تقرير: مصطفى العرب
مفترق طرق سياسي أمام لبنان
بيروت، لبنان (CNN)-- بدأ اللبنانيون، سواء من قوى الأكثرية النيابية أو من المعارضة، يعودون إلى "أرض الواقع،" بعد انتهاء الانتخابات بما أفرزته من انتصار جديد لقوى "14 آذار"، التي عززت مقاعدها، مقابل هزيمة قوى المعارضة "8 آذار" التي يقودها حزب الله، ليواجهوا حقيقة الوضع في بلدهم المشرذم بالانقسامات الطائفية والتأثيرات الدولية.
فإلى جانب العقد المقبلة التي ستبرز بنتيجة الانتخابات، وعلى رأسها هوية رئيس مجلس النواب الجديد، وطبيعة الحكومة الجديدة واختيار رئيسها، عادت قضية سلاح حزب الله لتبرز مجدداً، رغم "الاعتراف" الذي قدمه الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، بنتائج الانتخابات.
نصرالله والأكثرية والسلاح
فنصرالله، الذي أطل ليل الاثنين على شاشات التلفزة للتعليق على الانتخابات وما حملته من نتائج، توجّه بالتهنئة للفائزين، غير أنه دعا إلى النظر في إجمالي أعداد الأصوات التي حاز عليها كل مرشح لمعرفة الجهة التي حازت على الأغلبية الشعبية.
وبعد ذلك، بدأت مواقع إلكترونية مقربة من الحزب بعرض تقارير تشير إلى أن الأصوات التي حاز عليها الحزب وسائر القوى المتحالفة معه تفوق في مجموعها العام ما نالته قوى الأكثرية، رغم أن الأخيرة فازت بحساب المقاعد، بسبب طبيعة التقسيم الانتخابي.
ونظراً لأجواء التهدئة التي تسود الأوضاع في البلاد حالياَ، فضل أقطاب قوى "14 آذار" عدم التعليق سلبياً على ما قاله نصرالله، غير أن أوساط مقربة منها انتقدت ما جاء في خطابه، مشيرة إلى أنه يعود بلبنان إلى المرحلة السابقة للانتخابات، حيث كان حزب الله يصف الأكثرية النيابية بأنها "وهمية" و"دفترية."
وذكرت تلك الأوساط أن ما جاء في خطاب نصرالله قد يمهد للطعن بقدرة الأكثرية على الحكم مستقبلاً في أقل تقدير، أو قد يفتح الباب أمام الحديث عن "الديمقراطية العددية" التي تعتبر "فزاعة النظام السياسي اللبناني" القائم على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين بمختلف مذاهبهم في السلطة، بصرف النظر عن أعدادهم الفعلية.
وبالعودة لكلام نصرالله، فقد لفت الأخير إلى وجود ما اعتبره "إنفاقا ماليا هائلا وتحريضا مذهبيا وعنصريا، واتهامات وأكاذيب هدفها تخويف الرأي العام،" تاركاً للراغبين في تقديم طعون دستورية بنتائج الانتخابات، حق القيام بذلك.
وتطرق نصرالله إلى سائر العناوين التي ستشكل محطة فاصلة على المستوى السياسي، وفي مقدمتها تشكيل الحكومة الجديدة، فلم يكرر مطالبة المعارضة بالحصول على ثلث مقاعد الحكومة (وهو المطلب الذي يتيح له التحكم بمصيرها)، بل طرح الاستمرار بالبرنامج السياسي "من داخلها أو خارجها."
على أن النقطة الأبرز كانت إشارته إلى قضية سلاح الحزب، حيث قال إنه لم يؤثر على الانتخابات، مضيفاً: "لا داعي للقلق فموضوع المقاومة طالما هو محتضن شعبياً لا أحد يستطيع أن يفعل شيئاً مع المقاومة الشعبية، وهذا الكلام قلناه قبل الانتخابات بمعزل عمن يفوز."
وبرز في هذا السياق نقل مواقع حزب الله الإلكترونية، وأبرزها موقع تلفزيون "المنار" الثلاثاء، نبذات عن تغطية الصحافة الإسرائيلية للانتخابات، ركز من خلالها على "ترحيب" عدد من وزراء إسرائيل بالنتيجة، و"قلقهم" في الوقت عينه من أن تكون خسارة حزب الله مقدمة لتحرره من الضغوط السياسية التي تفرضها مشاركته في الحكومة، ما يتيح له تعزيز عمله العسكري ضد تل أبيب.
