| بوش خلال جولته الثانية بأفريقيا في فبراير/شباط |
دبي، دولة الإمارات العربية المتحدة(CNN) -- تبرز جولات الرئيس الأمريكي جورج بوش في عدد من الدول الأفريقية الأهمية البالغة التي توليها إدارة واشنطن للقارة السمراء، كما تسلط الأضواء على السباق المحموم بين واشنطن وبكين على موارد المنطقة المتخمة بالثروات الطبيعة، وعلى رأسها النفط. وهيمنت المساعدات الأمريكية الضخمة على جدول أعمال الزيارة الأخيرة لبوش، إلا أنه، ورغم تأكيداته على أن جولته الأفريقية، الثانية منذ توليه السلطة، هي لإبداء جانب "الرعاية" والاهتمام"، يجمع العديد على أنها تدخل في إطار حماية المصالح العسكرية والإستراتيجية ومصادر الطاقة، وموازنة النفوذ الصيني المتزايد هناك. وفي دلالة بالغة الأهمية على تركيز الإدارة الأمريكية الحالية على ثاني أكبر قارات العالم، فإن بوش هو الرئيس الجمهوري الوحيد الذي زار أفريقيا، وثاني رئيس من كلا الحزبين يقوم بجولة فيها خلال ولايته الرئاسية الأولى. كما تضاعفت المساعدات الأمريكية إبان رئاسة بوش بواقع أربعة أضعاف، كما عينت الولايات المتحدة، ولأول مرة في تاريخها، سفيراً لها لدى الاتحاد الأفريقي، إلى جانب إنشاء القيادة الأمريكية الأفريقية العسكرية ( USAFRICOM أو Africacom). أفريقيا.. لماذا؟.. برز الاهتمام بنفط القارة إبان الاستعدادات للحرب الأمريكية على العراق، وإضرابات العمال في فنزويلا، وتهديدات رئيسها هوغو شافيز الدائمة بقطع إمدادات النفط، إضافة إلى الاضطرابات الأمنية التي شهدتها المملكة العربية السعودية عام 2003، وهي عوامل حفزت مجتمعة "شهية" الولايات المتحدة اللامتناهية لمصادر الطاقة، كما يرى الخبراء. تزود دول غرب أفريقياً الولايات المتحدة بحوالي 12 في المائة من الواردات الأمريكية من النفط، يتوقع "مجلس الاستخبارات القومي" أن ترتفع إلى 25 في المائة بحلول العام 2015. | إفريقيا.. ساحة ''نزال'' في السباق الأمريكي الصيني |
يقول إيان غاري، محلل السياسة النفطية بمنظمة أوكسفام العالمية لـCNN بالعربية، إن القارة أصبحت بقعة ساخنة لسباق دولي محموم للاستثمار في قطاع النفط لأسباب عدة، لعل أبرزها أنها المنطقة الأخيرة في العالم التي توجد بها احتياطيات هائلة من النفط والغاز، لا تخضع لسيطرة مؤسسات الدولة، كما هو الحال في الشرق الأوسط. وأضاف أن النفط الخام المستخرج من إقليم خليج غينيا، يعد من النوعية الممتازة، كما أن موقع تلك الحقول في المناطق البحرية، يزيح عن كاهل شركات النفط عبء إرباك وكذلك الاحتكاك بالمجتمعات السكانية. سباق أمريكي - صيني محموم على القارة الإفريقية يرى مراقبون أن تلك القارة الساخنة، أفريقيا، مرشحة لتكون جبهة "حرب" باردة، سلاحها الدولار، بين القطبين، الرأسمالي والشيوعي. كبير الباحثين في "معهد السياسة الدولي"، إيان بريمر، قال في حديث سابق لـCNN إن حاجات الصين المتزايدة لإمدادات ثابتة ومستقرة من النفط والمواد الخام دفعها للتورط سياسياً بعمق في مناطق حول العالم، تمتعت فيها واشنطن طويلاً