دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- الزميل جون دفتريوس، معد ومقدم برنامج "أسواق الشرق الأوسط CNN" يقوم بتسجيل انطباعاته ومشاهداته أسبوعياً، ويطرح من خلالها، وبلغة مبسطة، رؤيته لاقتصاد المنطقة، انطلاقاً من خبرته الطويلة في عالم الصحافة الاقتصادية.
أشعر أحياناً بأنني مجرد حالم ورومانسي عندما أتحدث عن طريق الحرير، لأن تلك الطريق التي كانت تربط أقصى الشرق بأوروبا في الألفية الماضية تعيد إلى ذاكرتي الأحلام حول أسفار الرحالة ماركو بولو، الذي كان يسعى للوصول إلى مصادر الحرير الصيني، متجاوزاً وعورة الجبال الكازخستانية التي تنخفض فيها الحرارة إلى 40 درجة تحت الصفر.
فخلال هذا الأسبوع، قادتني رحلاتي إلى العاصمة الكازاخية، أستانة، لحضور المؤتمر الاقتصادي السنوي الذي يحمل اسم "طريق الحرير،" بحضور ثلاثة من حملة جائزة نوبل بالاقتصاد، وأكثر من ثلاثة آلاف مدعو من 68 دولة.
وفي الواقع فإن كازاخستان دولة جديرة بالاهتمام، فهي تمتد على مساحات شاسعة تعادل حجم أوروبا الغربية بكاملها، وتتشارك مع الصين بحدود طولها أكثر من ألفي كيلومتر، أما حدودها مع روسيا فيصل طولها إلى سبعة آلاف كيلومتر، وهي قريبة من أماكن التوتر العرقي الأخير في قرغيزيا وأوزبكستان.
وفي الواقع، فإن هناك أسباب وجيهة تدفع رجال الأعمال إلى القيام بهذه الرحلة الشاقة نحو هذا الركن شبه الفارغ من السكان الذي يحمل اسم كازاخستان، أبرزها أن البلد هو عبارة عن مخزن هائل من الثروات الطبيعية.
فكازاخستان تنتج يومياً 1.5 مليون برميل من النفط يومياً، وهذه الكمية ستتضاعف إلى ثلاثة ملايين برميل يومياً خلال عقد من الزمن، كما توفر مناجمها كميات هائلة من المعادن النفيسة، أبرزها الذهب والنحاس والحديد والفحم، دون أن ننسى بأن كازاخستان تجاوزت كندا هذا العام كأكبر مصدّر عالمي لليورانيوم.
وبالتالي، يمكن القول إن هذا البلد عنصر أساسي في أمن الطاقة العالمي، فرئيس الوزراء الصيني، ون جياو باو، زارها خمس مرات، وهو يسعى حالياً لإقناعها بزيادة كميات النفط التي تنقلها إلى الصين عبر أنبوب يمر شرقي البلاد، في حين تريد أستانة أن يكون لديها علاقات متينة مع الغرب وروسيا والصين، رغم علاقتها التاريخية بموسكو.
وعلى الصعيد المالي، فقد سبق للبلاد - رغم ثرواتها الكبيرة - أن تورطت في عمليات استدانة واسعة من المصارف الغربية، ولكن يبدو أنها لا تعتزم تكرار تجربة الانكشاف أمام البنوك مجدداً، خاصة وأن آثار الأزمة المالية العالمية ظهرت واضحة فيها، مع توقف مشاريع بناء وشطب 70 في المائة من ديون المصارف، ضمن خطة لإعادة هيكلة البنوك.
وبعد سلسلة من خطط التحفيز الاقتصادي التي تدخل فيها الصندوق السيادي المحلي "سمروك خزينة" تمكنت كازاخستان من تجاوز الأزمة، ولم ينكمش الاقتصاد فيها، بل سجل نمواً بسيطاً عام 2009، بمعدل 1.3 في المائة، أما في الأشهر الأولى من 2010، فإن النمو يتجاوز ثمانية في المائة.
وخلال إدارة إحدى الندوات في المؤتمر الذي كنت أحضره، بدأت بشكل عفوي في المقارنة بين الأوضاع الاقتصادية هنا، والأوضاع التي نعيشها في أوروبا، ففي الأسواق الغربية تلامس البطالة حالياً مستوى عشرة في المائة، أما الوظائف الجديدة فهي تكاد تكون معدومة.
ويبدو أن الطبقة السياسية في كازاخستان تحاول أن تتصرف على المستوى الاقتصادي كما فعلت على الصعيد السياسي، إذ أنها تحاول جذب المستثمرين من كل أنحاء العالم، ونرى في البلاد نشاطات واسعة لشركات روسية وصينية وكندية، دون نسيان الحضور البارز للاعبين الشرق أوسطيين، وعلى رأسهم أبوظبي.
فالإمارة الواقعة في دولة الإمارات العربية المتحدة لديها صندوق استثماري في كازاخستان بقيمة نصف مليار دولار، بينما تسعى البحرين إلى دخول السوق عن طريق البحث عن فرص بالمصرفية الإسلامية، وتسعى دول خليجية أخرى إلى استثمار الإمكانيات الزراعية الكازاخية لتوفير الغذاء لسكانها.
أما الفريق المحيط بالرئيس الكازاخي، نور سلطان نزارباييف، فهو مشكل من 40 شخصاً يتقنون اللغات الأجنبية بشكل كامل، وتتركز نشاطاتهم في وضع خطة التنويع الاقتصادي.
ويريد الرئيس وفريقه تطوير قدرات البلاد من خلال زيادة حجم الطبقة الوسطى في كازاخستان، لإدخال البلاد بشكل حقيقي في النظام الاقتصادي العالمي، وهم يدركون بان الطريق للقيام بذلك لن تكون سهلة، خاصة بعد الإخفاقات التي سُجلت في مجالات التكنولوجيا والطاقة والنسيج وسواها من القطاعات.
ولكن هذه العراقيل لن تقف في طريق البلاد التي تدير صناديقها الاستثمارية السيادية ثروات تقدّر بخمسين مليار دولار، وقد نجحت في السنوات العشر الأخيرة برفع مستوى الدخل الفردي نسبة إلى الدخل القومي عشرة أضعاف.
وعلى الصعيد السياسي، ترغب مؤسسات حقوق الإنسان في رؤية بعض التقدم على صعيد حرية الصحافة وانفتاح المجتمع، وهي أمور قد تصب في نهاية المطاف بصالح الحكومة لأنها ستزيد جاذبية كازاخستان للمستثمرين الأجانب.
وفي الوقت الذي يستمر فيه الجدل حول أولية الحريات أو التنمية الاقتصادية، يواصل قادة كازاخستان السعي لجعل بلادهم ذات الموقع الاستراتيجي واحة مستقرة للاستثمار الاقتصادي في منطقة مضطربة، مستفيدين من توفر الثروات الطبيعية الهائلة التي يرغب الجميع بالحصول على حصة منها في طريق الحرير الجديد.
ترحب شبكة CNN بالنقاش الحيوي والمفيد، وكي لا نضطر في موقع CNN بالعربية إلى مراجعة التعليقات قبل نشرها. ننصحك بمراجعة إرشادات الاستخدام للتعرف إليها جيداً. وللعلم فان جميع مشاركاتك يمكن استخدامها، مع اسمك وصورتك، استنادا إلى سياسة الخصوصية بما يتوافق مع شروط استخدام الموقع.
الآراء الواردة أدناه لا تعبر عن رأي موقع CNN بالعربية، بل تعكس وجهات نظر أصحابها فقط.