتستلزم جهدا أكبر لتخليصها من الفوارق وتمكينها جميع حقوقها."

ومن جهتها تطرقت الحقوقية سعيدة قراش، عضو الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، في مداخلتها إلى ما يمكن أن ينجم عن "إدراج الشريعة كمصدر أساسي في الدستور الجديد للبلاد من مخاطر على مكاسب المرأة في تونس" وفق تعبيرها.

ونقلت وكالة الأنباء التونسية الرسمية عن قراش قولها إن "الإصرار على اعتماد الشريعة لضبط الحقوق والواجبات بين الدولة والمواطنين وتنظيم السلط العمومية وتحديد طبيعة النظام السياسي وأشكال التدوال على السلطة، ليس إلا شكلا من أشكال السطو على مكتسبات النساء والمجتمع التونسي عموما وعملا مخالفا لأهداف الثورة."

وفي ظل الانقسام الواضح في الآراء بين من يريد الحفاظ على الوضع الحالي في تونس، وبين من يرى في الشكل الراهن للأمور اغتراباً سلبياً يبعد البلاد عن إرثها الثقافي والديني، تتطلع التونسيات ونساء العرب ككل إلى تحقيق كل أهدافهن في هذا الربيع.