رومان بولانسكي
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- في دوامة المتاعب القضائية التي تلاحقه على خلفية تهمة ممارسة الجنس مع قاصر في الولايات المتحدة، يعود المخرج رومان بولانسكي إلى الشاشة الكبيرة بفيلم "الكاتب الشبح" ليؤكد أن الانحرافات الشخصية لا علاقة لها بالموهبة الإبداعية.
ورغم أن مخرج "عازف البيانو" وقع أعمالا سينمائية بصمت تاريخ السينما العالمية، فإن بعض النقاد يعتبر هذا الفيلم واحدا من أبرز الإبداعات التي كشفت فنية بولانسكي وراء الكاميرا وذكاءه الحاد في إعطاء الشخوص حياة أقرب إلى الحقيقة الملموسة.
تدور قصة الفيلم حول الكاتب لونيغر يجسده الممثل إيوان مكغريغور، المعروف بنجاحاته في مجال تأليف كتب السيرة الذاتية للشخصيات العمومية، يتعاقد مع دار نشر كبيرة لاستكمال مذكرات رئيس الوزراء البريطاني السابق آدم لانغ "بييرس بروسنان،" وينخرط الكاتب في مهمة تبدو عادية لولا أن تقدم الأحداث يكشف أن زميله الذي كان قد بدأ العمل لم يفارق الحياة عرضا.
ففي البيت الفاخر لرئيس الحكومة السابق على جزيرة نائية، تصبح المهمة أكثر تعقيدا مع انفجار قضية سياسية قانونية تتعلق باتهامات لرئيس الوزراء آدم لانغ بالسماح لأجهزة الاستخبارات الأمريكية بممارسة أصناف الاختطاف والتعذيب في حق مواطنين بريطانيين ضمن ما يسمى بالحرب على الإرهاب.
ويبدو أنه عمل من إفرازات مرحلة ما بعد 11 سبتمبر، يسلط الضوء على ضرب مبادئ حقوق الإنسان بدافع حدث ظرفي وأيضا على التبعية السياسية لبريطانيا تجاه الولايات المتحدة. وقد مضى كثير من النقاد إلى الحديث عن مماثلة ماكرة يقيمها رومان بولانسكي بين الضغوط التي تمارسها عادة واشنطن على لندن وبين الضغوط التي مارسها القضاء الأمريكي على بعض الدول الأوروبية لتسليم بولانسكي المطلوب أمريكيا.
فيلم "الكاتب الشبح" نموذج للفيلم السياسي الذي لا يتوسل بالطابع المثير للموضوع من أجل كسب ود الجمهور بل يتفنن في صنع الحبكة والترابط المنطقي بين الأحداث وسد فجوات العالم الافتراضي من أجل مصداقية أقوى.
وعلى هذا المستوى، أبان رومان بولانسكي عن شجاعة في اختيار الطاقم التمثيلي، من قبيل إسناد دور الوزير الأول البريطاني إلى نجم أفلام جيمس بوند بييرس بروسنان.
والفيلم مقتبس من رواية بعنوان "رجل الظل" للكاتب روبيرت هاريس، ومما طبع العمل بروح من الانسجام والدقة، اشتراك الكاتب مع رومان بولانسكي في تحويل الرواية إلى الشاشة الكبرى، علما أن هاريس ليس كاتبا في برج عاجي، بل كان صحافيا سياسيا مؤثرا وقريبا من رئيس الوزراء البريطاني توني بلير إلى غاية بداية عهده على رأس الحكومة.
وجاءت نتيجة ذلك التعاون بخلق سيناريو قمة في السلاسة والانسياب، حوارات تمزج بين الاقتضاب والنفاذ، وشخوص تتحرك في مسرح الحياة بانتقالات شبيهة برقعة الشطرنج، فولانسكي لا يقبل تقديم تنازلات إبداعية واستسهال الاعتماد على المؤثرات الصوتية، البصرية أو غيرها من إكسسوارات سينما الإثارة، إنه يعطي الأولوية للإطار كحاضن للحركة.
عشاق التشويق الفني الكلاسيكي في السينما قد يجدون في "الكاتب الشبح" لمسات من عالم ألفريد هيتشكوك، والبعض قد يفكر في عمل أكثر معاصرة، صنعه جنون المخضرم مارتن سكورسيزي في رائعته "شاتر آيلاند."