عقدة رئاسة الحكومة ومجلس النواب
من جهتها، كانت القوى الكبرى في الأكثرية النيابية، وتحديداً القوى غير المسيحية، تتجنب تناول الموقف المقبل من حزب الله، حفاظاً على أجواء التهدئة في البلاد، وخاصة بسبب الواقع المذهبي والانقسام الحاصل بين السنة والشيعة.
وتركت تلك القوى، وعلى رأسها "تيار المستقبل" الذي سيكون له الكلمة الأساس في اختيار رئيس الحكومة السني، إنطلاقاً من حجم قوته في تلك الطائفة، الحديث عن هوية الرئيس إلى المرحلة المقبلة، وهو ما قاله أحد نواب التيار، عمار حوري، لموقع CNN بالعربية، إذ شدد على أن الكلام في هذا الأمر ما يزال مبكراً.
وتتفاوت التقديرات حول نوايا التيار إزاء هذا الملف، ففي حين يفرض المنطق ترشيح زعيمه الشاب، سعد الدين الحريري للمنصب، فإن عوامل طارئة قد تدفع لتعيين شخصيات أخرى.
على أن الامتحان الأبرز سيتمثل في انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب، وهو تقليدياً من الطائفة الشيعية، وقد سبق لحزب الله أن دعم ترشيح الرئيس الحالي للمجلس، نبيه بري، وهو أمر أيده من جانب الأكثرية النائب وليد جنبلاط، زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي القوي في أوساط الدروز.
غير أن البعض يرى أن تيار المستقبل لن يقبل انتخاب بري بسهولة، نظراً لقيام الأخير بمعارضة الحكومة السابقة، ومشاركة عناصره في أحداث السابع من مايو/أيار الماضي، عندما اقتحمت ميليشيات شيعية الأحياء السنية في بيروت، وخاضت مواجهات أدت لسقوط عشرات القتلى.
"زعامة" عون تصطدم بالواقع
أما القوى المسيحية في الأكثرية النيابية، فقد انصرفت إلى التركيز على تراجع دور الحليف المسيحي الأبرز لحزب الله، ميشال عون، الذي يقود التيار الوطني الحر، في المناطق المسيحية.
فقد سبق لعون وتياره استقطاب قرابة 70 في المائة من أصوات الناحبين المسيحيين عام 2005، غير أن تحالفه اللاحق مع حزب الله ودفاعه عن سلاحه، إلى جانب زيارته لسوريا وإيران، كان لهما تأثير كبير على الأرض.
ورغم أن عون نجح في زيادة عدد نوابه، غير أنه خسر دوائر مسيحية أساسية في بيروت والشمال وزحلة، وانتصر في دوائر أخرى بأصوات غير المسيحيين، وتقلص الفارق بشكل واضح بين تياره وسائر المنافسين، حيث أشارت صحيفة "النهار" في عددها الثلاثاء إلى أن 58 في المائة من الناخبين المسيحيين صوتوا ضد لوائح العماد ميشال عون، فيما صوّت 42 في المائة لمصلحتها.
وتطرح نتائج الانتخابات أيضاً أسئلة حول موقع رئيس الجمهورية، ميشال سليمان، بعد الانتقادات الحادة التي وجهتها المعارضة نحوه، على خلفية اتهامه بالتنسيق مع مرشحي الأكثرية في المناطق التي يتمتع بنفوذ فيها، علماً أن المقربين من الرئيس عجزوا عن تحقيق خرق حقيقي، إلا بمقعد أو اثنين.
ويرى البعض أن هذا الأمر سيقود إلى تراجع قدرة سليمان على رعاية الحوار من موقع الفريق المستقل، كما سيكون خلال الفترة المقبلة هدفاً لسهام المعارضة، التي قد تسعى للتعامل معه من موقع الخصومة.
بينما يراهن آخرون على أن أجواء التوافق الإقليمية السائدة حالياً بين دمشق والرياض قد تنعكس على الواقع اللبناني للأشهر المقبلة، بحيث يقّر الجميع بالنتائج، بانتظار متغيرات إقليمية أو دولية قادمة.
وفي مطلق الأحوال، فإن "سكرة" الانتخابات اللبنانية قد انتهت، وعادت بيروت إلى مواجهة الأسئلة الأساسية حول مستقبل الحكم فيها ومصير سلاح حزب الله وطبيعة العلاقة بين الطوائف المتنافرة.