دمشق، سوريا (CNN) -- بعد الجوائز التي حاز عليها عن دوره في مسلسل "ذاكرة الجسد"، قال النجم السوري جمال سليمان، إنه لم يتوقع النجاح الجماهيري الذي حققه المسلسل، وعبّر بطل "قصة حب" في مقابلة مع CNN بالعربية عن إعجابه بالنقلة النوعية التي حققتها الدراما المصرية عبر العديد من الأعمال التي قُدمت خلال الموسم 2010، كما تحدّث عن خياراته للموسم الرمضاني المقبل 2011، وكشف لأولّ مرة عن ملفات "مغلقة".
وتالياً نص المقابلة:
-هل شعرت بالقلق أثناء تجسيدك لشخصية خالد بن طوبال في ذاكرة الجسد، بما له من ملامح خاصة تخيلها الآلاف من قراء الرواية الأصلية، كلٌ على طريقته؟
كنت قلقاً في البداية إزاء ردة فعل الناس على العمل ككل، ومدى تقبلهم له، إلا أنني حسمت الأمر بيني وبين نفسي، ومن خلال النقاش مع المخرج نجدة أنزور، حينما اتفقنا على عدم رفع سقف التوقعات حول نجاح هذا المسلسل باعتباره موجهاً لشريحة محددة من الجمهور يمكن أن نصفها بالنخبوية. كما شعرت بالقلق حول مظهر الشخصيات، وكيف يمكن أن يتقبلهم المشاهد وهم يرتدون الملابس المعاصرة، ويركبون السيارات الحديثة، ويتكلمون باللغة العربية الفصحى، دون أن يكون هناك نوع من الفصام بين شكل الشخصية ولغتها، إلا أننا تجاوزنا هذا القلق على مستوى الأداء عبر محاولاتنا تقريب اللغة من سمع المشاهد قدر الإمكان. وفيما يتعلق باللغة تحديداً؛ السيناريو الذي كتبته ريم حنّا كان مخلصاً للرواية الأصلية لجهة الحفاظ على بنيتها السردية ولغتها التي تتسم بالبساطة والشاعرية، مما رتب أعباءً كبيرةً جداً على صنًاع المسلسل، بما فيهم الممثلين، إلا أن "ذاكرة الجسد" حقق في النهاية نتائج فاقت توقعاتنا على المستوى الجماهيري، رغم أنّه شكًل تحدياً كبيراً لكل الأشخاص الذين عملوا فيه.
- لكن الكاتبة أحلام مستغانمي عبرّت في أكثر من تصريح عن عدم رضاها عن المسلسل، رغم النجاح الذي حققه والجوائز التي حصدها على المستوى العربي؟ هذه عادة الروائيين.. فغالباً لا يشعرون بالرضا عن الأفلام أو المسلسلات المأخوذة عن رواياتهم، وهذا يحدث حتى في هوليود مع أفلام تكلفتّ ملايين الدولارات. ولكن يمكنني التأكيد أن كاتبة السيناريو كانت بمنتهى الإخلاص للرواية، إلا أنهّا وجدت نفسها مضطرة لإضافة مجموعة من الخطوط التي تستطيع معها تحويل رواية إلى مسلسل تلفزيوني من ثلاثين حلقة، في حين أن أحداث الرواية الأصلية لا تكفي إلا لسبع حلقات، أو خمسة عشر حلقة في أحسن الأحوال، وهنا أخذت ريم حنّا ما حدث في المنطقة بعين الاعتبار لتطوير خطوط جديدة في المسلسل استناداً إلى النص الأصلي. وأعتقد أن هذا لم ينتقص من قدر الرواية التي تعتبر من أكثر الروايات قراءة في العالم العربي، ومن أجملها بدون شك، ولازالت كذلك، لكن للمسلسل التلفزيوني شروطه في النهاية، ويجب النظر للأمور بمنظارها الحقيقي.
