جانب من التجمع الحاشد الذي شهدته بيروت السبت
بيروت، لبنان (CNN) -- قال النائب اللبناني سعدالدين الحريري، زعيم كتلة "المستقبل" التي تقود الأكثرية النيابية في لبنان إن الانتخابات البرلمانية المقررة في يونيو/حزيران المقبل "استحقاق مصيري،" وذلك "في سبيل قيام دولة حرّة مستقلّة وقادرة،" مشيراً إلى أنه يتطلع لانتخابات "تخضع لشروط المراقبة العربية والدولية التي تقتضيها الظروف الراهنة."
مواقف الحريري جاءت في احتفال إحياء الذكرى الرابعة لاغتيال والده، رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، الذي أقيم في بيروت وسط حضور شعبي كثيف، وقد شهد الاحتفال كلمات قادة سائر قوى الأكثرية، وفي مقدمتهم النائب وليد جنبلاط، الذي انتقد دمشق بقسوة، ورفض أي تسوية على المحكمة الدولية وتسليح الجيش اللبناني وحق العودة للفلسطينيين.
وفي إشارة ضمنية إلى ما كان قد أعلنه في السابق لجهة نية رفض المشاركة في السلطة إذا ما خسر التحالف الذي يقوده الأكثرية التي يمتلكها في البرلمان قال الحريري: "ونحن نعلن منذ الآن أننا سنتعامل مع نتائج الانتخابات، في إطار القوانين المرعية، وسنلتزم نصوص الدستور، بما يساعد على تفعيل النظام الديموقراطي البرلماني، ويعيد الاعتبار لمفهوم تداول السلطة وفقاً للأصول."
وحض الحريري على "إعلاء لغة الحوار الوطني على أي لغة تناقض العيش المشترك، وتسعى من قريب أو من بعيد إلى استدراج لبنان نحو أي شكل من أشكال العنف."
وتوجه إلى المجتمعين في ساحة الشهداء بوسط بيروت بالقول: "منذ عام 1975 وأنتم تدفعون ثمن الحروب الأهلية، وثمن الحروب الإسرائيلية، وأثمان الفوضى المسلّحة والبؤر الأمنية والعسكرية ودعوات العصيان المدني وإقفال المرافق العامة."
وتابع: "كلّ ذلك له علاقة مباشرة بتفاقم الدين العام واستفحال الهجرة وتعطيل إمكانات النموّ. وقد آن الأوان لإدراك التلازم بين النمو الاقتصادي وبين الاستقرار السياسي والأمني. كما آن الأوان لكشف المتلاعبين الحقيقيين بحقوق الدولة، ووضع اليد على مكامن الفساد الحقيقية، وعلى أوكار الفوضى المسؤولة عن حماية هذا الفساد."
من جهته، أكد النائب جنبلاط، وهو الزعيم الأبرز لدى طائفة الدروز في لبنان ورئيس كتلة "اللقاء الديمقراطي" رفضه أي تسوية على المحكمة الدولية الخاصة بالنظر في قضية اغتيال الحريري.
كما رفض التسوية على قضية ترسيم مزارع شبعا التي تحتلها إسرائيل وتشكل نقطة خلال حدودية بين لبنان وسوريا.
ووجه جنبلاط انتقادات ضمنية إلى النظام السوري قائلاً: "نصرّ كدولة لبنانية وشعب على التهدئة، أي الهدنة مع إسرائيل، وأرضنا محررة في حين غيرنا يحارب عبر غزة وأرضه محتلة ويباهي بالممانعة، ويفاوض اسرائيل وأرضه محتلة ويدعي أنه من دول الممانعة، وحياء وخجلاً يطلب من الأتراك تجميد الاتصالات مع إسرائيل، وكأن أهل لبنان وغزة يباعون ويشترون على طاولة المفاوضات"
يذكر أن هذا التحرك هو أول تجمع شعبي قررت قوى الأكثرية النيابية اللبنانية إقامته منذ مواجهات السابع من أيار/مايو التي قادها حزب الله، مسيطراً بالسلاح على أجزاء كبيرة من بيروت.
