CNN CNN

كندة علوش: عايشت بثورة مصر تجربة نادرة

أجرى اللقاء: محمد الأزن
الأحد، 11 كانون الأول/ديسمبر 2011، آخر تحديث 15:46 (GMT+0400)
الممثلة السورية كندة علوش
الممثلة السورية كندة علوش

 دمشق، سوريا (CNN) -- عاشت الممثلة السورية كندة علوش وقائع الثورة المصرية في أيامها الأولى، قبل أن تضطر لمغادرة مصر تحت ضغط قلق الأهل في سوريا.

وقالت في مقابلةٍ خاصة مع CNN بالعربية، إن ما حدث في مصر وتونس يعتبر حدثاً تاريخياً غيّر طريقة تفكير المواطن العربي، أما الخسائر والأزمات المادية التي قد تعانيها مصر بسبب الأحداث التي جرت مؤخراً، فلا تقاس بحجم المكاسب التي حققها الشعب المصري.

وعلى صعيد شخصي، توقعت كندا النجاح لفيلمها المقبل (الفاجومي)، الذي يروي سيرة حياة الشاعر أحمد فؤاد نجم، باعتباره أحد أبرز ملهمي ثوّار "ميدان التحرير".

وفيما يلي نص المقابلة:

- وسط انشغالاتك الفنية ومشاريع التصوير... كيف تفاعلتي مع أحداث الثورتين التونسية والمصرية؟

كنّا نمارس نشاطنا بشكلٍ طبيعي في مصر، حينما بدأت وقائع الثورة التونسية،  وتابعت أخبارها أولاً بأول عبر وسائل الإعلام، وكان الأمر مفاجئاً بالنسبة لي، باعتباره يمثل تطوراً كبيراً على صعيد شكل تفكير المواطن العربي، وكيف بدأ يعبّر عن نفسه بجرأةٍ غير مسبوقة. إلا أن أحداً لم  يتوقع أن تمتد الأحداث بهذه السرعة إلى مصر، رغم أن الظروف التي كان يعيشها المواطن المصري لم تكن أقل سوءاً من الأحوال في تونس على مستوى الفقر والظروف المعيشية السيئة، واستمرار النظام في الحكم لعشرات السنين. ثم أتى يوم الخامس والعشرين من يناير لتتوالى الأحداث على نحوٍ مفاجئ للكثيرين.. فميدان التحرير بالقاهرة أخذ يمتلئ بالمحتجين، وكذلك الأمر في مدنٍ مصريةٍ أخرى، لتكون المظاهرات في أكبر حالاتها خلال ثلاثة أيام، ويوم الجمعة 28 يناير كان يوم تصوير عادي بالنسبة لي، وكنت وقتها أصور دوري في فيلم (المصلحة) من إخراج ساندرا نشأت.. إلا أن المواجهات التي حدثت في ذلك اليوم، وما تلاها من أحداثٍ دامية، وبدءٍ حظر التجوال في اليوم ذاته أدى إلى توقف أشغال الناس كلها، حيث أخذت الحياة منحى آخر، وانقسم الناس بين معارض للسلطة ومؤيدٍ لها، وتغيّر وجه مصر منذ ذلك التاريخ.

- ما هي الظروف التي غادرت فيها القاهرة؟

بالنسبة لي لم يكن هناك شيء يدعو للخوف، فالمنطقة التي كنت أعيش فيها كانت آمنةً نسبياً، في حي (الدقي)، كما أتاحت لي الظروف أن أتابع عن قرب تجربة إنسانية غنية ونادرة في عالمنا العربي.. تجربة شعب عبّر عن نفسه ومطالبه دون أن يخشى القمع.. والشباب الذين احتشدوا في ميدان التحرير كانوا يمثلون طبقة مثقفة وواعية، وهذا الأمر بحد ذاته يدعو للتفاؤل.. ثم بدأت مظاهر الانفلات الأمني، وهروب المساجين، والاختفاء التام لعناصر الشرطة، مما أثار الكثير من علامات الاستفهام في مدينةٍ كبيرة كالقاهرة، يصل عدد سكانها إلى 20 مليون نسمة، ولا ترى فيها بين عشيةٍ وضحاها أي عنصر من عناصر الأمن.. وفي مواجهة الخوف الذي شعر فيه الناس بدأت اللجان الشعبية، التي تشكلت في مختلف مناطق المدينة، بحراسة البيوت، وتنظيم المرور، لنعيش شكلاً من أشكال التكافل الاجتماعي لم أشهد مثله في حياتي، إلا أنني اضطررت للمغادرة تحت ضغط قلق الأهل في سوريا، ولو كان الخيار لي لما غادرت مصر.

- ومتى عدت إلى دمشق؟

 بعد حوالي عشرة أيام من بداية الأحداث، ولم يكن الأمر بهذه السهولة، فالمسافرين في مطار القاهرة كانوا في حالةٍ يرثى لها، وسط عدم انتظام الرحلات، وتكدس الناس. فكثيرون قضوا عدة ليالي في المطار قبل أن يتمكنوا من السفر، حتى أنا لم أنجح في المغادرة من المحاولة الأولى، حيث قضيت مع زوجي عدة ساعات في المطار، ثم أعدت المحاولة بعد يومين.. والحقيقة أن الكثير من الجاليات الموجودة في مصر شهدت معاناة حقيقة قبل أن يتسنى لها العودة إلى أوطانها، وكان الانتظار سيد الموقف.

