بقلم الزميل نك روبرتسون
مجموعة من حراس سجن أبو سليم
هذه القصة هي نتيجة تحقيقات استمرت لمدة عامين أجرتها CNN حول محادثات السلام بين الجماعة الإسلامية المقاتلة بليبيا والحكومة الليبية، والتي توجت مؤخرا باستنكار الجماعة لإيديولوجية أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة. وعلى هامش هذا التقرير، تبث CNN برنامجا وثائقيا بعنوان "دستور الجهاد."
طرابلس، ليبيا(CNN)-- عند دخولنا للمرة الأولى إلى سجن أبو سليم في العاصمة الليبية طرابلس، لم يكن لدينا أدنى فكرة ما الذي ينتظرنا.
فلعام كامل، فاوضنا الجهات الرسمية الليبية لدخول السجن، وأجرينا مقابلات في المقاهي، والفنادق، وزوايا الشوارع، كما قمنا بإرسال الرسائل، وأجرينا الاتصالات الهاتفية.
تعاملنا مع سيف الإسلام القذافي، أحد أبناء الرئيس الليبي معمر القذافي، ووعدنا بالمساعدة.
فسيف الإسلام كان هو نفسه في مفاوضات سلام مع الجماعات الإسلامية في السجن. مضت فترة طويلة، وكأن سيف الإسلام لم يحصل على الدعم اللازم من الأمن الليبي، لمساعدتنا، لذلك ما كان علينا سوى الانتظار.
الهدف من الانتظار كان التعرف إلى الطريقة التي سيتولى فيها سيف الإسلام مفاوضات السلام مع الجهاديين، الذين حاولوا في السابق قتل والده، وقتله هو أيضا.
ومن جانب آخر، أردنا معرفة الأسباب التي ستجعل هذه الجماعة الإسلامية تقرر إنهاء القتال المسلح، وتحدي كل أساليب أسامة بن لادن.
المسألة معقدة جدا، فهذه هي المرة الأولى التي توجه فيها جماعة إسلامية النقد إلى بن لادن منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول.
كما أن هذه اللحظة هي تلك التي انتظرها الغرب، ولذا نرغب وبشدة في معرفة ما حصل لنصل إلى هذه النقطة.
وفجأة، وبعد طول انتظار، سُمح لنا أخيرا بالدخول إلى السجن.. شعرنا وقتها بأن الموقف كان سرياليا، فالوقت كان منتصف الليل في سبتمبر/ أيلول الماضي، والجو كان يوحي بالغموض.
دخلنا في متاهة من الجدران الإسمنتية وأبراج المراقبة في سجن يقبع فيه أخطر سجناء ليبيا.
فقبل نحو عقد من الزمن، أوقفت السلطات الأمنية إضرابا في السجن عن طريق قتل نحو 1200 شخص في أقل من 24 ساعة، وهي فضيحة حاولت الحكومة الليبية إخفاءها أمام المجتمع الدولي.
ما يهم في الأمر أننا هنا، وسنحصل على القصة التي ستشغل بال الكثير من الجماعات الإسلامية المتشددة، كما أنها ستشكل تحديا أكبر للقاعدة.
والرجال الذين سنقابلهم في هذا السجن ينتمون إلى الجماعة الإسلامية المقاتلة بليبيا، وهي واحدة من أكبر الجماعات الإسلامية الجهادية.
ففي أوج أيامها، أجرت الجماعة عمليات في 17 دولة، برجال تم تدريبهم في أفغانستان.
وأعضاء هذه الجماعة هم شخصيات يلقون اهتماما بالغا في الأوساط الجهادية الإسلامية، حتى بن لادن نفسه كان يحاول ضمهم إلى تنظيم القاعدة، كما كانوا دوما محط اهتمام الملا عمر، زعيم حركة طالبان.
عند دخولنا من أحد الأبواب الحديدية الكبرى، وجدنا أنفسنا في قاعة كبيرة، بدت وكأنها حفلة شاي.
غير أن الجالسين حول الطاولات التي زينت بالقماش الأبيض لم يكونوا أشخاصا عاديين، بل كانوا رواد هذا السجن.فقد جلسوا هناك بملابسهم الزرقاء، وكانوا يتحدثون فيما بينهم، بينما كانت مجموعة من الخدم تقدم لهم المكسرات، والفواكه، والعصائر.
ساد التوتر بعض الشيء عند ظهورنا على الباب.. فبعد هذه الشهور الطويلة من الجدال والمفاوضات الصعبة، تلقينا مكالمة هاتفية قبل ساعة من قدومنا هنا، تخبرنا بأن علينا المجيء بسرعة، فالسجناء "بانتظارنا".
بدا وكأن الحراس أيضا لم يدروا ما يفعلوا، حتى تقدم أحدهم وطلب من السجناء تقديم أغنية صغيرة.
وبصوت واحد بدأ السجناء بالغناء، ومدح الرئيس معمر القذافي فيها، وبدوا وكأنهم قد تدربوا عليها جيدا. الغريب في الأمر أن المرة الأخيرة التي سمع العالم الخارجي أي خبر عن هؤلاء السجناء كانت عند محاولتهم قتل الرجل الذي يمدحونه الآن.
كنا أول فريق صحفي يدخل إلى هذا السجن، وبدا أن هؤلاء السجناء مهتمون جدا للقائنا بقدر اهتمامنا بلقائهم.
قضينا نحو أربع ساعات ونحن نتحدث إليهم، إلا أن الطاقم الخاص بسيف الإسلام القذافي أخبرنا لاحقا أنه لم يعد لدينا سوى خمس دقائق.
ولدى كل سجين منهم قصة مختلفة، إلا أن أيا منهم لم يقض أقل من عشرة أعوام في هذا السجن. بعضهم قاتل في أفغانستان، وبعضهم كان عضوا في خلايا قتالية في الشرق الأوسط، وبعضهم كان عضوا في تنظيمات سرية في ليبيا.
ما أثار اهتمامنا هو أنهم أصبحوا ينظرون إلى الواقع بطريقة جديدة، فهم يرون أفعالهم الماضية خاطئة، وأن عليهم وقف جميع أشكال القتل، لأنها لا تندرج تحت الشريعة الإسلامية.
وعندما سألتهم عما إذا كانوا يقومون بذلك للخروج من السجن، أجابوا بلا.
وأخبرنا السجناء أنهم لن يتمكنوا من البوح بكامل الحقيقة، إذ أن هناك حراسا قد يرتكبون جرائم بحقهم. إلا أن جميعهم أصروا على أن الطعام جيد في السجن، ولم يظهر على أي منهم الجوع.
بعد أسابيع قليلة من زيارتنا لهم، تم الإفراج عن الكثير من السجناء، كجزء من الاتفاق مع الحكومة.
وبينما أقفلت الأبواب الحديدية من خلفنا عند خروجنا من السجن، كانت تلك نهاية أهم مغامرة لنا منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول.
شعرت بأن شيئا مهما وعميقا حصل. وأهمية هذا الشيء تكمن في مدى التزام كل طرف بما تعهد به.