متابعة: مصطفى العرب
الأسد خلال زيارته الأخيرة للرياض عام 2007
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يصل الرئيس السوري، بشار الأسد، إلى الرياض الأربعاء في زيارة للمملكة هي الأولى منذ أن استضافت العاصمة السعودية القمة العربية في مارس/آذار 2007، يلتقي خلالها الملك عبدالله بن عبدالعزيز، في مؤشر جديد إلى تقدم جهود المصالحة بين الدول العربية التي تُوصف بأنها "معتدلة" وتلك التي تُقدم ضمن محور "الممانعة."
وتتزامن زيارة الأسد مع وصول الرئيس المصري، حسني مبارك، فيما يبدو أنه مقدمة لعقد "قمة" عربية مصغّرة تهدف لنزع فتيل الخلافات في المنطقة قبل انعقاد القمة العربية المقررة في قطر نهاية الشهر الجاري، والتي رشحت تقارير بأن أميرها، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، قد ينضم إلى المجتمعين أيضاً.
وفي حين اكتفى البيان الرسمي السوري بالإشارة إلى الزيارة دون التطرق لجدول الأعمال، قالت التقارير السعودية إن الاجتماع سيبحث في "العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها في مختلف المجالات بالإضافة للقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك."
وبالتزامن مع هذه التطورات، كانت العاصمة السورية تشهد حراكاً سياسياً واضحاً من قبل دول مقربة من الرياض، حيث اجتمع رئيس الديوان الملكي الأردني ناصر اللوزي، ووزير الخارجية، ناصر جودة، إلى الرئيس الأسد، ونقلا إليه رسالة من العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني.
وبحسب وكالة الأنباء السورية، فإن الرسالة تتعلق بـ"تطورات الأحداث الراهنة على الساحة العربية في ضوء السعي لتحقيق المصالحة العربية."
وفي الإطار عينه، زار دمشق الثلاثاء أيضاً الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة الذي بحث مع الأسد "الأجواء العربية قبل انعقاد القمة العربية المقبلة في الدوحة وأهمية التشاور والتنسيق بين الدول العربية."
وبحسب الوكالة السورية، فقد أعرب الأسد عن "تفاؤله بأجواء المصالحة العربية وعن أمله بنجاح القمة العربية."
بن صقر: سوريا تدرك وجود تحوّل بالموقف الأمريكي حيال إيران
من جهته، رأى الباحث السعودي عبدالعزيز بن صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث، في حديث لموقع CNN بالعربية أن زيارة الأسد تندرج في إطار وجود شعور متزايد لدى الأطراف العربية بأهمية دعوة وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، في اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخيرة بالقاهرة للتعامل مع الملف الإيراني.
وقال بن صقر إن الفيصل شدد على التعاطي مع الملف على صعيد تأثير القدرات النووية الإيرانية على المنطقة وتدخل طهران بالشؤون العربية وملف أمن الخليج، مضيفاً أن سوريا كانت الدولة العربية الوحيدة التي ظلت على علاقات مع إيران بشكل يراه سائر الأطراف على أنه "مزعج" حتى الفترة الأخيرة.
وشرح الباحث السعودي موقفه قائلاً: "سوريا باتت على قناعة بأن على إيران وجوب عدم التدخل في الشؤون العربية، كما أنها تدرك وجود تحول في الموقف الأمريكي حيال طهران، ما يتطلب وحدة الموقف العربي في هذه المرحلة، والتأكيد مجدداً على ما اتفق عليه وزراء الخارجية العرب."
وعن التحالف الإيراني السوري الذي يراه البعض غير قابل للانحلال قال بن صقر إن ذلك التحالف كان "مفهوماً" خلال مرحلة الحرب العراقية الإيرانية، لكن العامل الذي بدل المعادلات كان اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، "ما خلق ضغوطاً على سوريا أجبرها على تبديل تحالفاتها وتعزيز علاقاتها مع طهران بشكل كامل."
ولفت بن صقر إلى أن دمشق قد تكون بدأت تدرك بأن طهران ربما تعجز عن تقديم كل ما وعدتها به بسبب ظروفها الاقتصادية وأوضاعها الداخلية، مضيفاً أن أمريكا اختارت التفاوض مع إيران على أساس أن ذلك سيضغط على سوريا في ملفات المنطقة، ما دفع دمشق لاستباق ذلك بالانفتاح على العواصم العربية بعدما استشعرت هذا الخطر.
