تونس (CNN) -- أثار مشروع قانون "توزيع السلطات العمومية" في المرحلة الانتقالية بتونس الذي أعدته "الترويكا" السياسية، المؤلفة من أحزاب النهضة والمؤتمر والتكتل، داخل المجلس التأسيسي جدلا بين التونسيين.
ويمنح المشروع الجديد الذي نشرته صحيفة "الصباح" التونسية مؤخرا صلاحيات مطلقة لرئيس الحكومة حمادي الجبالي الذي ينتمي لحركة النهضة الإسلامية، فيما يحد من سلطات رئيس الجمهورية.
ووفقا للفصل التاسع من المشروع فان رئيس الجمهورية سيتخلى عن بعض مهامه لصالح رئيس الحكومة الذي يتمتع بصلاحيات كبيرة منها رئاسة مجلس الوزراء وإحداث وتعديل وحذف الوزارات وكتابات الدولة وتعيين محافظ البنك المركزي وغيرها وفقا للفصل 17 من المشروع.
غير أن عضو لجنة التنظيم المؤقت للسلطة العمومية محمد كريم كريفة أكد لوكالة "تونس إفريقيا" الرسمية أن حركة النهضة خسرت تصويتا على فصلين رئيسيين في مشروع القانون الجديد.
وترغب "النهضة" بإعطاء اكبر قدر من الصلاحيات لرئاسة الحكومة التي رشحت لها أمينها العام حمادي الجبالي، إضافة إلى المصادقة على الدستور بأغلبية الخمسين زائد واحد، وهو ما يرفضه أغلبية الأعضاء في اللجنة باعتبار أن الدستور يجب أن يحظى بالإجماع.
ويرى محمد (موظف) أن المشروع الجديد لا يؤسّس لأيّ نظام ديمقراطيّ، مشيرا إلى أن حركة النهضة "تستغل فوزها بالأغلبية لفرض ديكتاتورية بن علي على بقية الأحزاب، وهذا يكشف الوجه غير الديمقراطي للنهضة ولا يبشر بمستقبل جيد".
فيما ترى منى (معلمة) أن المشروع ينصف حركة النهضة "المنتصرة"، و"بما أن أغلب الشعب منحها ثقته فهذا يخولها للحصول على صلاحيات كبيرة، وخاصة أن البلاد تتجه نحو نظام برلماني يستدعي أساسا تخفيض سلطات رئيس الجمهورية".
ودعا المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين إلى ضرورة أن يكون القانون المنظم للسلطات العمومية "شاملا للسلطة القضائية بمكوناتها الثلاث من قضاء عدلي ومالي وإداري دون تجزئة ولا استثناء ولا اختصار السلطة القضائية في القضاء العدلي".
وأكد في بيان صدر الأربعاء انه "لا مبرر لاستبعاد كل من دائرة المحاسبات والمحكمة الإدارية من أي إجراءات إصلاح" كما جاء في الفصل الرابع من المشروع المذكور."
ويرى الباحث التونسي العربي بن ثائر أن مشروع القانون الجديد "يعكس سيطرة فعلية للنهضة على ثلاثي الحكم ، فكأننا عدنا إلى المعارضة الشكلية زمن بورقيبة وبن علي، وهذا خطير من طرف التكتل الذي يمثل يمين اليسار والمؤتمر الذي يمثل يسار اليمين، فكأن الجميع يذهب في اتجاه اليمين".
ويؤكد لـCNN بالعربية أنه بموجب المشروع الجديد يصبح منصب رئيس الجمهورية "شرفيا"، وبالتالي يقود رئيس الحكومة السياسة العامة للدولة، ويصبح الشخصية المحورية في النظام، مشيرا إلى أن الحكومة التي تقودها النهضة "ستمارس الدكتاتورية المفروضة بالدستور".
غير أن منصف المرزوقي (المرشح لرئاسة تونس) أكد في بيان الأربعاء أنه لن يقبل بـ"رئاسة صورية، وإنما لرئاسة ذات صلاحيات حقيقية في إطار نظام مجلسي يعطي للرئاسات الثلاثة دورها ومكانتها في تسيير المرحلة الصعبة التي تنتظرنا جميعا".
وأكد البيان، الذي تلقت CNNبالعربية نسخة منه، أن المشروع المعتمد لتنظيم السلطات "لم يعكس تصوراتنا، خاصة أنه أفرغ مؤسسة رئاسة الدولة من كل صلاحية حقيقية"، وأشار إلى وجود مرجعة حالية للموضوع "للوصول لصيغة مرضية لكل الأطراف وتشكيل حكومة ائتلاف وطني موسعة".
وتظاهر مئات من التونسيين الأربعاء أمام مقر المجلس التأسيسي، رافضين هيمنة حركة النهضة الإسلامية على المجلس، وطالبوا بـ"إرساء مسار ديمقراطي داخل المجلس".
وقال عمر (26 عاما) "هذا المجلس لا يمثل التونسيين، لم ننتخب مجلسا تأسيسيا لتسيطر عليه النهضة وتعيد عصر التسلط والهيمنة المطلقة لشخص على الدولة والشعب".
وأضاف "الشعب لم يعطِ الأغلبية للنهضة لتكرس ديكتاتورية الرأي الواحد وتعيدنا إلى زمن الخلافة (في إشارة إلى تصريح حمادي الجبالي حول الخلافة السادسة)".
وكان حمادي الجبالي المرشح لمنصب رئيس أكد في تصريحات صحفية أن "الأغلبية ليست مطالبة بإرضاء الأقلية من خلال التجاوز والتخلي عن بعض المواقف".
لكنه استدرك بقوله "الحرية مكفولة لكل الأطراف في رحاب هذا المجلس (التأسيسي)"، مشيرا إلى أنه "يجب القبول بقوانين اللعبة الديمقراطية (...) ولا مجال للحديث عن تمرير مشاريع او عن تسلط أغلبية".
ويقول بن ثائر إن تصريحات الجبالي "تعكس عقلية الشورى لا الديمقراطية"، ويضيف "المعلن لدى النهضة هو الحكم المدني أو الدولة المدنية، ولكن من شبه المؤكد أن الخلافة و آليتها الشورى هي المحرك الباطني لفكرها والهدف الاستراتيجي عندها".
ويتهم البعض حركة النهضة بالسعي إلى إيجاد دولة إسلامية في تونس، معتمدين على تصريحات أطلقها إحدى قادتها حول ضرورة وجود دستور إسلامي، الأمر الذي تنفيه النهضة مؤكدة التزامها بمبادئ الدولة المدنية التي تحكم البلاد منذ نصف قرن.