- مسلسل (أهل كايرو) الذي كنت إحدى بطلاته في الموسم 2010؛ تحدث عن فساد الطبقة السياسية في مصر، وزواج المال بالسلطة، فهل يمكن اعتبار هذا المسلسل نوعاً من الاستشراف لما حدث مؤخراً في (أم الدنيا)؟

مسلسل (أهل كايرو) للكاتب بلال فضل؛ الصحفي والسيناريست المعروف، وهو أحد المثقفين القريبين جداً من هموم الشارع المصري وتجربته الحياتية، فلا أستبعد أنه قرأ ما يمكن أن يحدث في مصر، وتنبأ بأن تلك المشكلات التي عانى منها الشعب المصري على مدى سنوات ستؤدي إلى الانفجار الشعبي الذي حصل في 25 يناير.. حتى أن بلال وبطل المسلسل الممثل خالد الصاوي، والمخرج محمد علي، كانوا من أنشط المتظاهرين في ميدان التحرير منذ اليوم الأول، واعتقد أن صدق الطرح في هذا العمل هو أهم أسباب نجاحه الكبير في مصر قبل الوطن العربي.

- بالعودة إلى عملك الفني، ما هي المشاريع التي بدأت تصويرها في مصر قبل الثورة؟

كنت بصدد تصوير ثلاثة أفلام؛ الفيلم الأول بعنوان (بارتيتا) إخراج شريف مندور، ويشاركني بطولته كلأ من عمر يوسف، أحمد السعدني، وأحمد صفوت، وانتهينا منه تقريباً، وبقي عدد قليل من أيام التصوير، كما أن المونتاج في مراحله النهائية. كما صورت جزءاً صغيراً من دوري في فيلم (المصلحة)، للمخرجة ساندرا نشأت، وهو أول فيلم يجمع بين أحمد السقا وأحمد عز، بالإضافة إلى عدد كبير من النجوم، بينهم حنان ترك، صلاح عبد الله، زينة، والنجم السوري عابد فهد، وأجسد فيه شخصية فتاة لبنانية تتزوج من تاجر مخدرات. والفيلم الثالث هو (الفاجومي) الذي يروي سيرة حياة الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم، ويجسّد شخصيته خالد الصاوي، بينما يؤدي صلاح عبد الله دور رفيق دربه (الشيخ إمام)، أمّا أنا فألعب دور الكاتبة والناقدة (صافيناز كاظم) إحدى زوجات نجم.. وأتوقع أن يحظى هذا الفيلم بإقبال جماهيري كبير باعتباره يسلط الضوء على شخصية ثورية جداً في مرحلة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، والأحداث الأخيرة أثبتت أن تأثير هذا الشاعر في وعي الشارع المصري والعربي مازال قائماً إلى الآن، حيث كانت أغاني الشيخ إمام، وأشعار نجم حاضرةً بقوة في ميدان التحرير، ويفترض أن يكون الفيلم جاهزاً للعرض أوائل الصيف المقبل.. كما انتظر بدء تصوير فيلم (واحد صحيح) من بطولة الممثل هاني سلامة، وتأليف تامر حبيب.

- هل تتوقعين أن تتعرض صناعة الدراما في مصر لأزمة بسبب الظروف الراهنة، باعتبارها مرتبطة برجال الأعمال الذين يواجه الكثير منهم مصيراً مجهولاً حالياً؟

لا أعتقد أن هناك خوف على المشاريع التي بدأت بالفعل، في حين قد تتعطل بعض المشاريع الأخرى التي لم يتم البدء بتصويرها حتى الآن، لأنه من المتوقع أن تمر مصر بأزمة اقتصادية قد يتعذر معها استئناف بعض المنتجين الذين لا يقفون على أرضية صلبة لمشاريعهم. لكن باعتقادي أن الشعب الذي قاد ثورة بهذه الإرادة والإصرار، واستطاع تحقيق جزء كبير من مطالبه قادر على الوقوف بوجه هذه الأزمة. ومن وجهة نظري فإن المكاسب العظيمة التي حققتها هذه الثورة من تطور في وعي المواطن المصري والعربي، وإدراكه لحقوقه وجرأته بالدفاع عنها تفوق أي خسائر قد يتعرض لها أي قطاع فني أو اقتصادي أو غيره، باستثناء الخسائر في الأرواح، والتي لا تقدر بثمن، فهذه الخسارة الوحيدة التي يستحيل تعويضها.