باحتكار النفوذ الدولي. وقادت احتياجات الصين الهائلة لموارد طاقة تضمن دوران عجلة اقتصادها المتنامي، حيث من المرجح أن يبلغ استهلاك التنين 21 مليون برميل من النفط الخام في اليوم بحلول عام 2022، إلى العديد من أنحاء المعمورة، من بينها إيران وإقليم دارفور غربي السودان الغني بالنفط، ليجد نفسه في خط مواجهة مباشرة مع أمريكا، بحسب ما ذكره بريمر. ويشكل تغلغل النفوذ الصيني في القارة الأفريقية هاجساً مقلقاً لإدارة واشنطن، رغم مطالب مسؤولين أمريكيين بضرورة تنسيق القطبين الرأسمالي والشيوعي لحماية مصالحهما المشتركة. ولفت تقرير من "مفوضية المراجعة الأمنية والاقتصادية للولايات المتحدة والصين" إلى أن إستراتيجية الطاقة التي تنتهجها حكومة بكين تشكل مصدر قلق إلى أمن الطاقة الأمريكية، وذلك نظراً لاهتمامات بكين المتصاعدة بالسيطرة على النفط ومصادر إنتاج الموارد الطبيعية الأخرى، مباشرة من مصادرها، عوضاً عن الاستثمار، لإتاحة المزيد من الإمدادات في السوق العالمية. واستشهد التقرير بالسودان كمثال حي للإستراتيجيات التي تتبعها الصين في القارة - "حزمة متكاملة" - تشمل التمويل، والخبرة التقنية، إلى جانب النفوذ الدولي لحماية الدولة المضيفة في المحافل الدولية. فالصين تسيطر على شريحة لا يستهان بها من حقول النفط في السودان، حيث يبلغ إجمالي استثمارات "المارد الشيوعي" ما يفوق أربعة مليارات دولار. السيناتور الديمقراطي جوزيف ليبرمان، نبه إلى هذا الأمر، وذلك في كلمة ألقاها أمام مجلس العلاقات الخارجية، تحت عنوان: "سياسات الطاقة الأمريكية الصينية: خيار التعاون أو التصادم"، حيث ألمح إلى أن المنافسة الشرسة بين القطبين على الطاقة ربما تكون أحد أكبر المخاطر التي قد تؤدي إلى مواجهة محتملة بين الطرفين. | جاء في التقرير أن الصين تسيطر على شريحة مهمة من حقول النفط في السودان |
وطالب السيناتور، العضو في مجلسي الأمن القومي والشؤون الحكومية بمجلس النواب، أكبر مستهلكين في العالم للنفط للعمل سوياً من أجل توظيف تقنيات جديدة تساعدها للتخفيف من اعتمادها على الذهب الأسود. وجاء في جلسة استماع سابقة لرئيسة "مفوضية الأمن والاقتصاد للولايات المتحدة والصين" كارولين بارثلوميو أمام مجلس النواب، أن الصين تسيطر على شريحة مهمة من حقول النفط في السودان، وتستورد 7 في المائة من حاجياتها من النفط من هناك، وأن الاستثمارات الصينية تصل إلى نحو 4 مليارات دولار. وفي هذا المجال، أكد المحلل النفطي من أوكسفام، غاري، أن اهتمامات التنين الصيني بثروات القارة الأفريقية الطبيعية ترقبها عن كثب رادارات صناع القرار في واشنطن، لكنه استبعد أن تشكل مصدرا محتملا للتوتر في العلاقات الثنائية بين القطبين، مشدداً على أن "النزال" سيقتصر على الساحة التجارية. وأكد غاري في حديثه أن حزم المساعدات المالية والقروض لها اعتبارات حاسمة في تحديد إلى أي المعسكرات ستتجه تراخيص حقوق التنقيب في السباق القائم، مشيراً إلى أن مفعول إستراتيجية المارد الشيوعي فيما يتعلق وموارد أفريقيا