تقريرخاص للزميل نك روبرتسون
سيف الإسلام القذافي يتحدث إلى نعمان بن عتمان
طرابلس، ليبيا (CNN)-- من أحد السجون الليبية الأكثر تشدداً بالإجراءات الأمنية، يبدو أن تحديا جديدا بدأ بالبروز أمام تنظيم القاعدة المتشدد.
فقادة واحدة من أكثر المنظمات الإسلامية تشددا، الجماعة الإسلامية المقاتلة بليبيا، أصدروا مؤخرا "دستورا" جديدا للجهاد، اعتبروا خلاله أن سعيهم لإسقاط حكم الرئيس الليبي، معمر القذافي خلال السنوات العشرين الماضية، لم يكن شرعيا، ولا يندرج تحت التشريع الإسلامي.
والدستور الجديد، الواقع في 417 صفحة، والذي يحمل عنوان "دراسات تصحيحية في مفاهيم الجهاد والحسبة والحكم على الناس،" هو ثمرة مفاوضات سرية ومكثفة استمرت نحو عامين بين قادة المجموعة وعدد من المسؤولين الأمنيين في ليبيا.
ويكمن التحدي الأكبر أمام تنظيم القاعدة في البند الذي يؤكد على "أن الجهاد له أخلاقيات ومثل، لأنه في سبيل الله"، وهو ما يحرم قتل النساء، والأطفال، والشيوخ، والرهبان، والرسل، والتجار، والخيانة محرمة أيضا، إذ من المهم الوفاء بالعهود والالتزامات، ومعاملة أسرى الحرب معاملة حسنة، والالتزام بهذه الأخلاقيات هو ما يميز المجاهدين المسلمين عن غيرهم."
وقد تم تداول هذا الدستور بين مجموعة من علماء الدين في الشرق الأوسط، إذ أعلنوا عن دعمهم الكامل له. وحاليا، يقوم عدد من السياسيين الأمريكيين ووكالات الاستخبارات الغربية بدراسة هذا الدستور بشكل دقيق، وعرضه على القيادات الإسلامية في بلادهم.
ومبدأيا، يلقى هذا الدستور ترحيبا من الجهات الغربية، فهو تحد كبير من الجهاديين الإسلاميين بالنسبة لإيديولوجية تنظيم القاعدة.
وبينما يؤكد الدستور على مشروعية الجهاد في حال احتلال أرض إسلامية، مثل أفغانستان، والعراق، وفلسطين، تختلف قواعد الجهاد وقوانينه عن تلك التي يتبناها تنظيم القاعدة، وأبسطها تحريم استهداف المدنيين.
وقد حصلت CNN على حق حصري في الدخول إلى سجن أبو سليم، حيث تمت كتابة الدستور، والتحدث إلى سجناء ينتمون إلى الجماعة الإسلامية المقاتلة بليبيا.
ولهذا السجن سمعة دامية، حيث تشير تقارير إلى أن مجموعة من حراسه قامت بقمع إضراب عام 1996 عن طريق قتل أكثر من 1200 سجين خلال أقل من 24 ساعة.
كما حصلت CNN على فرصة التعرف إلى حكاية ميلاد هذا الدستور من أصحابه.
فعندما قرر سيف الإسلام القذافي، ابن الزعيم الليبي معمر القذافي، فتح حوار مع قادة الجماعة الإسلامية المقاتلة بليبيا، كان عليه إقناعهم بصدقه وجديته في الموضوع. ومن أجل ذلك، اتصل بالقائد السابق للمجموعة، نعمان بن عثمان، الذي كان يقيم حينها في لندن، ووعده سيف الإسلام القذافي بالإفراج عن السجناء المنتمين للجماعة الإسلامية المقاتلة بليبيا، إذا تخلت الجماعة عن فكرة إسقاط النظام في البلاد.
كما تعهد سيف الإسلام القذافي بتقديم الحصانة لبن عثمان وحمايته من أي حكم بحقه. وفي يناير/كانون الثاني 2007، عاد بن عثمان إلى ليبيا للقاء قادة المجموعة في سجن أبو سليم.
وكان بن عثمان قد حارب في أفغانستان، إلى جانب عدد من قادة المجموعة الليبية المقاتلة في العقد الثامن من القرن الماضي، لمساعدة الأفغان على التحرر من الحكم السوفييتي آنذاك. وخلال هذه السنوات، تعرّف بن عثمان ورفاقه إلى أسامة بن لادن، وعدد آخر من قادة القاعدة.
ورغم قتالهم المشترك مع بن لادن، لم تدمج الجماعة الإسلامية المقاتلة بليبيا عملياتها أبداً مع القاعدة، وذلك للاختلاف بينهما في التعامل مع القضايا الجهادية.
