عبدالناصر والسادات ومبارك
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- ثمة أسئلة ماتزال تؤرق المواطن العربي فيما يخص الحكم والديمقراطية، وها هو مواطن أجنبي يطرحها بالنيابة عنه.. ولكن هذه الأسئلة، وإن وجدت الإجابات المناسبة، إلا أنها تظل كتابات على أمل.. وبانتظار.
منذ سنوات قليلة، بدأ العالم يلج أبواب القرن الحادي والعشرين، ولكن العالم العربي يبدو عالقاً في الزمن الماضي.. لماذا؟ ولماذا مازالت الشعوب العربية تخضع لحكم ملوك أو أنظمة دكتاتورية عسكرية؟ وعلى وجه التحديد، لماذا مازالت أكبر دولة عربية من حيث السكان، أي مصر، يحكمها رجل واحد منذ قرابة ثلاثة عقود؟
وصل الرئيس المصري حسني مبارك، وهو جنرال سابق في سلاح الجو، إلى السلطة في أعقاب اغتيال أنور السادات في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1981، ومنذ ذلك الحين وهو يحكم مصر في ظل قانون حالة الطوارئ.
قبل أيام مدد نظام مبارك العمل بقانون الطوارئ الصارم، الذي يسمح للشرطة والأجهزة الأمنية باحتجاز الأفراد لأجل غير مسمى، ويحظر التجمعات غير المرخصة، ويفرض قيوداً صارمة على حرية التعبير، لعامين آخرين.
ولكن هل تأبه الولايات المتحدة بهذا الأمر؟
يعتقد الصحفي الأمريكي كاي بيرد، أنه ينبغي عليها أن تهتم لهذا الأمر، فنظام مبارك "قائم في جزء منه نتيجة لضرائب الأمريكيين التي تحمي هذه الدكتاتورية وتدعمها بعدة مليارات من الدولارات سنوياً."
ويضيف بيرد: "كذلك، نحن ندعم النظام الملكي السعودي.. ورغم أن الرئيس باراك أوباما والرؤساء الأمريكيين السابقين كثيراً ما صرحوا علناً بالحاجة إلى نشر الديمقراطية والعمل بها، فإن الانتخابات في مصر كانت أبعد ما تكون عن الديمقراطية، ولكن، لماذا لم يتغيّر أي شيء؟"
عاش الصحفي بيرد طفولته كلها تقريباً في منطقة الشرق الأوسط، ويقول إنه قلق بشأن هذه المسألة في المنطقة كما لو كانت تهم وطنه رغم أنها كذلك.
ويرى بيرد أن الحداثة، إن لم تتعرض لهزيمة قاسية، فإنها ركنت على رف قصي في معظم أنحاء العالم العربي.
وفي العام 2010، مازال "الفرعون البالغ من العمر 82 عاماً، والذي بات مهترئاً،" كما يصفه بيرد، يحكم مصر.. كما أن الأنظمة الملكية مازالت تحكم في الأردن والسعودية والمغرب ودول أخرى، فيما أصبحت الأنظمة الجمهورية أقرب إلى الأنظمة الملكية وذلك بالتوريث، كما حدث في سوريا، ويعتقد أنه سيحدث في مصر وليبيا واليمن.
وفي ظل الفراغ السياسي، يبدو أن الإسلاميين يكسبون قلوب وعقول المواطنين.
وبالنسبة لبيرد، فإن مصر ستينيات القرن العشرين، كانت أكثر ديمقراطية وعلمانية مما هي عليه اليوم.
يقول بيرد إن والده كان موظفاً في وزارة الخارجية الأمريكية، وكان يعمل في القاهرة في الفترة بين عامي 1965 و1967، وفي تلك الفترة كان الضابط جمال عبدالناصر، يحكم مصر.
ورغم اعتباره ديكتاتوراً من قبل بعض الناس والأنظمة، إلا أن عبدالناصر كان قد انتخب رئيساً عام 1956، وكان سياسياً يحظى بالشعبية في جميع أنحاء مصر.
أما أنور السادات، فهو لم يكن أبداً يحظى بشعبية عبدالناصر، فتوجه للإسلاميين في أعقاب وفاة عبدالناصر، باعتبار أنهم لا يشكلون خطراً، فانتهي به الأمر مقتولاً بأيديهم.. فلا السادات ولا مبارك كان يمكن أن يصلا إلى الحكم لو أجريت انتخابات ديمقراطية حقاً.
