الزميل جون دفتريوس، معد ومقدم برنامج "أسواق الشرق الأوسط CNN" يقوم بتسجيل انطباعاته ومشاهداته أسبوعياً، ويطرح من خلالها، وبلغة مبسطة، رؤيته لاقتصاد المنطقة، انطلاقاً من خبرته الطويلة في عالم الصحافة الاقتصادية.
دافوس، سويسرا (CNN) -- خلال منتدى الاقتصاد العالمي الذي عُقد في مدينة دافوس السويسرية مؤخراً، كنت مضطراً لمراجعة نفسي قبل أن أبدأ في إدارة إحدى الجلسات الحوارية على الهواء مباشرة مع بوب دايموند، رئيس مصرف "باركليز كابيتال" الإنجليزي.
لقد كان موعد ظهور دايموند خلال الجلسة الحوارية الأولى من المنتدى، ليقرع جرس الإنذار حول التداعيات الممكنة لخطة الإصلاحات التي اقترحها الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، على القطاع المصرفي، وقدم دايموند خلال الجلسة تحليلاته حول مضمون خطاب "حالة الاتحاد" الذي ألقاه أوباما.
وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قد تطرق لطروحات إصلاح النظام المصرفي على خلفية النقاشات التي جرت في قمة مجموعة الدول العشرين الأخيرة، وبالنسبة لمن فاتهم ذلك الجدل، يكفي القول أن ساركوزي قدّم وجهة نظر "يسارية" في حين كان دايموند ومن معه من ممثلي المصارف التجارية ينحون باتجاه اليمين.
وقد حاولت الحصول على إجابة حول مستقبل هذه الإصلاحات من ستانلي فيشر، الذي قدم رداً متوازناً بحكم خبرته الثلاثية الأبعاد في عالم المصارف التجارية وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الإسرائيلي.
وقال فيشر إن هناك بعض الحاجة للتدخل الحكومي في عمل المصارف، خاصة وأن الخط الفاصل بين العمل المصرفي الاستثماري والعمل المصرفي الاستهلاكي العام، يضمحل أحياناً في المؤسسات المالية الكبرى.
وخلال انشغال الحاضرين بالنقاش حول هذه القضايا، كنت أتابع مجريات المؤتمرات الدولية التي تجري في بريطانيا بعيداً عن قاعات المنتدى السويسري، والمخصصة لدعم اليمن وأفغانستان، والفارق بين المكانين كان كبيراً، ففي دافوس انصب النقاش على التبادل التجاري والمصارف، في حين كان النقاش بلندن يتناول سبل وقف التدهور في بلدين مرشحين للانضمام إلى قائمة الدول الفاشلة.
قبل أن تبدأ أزمة المال العالمية المستمرة، كانت دول الخليج الثرية قد بدأت باستثمار فوائض أموالها المجمعة من مبيعات النفط في أسواق قريبة منها، وخاصة بالأردن ومصر وتونس والمغرب، ولكن مناطق واسعة في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا ظلت عطشى لهذه الأموال.
ففي اليمن على سبيل المثال، يعيش 43 في المائة من السكان على أقل من دولارين يومياً، وفق أرقام منظمة المؤتمر الإسلامي، ويشرح وزير الخارجية اليمني، أبوبكر القربي، تأثيرات ذلك بالقول: "يمكن أن يكون لدى كل الأشخاص دون الـ25 عاماً تطلعات ثورية، ولكن هذه التطلعات تتزايد عندما لا يعثرون على وظائف."
وقد انعقد مؤتمر لندن لوقف التدهور السريع لليمن المرشح للانضمام إلى قائمة الدول الفاشلة، خاصة وأن الحكومة تخوض ما يبدو أنها معركة خاسرة ضد الحوثيين على حدودها مع السعودية وضد عناصر تنظيم القاعدة.
ويدرك صناع السياسية وقادة الأعمال في الشرق والغرب وجود فارق كبير في الثورة بالعالم الإسلامي، لكنهم يتأخرون في معالجة ذلك، وقد اشتكت صنعاء خلال مشاركتها في مؤتمر لندن من أنها لم تحصل سوى على سبعة في المائة من مبلغ قيمته خمسة مليارات دولار، كانت الدول المانحة قد تعهدت بتقديمه إليها قبل خمس سنوات.
وبصورة عامة، يعيش في العالم أكثر من مليار ونصف مسلم يشكلون سوقاً واعدة، ولكن 39 في المائة منهم دون خط الفقر، وفق أرقام منظمة المؤتمر الإسلامي، ويقول موسى حاتم، رئيس المنتدى الاقتصادي الإسلامي: "القول بأن هناك مليار ونصف مسلم يجلب الدهشة لأنهم يشكل سوقاً كبيرة، ولكن على مستوى القيمة الممكنة والواقع الاقتصادي فإن قدراتهم لا تتجاوز قدرات سوق غربية يقطنها 200 مليون مستهلك."
وأنا أظن أن في الأمر حقيقة لا يمكن إغفالها، فالدخل الفردي في اليمن يكاد لا يتجاوز 2500 دولار في السنة، في حين أنه يتجاوز ذلك بعشرة أضعاف في السعودية المجاورة، وكذلك الحال في السودان التي تعتبر دولة ثرية من حيث الإمكانيات الطبيعية المتوفرة.
ولكن هذه الصورة المتشائمة يجب ألا تجعلنا نغفل عن حقيقة وجود نماذج اقتصادية ناجحة في العالم الإسلامي، وخاصة السعودية وتركيا وإندونيسيا، وهي دول تشغل مقاعد في منظمة "G20" لأكبر اقتصاديات العالم.
إن الدول الإسلامية اليوم هي موطن خُمس سكان الأرض، ولكنها لا تساهم سوى في ستة في المائة من حجم الإنتاج العالمي، إنها حقيقة يتجنب الزعماء مناقشتها، ولكنهم يدركون دون شك ضرورة معالجتها.
ترحب شبكة CNN بالنقاش الحيوي والمفيد، وكي لا نضطر في موقع CNN بالعربية إلى مراجعة التعليقات قبل نشرها. ننصحك بمراجعة إرشادات الاستخدام للتعرف إليها جيداً. وللعلم فان جميع مشاركاتك يمكن استخدامها، مع اسمك وصورتك، استنادا إلى سياسة الخصوصية بما يتوافق مع شروط استخدام الموقع.
الآراء الواردة أدناه لا تعبر عن رأي موقع CNN بالعربية، بل تعكس وجهات نظر أصحابها فقط.