- جسدت خلال الموسم الماضي شخصية ياسين في المسلسل المصري "قصة حب"، وحزت عنها أيضاً جائزة أفضل تمثيل في مهرجان القاهرة للإعلام العربي. هل تتفق مع الرأي الذي يعتبر هذه التجربة أنضج تجاربكم في الدراما المصرية إلى الآن؟ قد يكون هذا الرأي صحيحاً.. ولكن عادة ما تتباين الآراء إزاء ما نقدّمه من أعمال. فمسلسل "حدائق الشيطان" أول تجاربي في الدراما المصرية، مازال يعرض حتى الآن، ويحظى بجماهيرية واسعة. في حين يمكن أن يكون مسلسل "قصة حب" الأفضل بالنسبة للشريحة الأكثر ثقافةً واهتماماً بالموضوعات التي تطرحها الأعمال الدرامية، خاصّةً أنه يطرح قضية راهنة، فـ "ياسين الحمزاوي" بطل العمل؛ يرمز لابن الطبقة الوسطى التي ضُغط عليها إلى أن لفظت أنفاسها الأخيرة، وهو شخص مخلص لذاته وعائلته وقيمه، ولديه قناعة راسخة بأن المستقبل مرتبط بالعطاء، ويمثّل جيل الأساتذة الأفاضل الذين درّسونا في المدارس والجامعات، بما يتمتعون به من إخلاص لأوطانهم ومجتمعاتهم، إلا أنهم تعرضوا للتهميش رغم أنهم أكثر فئات المجتمع فاعليةّ. والمسلسل حاول أن يعيد الاعتبار لهذا النوع من الشخصيات التي قدمتها العديد من المسلسلات العربية على أنها مجال للسخرية، لكنّها في الحقيقة مثال يجب أن يحتذى به.
- الكثير من النقّاد يرون أن الدراما المصرية حققت قفزةً إلى الأمام خلال الموسم الماضي 2010، فما هي مقومات هذا التقدم برأيك باعتبارك مطّلعاً على هذه التجربة من الداخل؟ يمكننا القول إن روح المنافسة التي فرضتها الدراما السورية دفعت المصريين لإعادة النظر في الكثير من التفاصيل التي تتعلق بصناعة العمل الدرامي، وأذكر أننا منذ حوالي الأربع أو الخمس سنوات استطعنا إقناع أحد المنتجين في مصر بتصوير مسلسل "أولاد الليل" بطريقة سينمائية - بكاميرا واحدة- وتلك التجربة بكل ما لها وما عليها خلقت اتجاهاً تبلور فيما بعد، لنراه بشكلٍ ممتاز في مسلسلات: الجماعة، أهل كايرو، وقصة حب.. وهذا يعني أن عدداً من المنتجين المصريين قرروا الاستعانة بخبرات السينما في هذه المرحلة، لتخرج الدراما المصرية بشكلها الفني من الإطار التقليدي باعتمادها على المنهج السينمائي، وأعتقد أن الباب سيفتح على مصراعيه في هذا الاتجاه خلال المواسم المقبلة.
- يربط البعض بين قلة أعمالك في الدراما السورية مؤخراً، واتجاهك للعمل في الدراما المصرية. فهل أغرتك مصر إلى هذا الحد؟ أنا بالأساس مقل في أعمالي، ولست ممن يكثرون من المسلسلات في الموسم الواحد. فمنذ بداية تجربتي الفنية لم أشارك في أكثر من عملين في العام، هذا إذا كان المسلسلين يتوجهان لشريحتين مختلفتين من الجمهور. وعلى سبيل المثال في الموسم 2008 لم أقدم أي عمل في مصر، في حين شاركت في مسلسلي "فنجان الدم"، و"أهل الراية"، ولديَ توق دائم للمشاركة في مسلسل سوري، ولم أتوقف عن قراءة النصوص التي تقدم لي، لكننا نعاني في سورية اليوم من تشابه النصوص والموضوعات، مما يدعوني للتريث قبل اتخاذ أي قرار. وأؤكد دائماً أنني أبحث عن الدور المميز في عمل جميل ومع مخرج جيد، أياً كان هذا المسلسل سورياً أو مصرياً، وهذا ما يحكم اختياراتي، بعيداً عن أي كلامٍ إقليمي في الفن.