كما لم تصادق الجماعة على الأسلوب الجهادي الذي يتبعه بن لادن، حيث ركزوا اهتمامهم على إسقاط حكم القذافي، واستبداله بحكم إسلامي.
وفي لقاء شخصي بينهما في 2000، حذر بن عثمان بن لادن من مهاجمة الولايات المتحدة الأمريكية، مشيراً إلى أن العواقب السلبية ستفوق تلك الإيجابية، ما سيؤدي إلى تقويض أداء المجموعة في ليبيا. وفي ذلك الوقت، كان الأمن الليبي قد اعتقل عددا من أعضاء المجموعة الليبية.
ورغم اختلافهما، كان بن لادن يكن احتراما كبيرا لقادة الجماعة الإسلامية المقاتلة بليبيا.
ووفقا لبن عثمان، فقد حاول بن لادن الاستفادة من شبكة الجماعة الإسلامية المقاتلة بليبيا حول العالم لصالح القاعدة، إلا أن المجموعة الليبية رفضت تقديم العون له.
وعندما التقى بن عثمان مع قادة جماعته في يناير/كانون الثاني 2007، كانت تلك المرة الأولى التي يجتمعون فيها معه منذ سنوات. فبعضهم كان بالسجن لأكثر من عقد كامل، بينما تم القبض على آخرين من قبل جهات دولية في تهم التخطيط لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. وفي ذلك الوقت، وافق هؤلاء على التفكير بعرض سيف الإسلام القذافي، وقدموا شروطا للتنفيذ في نفس الوقت.
وتضمنت قائمة الشروط: الحصول على حرية أكبر في السجون، والحصول على حق استشارة قادتهم، وإمكانية الحصول على كتب ومراجع دينية لإجراء الدراسات الإسلامية. ومع مرور الوقت، تم التعهد بتنفيذ معظم هذه الشروط من قبل الأمن الليبي.
ولا يكمن الهدف الرئيسي لسيف الإسلام القذافي في إنهاء محاولات إسقاط النظام فحسب، بل هو محاولة لوقف تأثير تنظيم القاعدة على لبيبا.
ففي وثائق تعود لتنظيم القاعدة، تم العثور عليها في 2006 من قبل القوات الأمريكية في العراق، تبين أن الليبيين هم أكثر الشعوب العربية انضماما للقاعدة.
وفي نهاية 2007، حاول تنظيم القاعدة عرقلة المفاوضات بين الأمن الليبي والجماعة الإسلامية المقاتلة بليبيا، حيث أصدر الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، بيانا يعلن فيه انضمام مجموعة المحاربين الليبيين الإسلامية إلى القاعدة.
وفي المقابل، أرسل بن عثمان رسالة إلى الظواهري متسائلا عن مدى مصداقيته، إلا أنه لم يتلق أي جواب من الأخير، وفق ما ذكره لـCNN.
ويلاحظ أنه حتى وقت الرسالة الأخيرة له، غالبا ما مدح الظواهري الجماعة الإسلامية المقاتلة بليبيا، في محاولة منه لإعادة العلاقة الطيبة بينها.
وبعد كل ذلك، كانت المحادثات بطيئة جدا داخل السجن.
ففي أبريل/نيسان 2009، كانت المفاوضات على وشك الإلغاء بعد العثور على ابن الشيخ، وهو جهادي معروف، مشنوقا في سجنه الانفرادي.
ووفقا لمصادر مقربة، تخوف سيف الإسلام من موت ابن الشيخ، إذ أن وفاته كانت مشبوهة، وهو ما يمكن أن يلغي جميع المحادثات بين الجانبين.
ومن أجل عدم حدوث ذلك، طالب سيف الإسلام القذافي المسؤولين في السجن بالتعهد بتنفيذ كافة مطالب المجموعة الليبية، وتقديم حرية أكبر لهم.
وبعد ثلاثة أشهر، استكمل العمل على "الدستور"، المعروف بـ "الدراسات التصحيحية"، كما أعلن القذافي عن الإفراج عن عدد من أعضاء المجموعة في المستقبل القريب، حيث ستتسنى لهم الفرصة لتثقيف الشباب الليبي، وثنيهم عن الالتحاق بالتنظيمات المتشددة، كالقاعدة مثلا.
وفي الدستور الجديد، أكدت الجماعة الإسلامية المقاتلة بليبيا أن أهدافها الجديدة ستكون تحديا كبيرا لها.
وأضافت: "لقد كتبنا هذا الكتاب، ونحن نعلم أن الأفكار التي كانت لدينا عندما كنا في عنفوان الشباب، والتي أدت بنا إلى سلوك طريق الجهاد، هي أيضا موجودة لدى الكثير من شباب اليوم."