خلال تغطيته الانتخابات المصرية هذا الأسبوع، يشاركنا الزميل بن ويديمان بمشاهداته التي سجلها من خلال زيارته لعدد من مراكز الاقتراع في القاهرة، إضافة إلى إجرائه بعض المقابلات مع مراقبين ومواطنين لرصد آرائهم في تلك الانتخابات.

القاهرة، مصر (CNN) -- كان علينا التحلي بالصبر لتصوير الناخبين المشاركين في انتخابات مجلس الشعب المصري بمدرسة يحيى مشهد للغات في منطقة شبرا الخيمة، شمال العاصمة المصرية القاهرة.

فالوقت الذي يفصل بين دخول الناخب الأول والثاني هو عشر دقائق تقريبا، إذ يختفي خلف ستار أسود اللون لملء بطاقته الانتخابية، ومن ثم يضعها في صندوق خشبي قديم، ويوقع في الملف الانتخابي ويسجل اسمه، وأخيرا يغمس إصبعه في الحبر وردي اللون، ليدخل ناخب آخر، ويعيد العملية ذاتها.

وفي الخارج، يشتكي عدد كبير من مؤيدي حركة الإخوان المسلمين، أكبر تجمع معارض في مصر، أن مراقبيهم لم يسمح لهم بمراقبة سير العملية الانتخابية.

وقال لي مصطفى، أحد مؤيدي الإخوان: "ليست لدينا أي فكرة عما إذا كانت هذه الانتخابات تسير بشكل نزيه أم لا."

وقد امتلأت الصحف المصرية صباح الاثنين بأخبار العنف الذي هز البلاد، إضافة إلى عمليات تزوير الأصوات.

ووفقا للجنة العليا للانتخابات، لم تتعد نسبة المشاركة في الانتخابات عن 25 في المائة، ويقول مراقبون مستقلون إن النسبة لم تكن نصف هذا الرقم حتى.

وتشير النتائج المبدئية إلى فوز ساحق للحزب الوطني الحاكم، وعدم فوز أي من مرشحي الإخوان المسلمين. ويتوقع أن تجري جولة الإعادة في 5 ديسمبر/كانون الأول المقبل.

هذه الانتخابات شهدت تغيرات دراماتيكية على تلك التي حصلت في عام 2005، حينما فاجأت حركة الإخوان المسلمين المشهد السياسي المصري بالفوز بـ88 مقعدا، أي ما يشكل 20 في المائة من مجلس الشعب.

غير أن هذا الأمر حصل في الماضي، ففي عام 2005، أي في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، شهد العالم العربي مطالبات عدة بتغييرات إصلاحية لكل جوانب الحياة، وكانت حينها مصر إحدى الدول التي اتبعت المطالب الأمريكية في هذا الشأن.

ومن هذا المنطلق، سمحت حكومة مبارك للإخوان المسلمين بالفوز بهذه الانتخابات، لتأتي حركة حماس، وبعد عدة شهور، أي في مطلع عام 2006، وتحقق نجاحا آخر للإسلاميين، حين تغلبها على حركة فتح في الانتخابات التي جرت في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وفجأة، انقلب الاهتمام الأمريكي بالديمقراطية في العالم العربي إلى برود قاتل، وتحول إلى محاولات لإقناع العالم بضرورة نشر الاستقرار في هذه المنطقة.

وقد ترك هذا الأمر لدى المصريين المتفائلين بالتغيير كثيرا من المرارة وخيبة الأمل.

تقول غادة شهبندر، الناشطة الديمقراطية: "لاحظنا أن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، الذي لم يحظ بشعبية كبيرة بين المصريين، فرض ضغوطا كبيرة على الحكومة لاتخاذ خطوات جدية للوصول إلى الديمقراطية، بينما نلاحظ اليوم أن الرئيس أوباما، الذي هلل المصريون له كثيرا، لم يظهر اهتماما كبيرا بالشأن الداخلي المصري كسلفه."

ولكن يبدو أن الحزب الوطني الحاكم يأمل اليوم بإعادة الوضع في مصر إلى ما كان عليه في السابق.

ولكن هناك مشكلة واحدة، فالتجربة التي مر بها المصريون خلال السنوات الخمس الأخيرة، والتغيرات التي حصلت في المجتمع المصري، قد تجعل من هذه العودة مستحيلة.

فخلال هذه الانتخابات، لعبت المنابر الإلكترونية دورا كبيرا في حياة المصريين، العلمانيين، والمتدينين، والوطنيين، وغيرهم، وذلك عبر نشر الرسائل والتعليقات على مواقع مثل تويتر وفيسبوك، تشير إلى عمليات عنف وإذلال في عدد من مراكز الاقتراع.

وكانت منظمة مراسلون بلا حدود قد صنفت مصر ضمن الدول "الأكثر عداء لشبكة الإنترنت"، وذلك لحبس عدد من المدونين، غير أن ذلك لم يمنع آخرين من مواصلة المشوار.

غير أن من الخطأ الاعتقاد بأن فيسبوك وتويتر قادران على قلب النظام المصري، غير أن أيا منا لا يستطيع إنكار التأثير التدريجي لحالة الغضب التي تعم هذه المنابر.

وخارج إحدى المدارس، التي استخدمت كمركز للاقتراع في شبرا الخيمة، وجدت نفسي في منتصف جدال ساخن بين مجموعة من مؤيدي أحد المرشحين المستقلين، وعدد من مؤيدي الحزب الوطني الحاكم.

يقول عماد، طالب جامعي: "لماذا علي القبول بمرشحين رغما عني؟ أريد أن أتمكن يوما من اختيار المرشح المناسب لي."

ومن حولي، تطايرت عدة اتهامات بشراء أصوات، وتزييف صناديق الاقتراع، بينما تعالت الأصوات، إذ أن الجميع كان يريد إثبات وجهة نظره.

في الماضي، كنت أعتقد أن المصريين لا يحبذون نشر فضائح السياسات المصرية أمام الصحفيين الأجانب، ولكن هذه المرة، تناسى هؤلاء الأشخاص وجودي بينهم.

يبدو أن النظام المصري يمر حاليا بفترة أفول، فالرئيس مبارك حكم البلاد منذ أكتوبر/تشرين الأول 1981 من دون أي منافس، واليوم يبلغ الرجل من العمر 82 عاما، وفي بداية هذا العام، قام بإجراء عملية جراحية خطيرة. وبرغم شعره الأسود، بدت علامات الكبر ظاهرة بشكل واضح على وجهه، وبدأ المصريون بالتفكير مليا في مرحلة ما بعد الرئيس حسني مبارك.

في عام 2005، أجريت لقاء صحفيا مع جورج إسحاق، قائد حركة كفاية، والتي نادت بإنهاء حقبة سلالة مبارك في مصر.

ويومها، قال إسحاق: "الباب مفتوح، ولا يمكن لأحد إغلاقه مره أخرى، وسنتمكن يوما ما من تخطي هذا الباب لنصبح بلدا ديمقراطيا، وسنعمل جاهدين لنحقق ذلك."

ولأجل ذلك، لا تجعلوا نتائج الأحد تخدعكم، فالباب لم يغلق من جديد.