-هل يمكن الاعتماد على الروايات العربية كنوعٍ من الحل لأزمة النصوص؟ بدون شك، فأنا اعتبر أن الرواية هي المعين الأساسي لدراما عربية ممتازة مستقبلاً، سواءً الروايات الشهيرة، أو ما يكتبه الروائيون الجدد، لأنها تمتاز في معظمها بمضامين عالية. ولكن في هذه الحالة قد نواجهه عدة مشكلات، منها اعتماد المحطات العربية لنمط المسلسل التلفزيوني المؤلف من ثلاثين حلقة، في حين يجب أن يكون تعداد الحلقات متناسباً مع الرواية المأخوذ عنها. كما يمكن أن يواجه هذا النوع من المسلسلات مشاكل في التمويل باعتبار أن بعض الروايات المغرية تحتاج إلى ميزانيات إنتاجية ضخمة، بالإضافة إلى المسألة الرقابية، فالرواية العربية اليوم تمتاز بنزعة واقعية عميقة جداً، وتغوص في تفاصيل الحياة الاجتماعية والسياسية العربية بشكلٍ قد لا يكون مقبولاً من وجهة نظر الجهات الرقابية في العالم العربي. ورغم أن هامش الحرية في المحطات أصبح أكثر اتساعاً اليوم مقارنة بالسنوات الماضية، إلا أن الكثير من الروايات العربية ما زالت تتجاوز الخطوط الموضوعة الآن، وهذا يتطلب مساحة أكبر من حرية التعبير، إذا كنّا نتطلع فعلياً لمستقبلٍ أفضل.
- لم نعد نشاهدك في المسلسلات التاريخية منذ سنوات بعد تألقك في الناصر صلاح الدين، وثلاثية الأندلس... هل خفّ بريق هذا النوع من الأعمال اليوم؟ العمل التاريخي بالنسبة لي ليس مجرّد أزياء، وشخصيّات تتحدث بالفصحى، مع إيراد بعض الأسماء والوقائع من التاريخ كما يجري في العديد من الأعمال التي تقدم اليوم، وكان لي الحظ في مرحلة من المراحل بالمشاركة في مجموعة من الأعمال التي قدّمت نوعاً من القراءة العميقة جداً لمحطات ومواقف وشخصيات تاريخية كان لها دور مؤثر جداً، ولا يزال دورها قائماً حتى الآن. وأنا أقول دائماً أن تاريخ العرب لم يصبح ماضياً، فهو يفعل فعله في حياتنا اليومية التي تُسمع فيها أصداء أصواتٍ قيلت قبل 1400 عام على الأقل، وكأنها قيلت صباحاً. ولطالما رأيت نوعاً من السذاجة في الطروحات التي اتهمت الأعمال التي قدمنّاها بالهروب من الواقع، أو صنّفتها في خانة الأعمال التراثية. ما زال للأعمال التاريخية الجيدّة جمهورها، وحتى الآن يستوقفني الكثير من الناس للسؤال عن الجزء الرابع من سلسلة الأندلس، إلا أن الأمر مرهون بتوفر الظرف المناسب لتقديم عمل جيد بهذا المستوى وفقاً للمعايير التي ذكرتها.
- هناك من يقول أن مشاريع المسلسلات التاريخية التي طرحت مؤخراً، يجري تنفيذها لصالح أجندات سياسية في المنطقة؟
أعتقد أن هذا الأمر بمنتهى الخطورة في حال كان صحيحاً، أما إذا كان المقصود بهذا الكلام مسلسل "الفاروق: عمر بن الخطاب" الذي يتم التحضير له حالياً فيمكنني التأكيد أن الدكتور وليد سيف كاتب المسلسل؛ أكبر من أن يضع نفسه في خدمة أي مشروع من النوع الذي تحدّثت عنه، وأعماله السابقة مع المخرج حاتم علي تدل على ذلك. وأُذكّر هنا بالطريقة التي تناول الدكتور وليد مسألة الصراع بين الخلافة الفاطمية، والخلافة البغدادية على خلفيةٍ طائفية، حيثُ قدّم قراءةً عميقةً جداً للموضوع يمكن أن تدّرس اليوم في أرقى كليات العلوم السياسية، وتغني عن الكثير من المحاضرات في هذا المجال.