ومع أن عبدالناصر أصبح أوتوقراطياً، إلا أنه على الأقل قدم للعرب رؤية علمانية.. وحتى اليوم، مازال رمزاً لحقبة مفقودة عندما كان الأمل يحدو العرب، من كافة الطبقات والقبائل، للوصول إلى دولة عربية حديثة وعلمانية وتقدمية.
كان عبدالناصر، خطيباً مفوهاً ويتمتع بالذكاء، وعرف زملاؤه عنه أنه غير قابل للفساد، فلم تكن لديه هفوات شخصية باستثناء أنه كان يدخن ثلاث علب سجائر يومياً.. وكان يعشق الأفلام الأمريكية.
يقول عنه صديقه الصحفي، محمد حسنين هيكل إنه كان يحب مشاهدة حكاية فرانك كابرا حول عيد الميلاد "إنها حياة رائعة"، وكان مارك توين الكاتب الأمريكي المفضل بالنسبة له، حيث كان يقضى ساعة أو ساعتين كل مساء في قراءة المجلات الأمريكية والفرنسية والعربية.
عودة إلى عقد الستينيات من القرن العشرين، فإن معظم الشباب العربي كان يتوق إلى الحداثة العلمانية.. فهم أرادوا أن يصبحوا مهندسين أو أطباء أو محامين.. وكانوا ينشدون الثقافة الأمريكية مثل جمال عبدالناصر.
يقول الصحفي الأمريكي بيرد إنه عاش في المعادي، أحد أحياء القاهرة الراقية، وتبين له لاحقاً أن الشاب أيمن الظواهري، الذي أصبح طبيباً والرجل الثاني في تنظيم القاعدة، كان يعيش في الحي نفسه والتحق بالمدرسة الثانوية، وأنهما بنفس العمر تقريباً، وأنه كان يشاهد أفلام هوليوود على شاشة في الهواء الطلق في نادي المعادي الرياضي.
ويعتقد بيرد أن الظواهري كان يتطلع للعمل في مجال الصحة العامة، وهي ذات طموحات معظم الشبان العرب في عصر عبدالناصر.
ورغم أنه كان مسلماً عادياً، فإن الظواهري لم يبد أي تطرف حتى بعد إعدام زعيم جماعة الإخوان المسلمين، سيد قطب، في العام 1966.
ويؤكد بيرد أن الظواهري وشبان آخرين بدؤوا طريقهم إلى "الجهاد الإرهابي" بعد حرب يونيو/حزيران 1967.
وصف صادق العظم، الفيلسوف السوري الذي تلقى تعليمه في جامعة ييل، هزيمة عبد الناصر في حرب حزيران باعتباره "صاعقة" و"صدمة " للروح العربية. فإذلال عبدالناصر عكس هزيمة لفكرة العلمانية في مسار الحداثة العربية، المتمثلة برؤية عبدالناصر حول إمكانية توحيد الشعوب الناطقة بالعربية تحت راية القومية العربية التقدمية، وبالتالي فقدت مصداقيتها بعد الهزيمة.
وبمرور الوقت، بدأ الإسلام السياسي يملأ الفراغ السياسي القائم.. فقد كتب الظواهري نفسه في مذكراته عام 2001 أن "النكسة.. أثرت في إيقاظ الحركة الجهادية."
ويختبئ الظواهري حالياً في كهف في أفغانستان، أو يهرب من هجمات صاروخية بطائرات بدون طيار في باكستان، وهو سيموت يوماً ما إلى جانب أسامة بن لادن.
ويعتقد صادق العظم أن الجهاديين خسروا بالفعل، فهو يقول: "قد تكون هناك معارك في العقود المقبلة، وسيسقط فيها العديد من الضحايا الأبرياء، ولكن من غير المرجح أن يزيد عدد من أنصار الحركة المتشددة، بل ومن المحتمل ينخفض تأييدها ودعمها في العالم العربي والإسلامي.. وتشكل هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 مؤشراً على أنها تعيش في الرمق الأخير، بدلاً من كونها بداية للتحديات العالمية."
لكن إذا كان العظم محقاً، فيجب على الجيل الجديد من الشبان العرب أن يجدوا الأمل في حياتهم في مكان آخر. وطالما أن "الملوك والفراعنة المهترئين على عروشهم يخنقون حقوق هذه الشعوب ويمنعونهم من الحصول على انتخابات ديمقراطية ويحرمونهم من حرية التعبير،" فإن "الجهاد" سيظل يوفر البديل اليائس.