الطبيعية، التي تمزج بين التجارة والدبلوماسية، هي الأكثر تأثيراً، رغم أن بعض الشركات الصينية تفتقر للتقنيات الحديثة التي تتيح لها التنقيب عن النفط في أعماق البحار، كما هو الحال في أنغولا. وأوضح غاري أن شريحة كبرى من برامج المساعدات الأمريكية، مثل برامج مكافحة الإيدز التي أطلقها الرئيس بوش، لا تتحيز لصالح شركات النفط الأمريكية، على حد قوله. ويجمع مراقبون أن بكين، التي تستورد قرابة 30 في المائة من حاجياتها من النفط الخام من أفريقيا، لعبت أوراقها بحنكة وذكاء أمام واشنطن، باستخدام سلاح القروض دون تبعات (no string attached loans)، التي ساعدت القارة السمراء في الابتعاد قليلاً عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وشروطهما المجحفة. المساعدات الأمريكية لأفريقيا.. ما بين الوعود والتنفيذّ!! ومن جانبه أكد ستيف راديليت، كبير الباحثين في "مركز التنمية الدولية - Center for Global Development" في حديث لموقع CNN بالعربية، أن كافة المساعدات الأجنبية تأتي مقرونة بغايات وأهداف متعددة. وشدد راديليت على أهمية النفط الأفريقي بالنسبة لأمريكا، التي يأتي قرابة ثلث وإراداتها من الطاقة من تلك القارة، علما أن أكبر الدول المصدرة للنفط، وهما نيجيريا والسودان، هما في الوقت عينه من أكبر متلقي المساعدات الأمريكية. وأوضح أن الساعدات المقدمة لنيجيريا تأتي على شكل إعفاءات من الديون، والأخرى للسودان كمعونات إنسانية. وأورد أن العديد من الدول المنتجة للنفط في القارة، مثل غينيا الاستوائية، والكاميرون والغابون، تتلقى مساعدات رمزية أو لاشئ على الإطلاق، وذلك في معرض تأكيده على أن النفط ليس العامل الأساسي المؤثر في المساعدات الأمريكية لأفريقيا. ويشار إلى أن واشنطن أطلقت في عهد بوش، أضخم حملة ترعاها إدارة أمريكية لمكافحة الإيدز، وهي عبارة عن خطة خمسية، خصص لها 15 مليار دولار، وتعتبر أكبر برنامج صحي عالمي على الإطلاق لمكافحة مرض واحد بعينه، إذ ارتفع عدد المنتفعين منه من 50 ألف مريض إلى 1.3 مليون. وتواصل الإدارة الأمريكية تخصيص موازنات ضخمة للإيدز، رغم مطالب بعض الخبراء مؤخراً بضرورة أن تعيد الحكومات النظر في الأموال الضخمة المخصصة لمواجهة هذا المرض وحده، وجدولتها لمعالجة أمراض أخرى تفتك بأطفال القارة، منها سوء التغذية والملاريا والأمراض الرئوية، بمعدلات توازي الإصابة بالإيدز، الذي وصف يوماً بأنه "أكبر تهديد للصحة العالمية." ويدعي البعض أن المساعدات الأمريكية مرهونة بصورة وثيقة بالتعامل مع الشركات المنتجة للمواد الدوائية في البلاد. إلا أن راديليت نفى تضمين قيود صريحة في التشريعات الخاصة بالمساعدات تشترط على ضرورة تخصيص تلك الأموال لشراء أدوية الإيدز من شركات أمريكية بعينها. ولكنه، عاد وأشار إلى بند واحد يحصر استخدام تلك الأموال في شراء عقاقير مجازة من قبل "دائرة الدواء والغذاء الأمريكية (FDA) فقط. وأكد أن إنجازات إدارة بوش تميزت بأداء جيد نسبياً، فيما يتعلق بتحويل التعهدات إلى التزامات تجاه القارة السمراء. |