- لماذا لم نعد نراك في مسلسلات من إخراج حاتم علي بعد مسلسل "ملوك الطوائف"؟
لا يوجد أي سبب غير نوعية المشاريع، فبعد المسلسل الذي ذكرتـَه لم يخرج حاتم علي أي مسلسل تطلب وجودي فيه، كما أنني وجدت نفسي في مجموعة من الأعمال التي لم يكن هو مخرجها، في النهاية لا يوجد أي عقد احتكار بيننا، وربما أتعاون معه في مشاريع مقبلة قريبة أو بعد سنوات. وتبقى تجربتي مع حاتم وهيثم حقي من التجارب الطويلة والرائعة جداً، والتي شكلت المتن الأساسي لرحلتي الفنية، وقدمنا خلالها عدداً من أجمل الأعمال الدرامية العربية التي تركت صداها الطيب في ذاكرة الناس. فحتى الآن تصلني ردود الفعل عن "الناصر صلاح الدين"، رغم أنه أنتج قبل تسع سنوات تقريباً، وكذلك الأمر بالنسبة لمسلسل "التغريبة الفلسطينية"، الذي يعتبر أفضل عمل تناول قضية الشعب الفلسطيني حتى هذا التاريخ.
- هل حسمت قرارك بخصوص مسلسل "أنا وصدام" ؟
مازال الخيار قائماً، وأؤكد هنا أنني لست من سيجسد شخصية صدام حسين في العمل، كما تناقلت بعض المواقع الإلكترونية، فهذه الشخصية ظهورها محدود جداً في العمل، في حين يمكن أن ألعب دور شخص التقى بـ صدّام في مرحلة من مراحل حياته، وهذا اللقاء كان له انعكاس كبير على حياة هذا الشخص.. لكن مسلسل "أنا وصدّام" ليس خياري الوحيد في الدراما السورية للموسم المقبل، فهناك خيار آخر.
- هل يمكن أن تطلعنا على ذلك الخيار؟
يعكف رافي وهبة حالياً على كتابة مسلسل بعنوان "ملفات مغلقة"، ويتناول أيضاً الوضع القائم في العراق بعد الغزو الأمريكي في العام 2003، ولكن من منظورٍ آخر، حيث يروي العمل قصة مجموعة صحفية ذهبت إلى العراق لإجراء مقابلة مع إحدى الشخصيات المطلوبة على مستوى عالمي، وحينما ينجح الصحفي في ذلك يحدث ما لم يكن بالحسبان، حيث تقع المجموعة في منطقة صراع بين قوى مختلفة (الأمريكان، والقاعدة، والعراقيين)، مما يضع الصحفيين العزل في ورطة حقيقية، ويصبحون ملاحقين من قبل الجميع. وهذا المسلسل أيضاً من إخراج الليث حجو.
- إذاً بوصلتك هذا الموسم تتجه إلى المخرج الليث حجو، ولكن ما الذي سيحسم خيارك بين هذين المشروعين؟ الليث مخرج مهم جداً، وكنت سعيداً جداً بالعمل معه في مسلسل "فنجان الدم". والمشروع الذي سيكون جاهزاً قبل غيره سنباشر في تنفيذه، فالعملين مهمين، وكلا الكاتبين، عدنان العودة، ورافي وهبة، لديهما حساسية عالية جداً في الكتابة، ويحتاجان لأن يأخذا وقتهما في ذلك.
وختاما، وحتى تاريخ إجراء هذه المقابلة كان الفنان جمال سليمان بانتظار التعديلات على سيناريو المسلسل المصري "قطار الصعيد" للكاتب فايز رشوان، والمأخوذ عن رواية ليوسف القعيد، ووصف فكرة المسلسل بالجميلة للغاية، وتتحدث عن جريمة قتل تحدث في المشهد الأول، وكيف يقود الكشف عن ملابسات هذه الجريمة إلى عوالم مجهولة، وكأنها ألقت الحجر في مستنقعٍ راكد، خاصة أن التحقيق يجري على مسارين، ومن منظورين مختلفين تماماً: أحدهما صحفي، والآخر جنائي. ويتطرق العمل للكثير من القضايا الإنسانية والاجتماعية الراهنة، ويكشف لنا أننا نرى الأماكن دائماً تبعاً للباب الذي دخلنا منه. في حين تناقلت الصحافة العربية مؤخراً خبراً عن تأجيل هذا المشروع للعام المقبل، بينما يتم الإعداد حالياً لمسلسل "الشوارع الخلفية" عن قصة الروائي المصري عبد الرحمن الشرقاوي، ليكون على لائحة خيارات جمال سليمان للموسم الرمضاني المقبل، وسيكون المسلسل من إخراج جمال عبد الحميد.