وأضاف أن الموقف العربي داعم لسوريا بالنسبة لمفاوضاتها غير المباشرة مع إسرائيل عبر الوسيط التركي، كما أن نقاط الخلاف بينها وبين العديد من العواصم العربية تقتصر على قضية اغتيال الحريري والمحكمة الدولية التي انبثقت للبت بالقضية، في حين أن دمشق تدرك بأن الاتفاق الإيراني الأمريكي، إن حصل، سيكون على حساب الجانب العربي، وتحديداً سوريا.
وبالنسبة لقضية محكمة الحريري، رأي بن صقر أن أمامها الكثير من الوقت قبل أن تخرج بنتائج، كما أن التطورات قد توفر لها مخرجا على غرار المخرج الليبي بقصية لوكربي.
وشدد الباحث السعودي على أهمية وجود الأسد مع مبارك في الرياض، واصفاً الأمر بأنه "خطوة مطلوبة وواجبة" باعتبار أن سوريا ومصر والسعودية تشكل "محاور القوة العربية،" وعودة التنسيق بينها سيجعل الموقف العربي أكثر قوة.
دعوة الفيصل للأسد
وتأتي زيارة الأسد للرياض بعد قيام وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، بنقل دعوة رسمية له للقاء العاهل السعودي في الرابع من الشهر الجاري، بعد سنوات من الفتور في العلاقات بين الجانبين، وصل إلى حد الخلاف العلني.
وكانت العلاقات العربية - العربية، وخاصة السورية السعودية، شهدت تحقيق اختراق مؤخراً على خط الخلاف المستحكم منذ 2006، بعد المصالحة التي تمت بالكويت في يناير/كانون الثاني الماضي، بين الأسد والعاهل السعودي، والرئيس المصري حسني مبارك، وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، على هامش القمة الاقتصادية التي عقدت بالكويت.
وفي أواخر فبراير/شباط الماضي، قام وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، بزيارة قصيرة إلى العاصمة السعودية الرياض، قام خلالها بتسليم رسالة للعاهل السعودي من الرئيس السوري.
وبدأت الجهود الرامية لرأب الصدع بالزيارة التي قام بها الأمير مقرن بن عبد العزيز، رئيس الاستخبارات السعودية، لسوريا في 15 فبراير/ شباط الماضي، حيث قالت مصادر سورية إنه حمل رسالة شددت على "أهمية التنسيق والتشاور بين الجانبين، لما فيه مصلحة الشعبين الشقيقين والشعوب العربية."
وسبق وصول الأمير السعودي إلى دمشق تسرب أنباء عن وسائل إعلام مقربة من الرياض، تشير إلى زيارة وفد أمني سوري رفيع المستوى إلى الرياض، دون أن تتضح طبيعة الزيارة وأهدافها.
يُشار إلى أن السعودية كانت ترتبط بعلاقات جيدة مع سوريا في حقبة الرئيس الراحل حافظ الأسد، غير أن الأمور بدأت بالتبدل مع وصول نجله بشار للسلطة، خاصة بعد أن أخذ الأخير مواقف متشددة حيال قوى تدعمها الرياض في لبنان، خلال الفترة التي كانت قواته في ذلك البلد، إلى جانب تشديد علاقاته مع طهران.
وتصاعد الخلاف بين الطرفين بعد الرابع عشر من فبراير/ شباط 2005، عندما تعرض حليف أساسي للرياض في لبنان، رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري، للاغتيال في بيروت، في عملية وجهت خلالها بعض القوى اللبنانية أصابع الاتهام لدمشق، التي نفت ذلك بشدة.
وظلت الأمور على توترها بين الطرفين، إلى أن بلغ الخلاف ذروته خلال معارك يوليو/ تموز 2006، بين حزب الله وإسرائيل، حيث وجهّت الرياض لوماً شديداً للحزب لتسببه بالمواجهات، مما دفع الأسد بعد انتهاء المعارك إلى إلقاء خطاب وصف فيه الذين عارضوا ما جرى بأنهم "أشباه رجال"، الأمر الذي مثل ذروة النزاع بين الطرفين.
وبحسب خبراء فإن الرياض ترغب في أن ترى تبدلاً بالموقف السوري حيال التحالف الاستراتيجي مع إيران، والوضع في لبنان والعراق والساحة الفلسطينية.