كما أنه يأتي قبل أشهر قليلة من بدء انتخابات نيابية حاسمة في البلاد، وقبل أيام من بدء عمل المحكمة الدولية الناظرة بقضية الحريري، بعد أن اتهم مؤيدوه سوريا بالوقوف خلف الاغتيال.
ولا يخل الانقسام السياسي في لبنان من الطابع المذهبي، حيث يقود تيار المستقبل السني الطابع، بقيادة سعد الدين الحريري، قوى الأكثرية التي تضم أيضاً أحزاباً درزية ومسيحية، في حين يقود حزب الله الشيعي، وأمينه العام حسن نصرالله، قوى المعارضة التي تضم أيضاً تنظيمات مسيحية، أبرزها التيار الوطني الحر.
وكان الخلاف المستحكم بين الطرفين قد وصل إلى حد الصدام المسلح في السابع من أيار/مايو الماضي، عندما اقتحمت عناصر مسلحة، مقربة من حزب الله وحركة أمل، التي يرأس زعيمها نبيه بري البرلمان، أحياء سنية في بيروت.
وانتهى الخلاف بمؤتمر استضافته الدوحة، حيث اتفقت الأطراف كافة على اعتماد التهدئة، وانتخاب العماد ميشال سليمان، الذي كان في ذلك الوقت يتولى قيادة الجيش، رئيساً للجمهورية.
غير أن اقتراب موعد الانتخابات النيابية المقررة مطلع يونيو/حزيران المقبل في لبنان أعاد السخونة إلى الأجواء السياسية، بعد "صيف هادئ" نسبياً، كما يخشى البعض أن ينعكس التوتر الإقليمي على لبنان، بسبب العلاقات التي تربط قوى الأكثرية بمصر والسعودية من جهة، والروابط التي تجمع المعارضة بسوريا وإيران من جهة أخرى.
وعلى صعيد المحكمة الدولية الخاصة بقضية اغتيال الحريري، والتي قد تنظر أيضاً بالتفجيرات والاغتيالات التي وقعت بعد ذلك، واستهدفت أيضاً نواباً وشخصيات مقربة من الأكثرية النيابية ومناوئة لدمشق، فقد سبق للأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، أن أعلن انطلاقة عملها مطلع مارس/آذار المقبل.
وستعتمد المحكمة على التحقيقات التي تجريها منذ سنوات لجنة تحقيق دولية، تناوب على رئاستها القاضي الألماني ديتليف ميليس، والبلجيكي سيرج براميرتس، والكندي دانييل بلمار.
وقد برز في الساعات الأخيرة إعلان الرئيس الأمريكي الجديد، باراك أوباما، دعمه للسير بالمحكمة الدولية، وتشديده على أن "تضحيات" الحريري "لن تذهب سدى."
وتتهم قوى الأكثرية اللبنانية النظام السوري باغتيال الحريري بسبب موقفه السياسي من وجود الجيش السوري في لبنان، غير أن دمشق تنفي ذلك بشكل مطلق.
يذكر أن اغتيال الحريري جرى باستخدام سيارة مفخخة محملة بأكثر من طن من المتفجرات، وقد ولّد مقتله موجة من الغضب الشعبي، انعكست من خلال مظاهرات حاشدة قادت إلى إخراج القوات السورية من لبنان.
يشار إلى أن الوضع الأمني عشية إحياء ذكرى الحريري لم يكن مستقراً، حيث انفجرت قنبلة يدوية منتصف ليل الخميس في بيروت، دون وقوع إصابات، كما انفجرت قنبلة أخرى قرب مدرسة في منطقة التبانة بمدنية طرابلس، كبرى مدن شمالي لبنان، والتي تشكل معقلاً أساسياً لتيار المستقبل.