- إذاً كنت تستعدين للمزيد من الظهور السينمائي في مصر خلال الموسم المقبل، هل هذا يتعلق بخياراتك الشخصية أم بطبيعة المشاريع التي عرضت عليك؟

أعتبر نفسي من الممثلات المحظوظات، لأنني حظيت ببطولة العديد من الأفلام السينمائية خلال وقتٍ قصير نسبياً.. ففي رصيدي اليوم عشر أفلام. أنا أحب السينما، وأعتبر الممثلين السوريين محرومين من هذه النعمة، فصناعة الدراما السورية تركز على الأعمال التلفزيونية، وأعتقد أن إطلالاتي السينمائية في مصر أو غيرها من البلدان العربية ستغني مسيرتي الفنية على نحو أكبر، خاصةً أنني شاركت مؤخراً في فيلم لبناني- إيراني مشترك بعنوان (جنوب السماء) للمخرج جمال شورجيه، ويتناول الفيلم حرب تموز 2006.

- ما سبب اعتذارك عن مسلسل (فرقة ناجي عطا الله) مع النجم عادل إمام؟

لا تقاس الأمور بهذا المقياس، أعتبر نفسي محظوظة بمجرد ترشيحي من الأستاذ الكبير عادل إمام للمشاركة في بطولة مسلسله الجديد (فرقة ناجي عطا الله) للمخرج المعروف رامي إمام، وشعرت بسعادةٍ كبيرة لذلك.. ولكن كان من المستحيل التوفيق بين مواعيد تصوير أفلامي التي اتفقت عليها مسبقاً، ومواعيد تصوير المسلسل الذي بدأ تصويره فعلياً منذ حوالي الشهر، بما يتطلبه من تفرغٍ كامل، وسفرٍ طويل.. هذا كان قراري ولا أحب أن أندم على قرار اتخذته.

- عوداً على بدء... كيف عرفت كندة علوش طريق مصر؟

البداية مع فيلم (ولاد العم) للمخرج الكبير شريف عرفة، حينما زار سورية واختارني لأداء دور الفدائية الفلسطينية (دارين) إلى جانب كريم عبد العزيز، فكانت إطلالتي الأولى على الجمهور والوسط الفني المصري من خلال هذا الفيلم.. ثم رشحني المخرج محمد علي للمشاركة ببطولة (أهل كايرو) إلى جانب خالد الصاوي ليكون مدخلاً جيداً جداً للعمل في مصر، باعتباره من الأعمال القليلة التي حققت نجاحاً كبيراً على المستوى النقدي والجماهيري. وبعد هذا المسلسل حظيت بالعديد من المشاريع التي كان من الصعب رفضها، بوصفها أعمال مهمة، وأرجو أن تلاقي الصدى الطيب عند المشاهدين.

- ما هي العوامل التي تجعل الدراما المصرية تستقطب نجمات عربيات ليحققن نجاحاً باهراً وقياسياً، مقارنةً بغيرها من الأعمال الدرامية العربية؟

ربما يعود السر إلى أن القائمين على صناعة الدراما المصرية يعطون فرصةً أكبر للمواهب الجديدة مقارنةً بأي بلد عربي آخر.. أنا بدأت عملي الفني من سوريا وأبدو غيورةً جداً على نجاح الدراما السورية، لكّن صنّاع الدراما السوريين يتريثون جداً في هذا الأمر، لتجد أن بطولات المسلسلات محصورة بعددٍ محددٍ من الأسماء الكبيرة التي أحترمها، لكنها في المحصلة ثلاثة أو أربعة أسماء (ذكور وإناث) من كل جيل يشكلون القاسم المشترك لكل الأعمال، ولا يتجرأ المنتج أو المخرج السوري على التحرك خارج نطاق هذه الأسماء، التي أصبحت تشكل نوعاً من الدوائر المغلقة.. وبالمقابل يمكن أن تعطى في مصر بطولة عمل ضخم جداً لممثل قد لا يكون معروفاً بالنسبة للجمهور المصري، كما حدث مع الممثل الأردني إياد نصّار، في مسلسل (الجماعة)؛ أضخم وأهم الأعمال المصرية إنتاجياً للموسم 2010. وأعتقد أن من راهن على نجاح  إياد في هذا الدور كسب الرهان بشكلٍ واضح، بعد النجاح الذي حققه المسلسل، وهذا ما حدث تماماً معي ومع الممثلة المصرية رانيا يوسف، في مسلسل (أهل كايرو) حينما أسندت الأدوار النسائية الأساسية في العمل لممثلتين غير معروفتين على المستوى الجماهيري في الشارع المصري.. من المهم إذاً رفد الدراما العربية بدماء وكوادر ووجوه جديدة، كي لا نقع في فخ الإفلاس.

- بالمقابل إلى أي حد تلعب الصحافة في خلق علاقة متوترة بين النجمات السوريات المعروفات في مصر؟

علاقتي مع الصحافة المصرية جيدة جداً، كما هي مع الصحافة السورية.. لكن لابد من بعض المواقف التي قد تخلق حساسيات، حينما كتب في أحد المانشيتات أن كندة علوش تتفوق على سلاف فواخرجي وجومانا مراد في مصر، ولست متأكدة إن كان الصحفي مصرياً أم لا، لكنني نشرت خبراً في اليوم التالي، وفي ذات الموقع قلت فيه؛ (إنني لم أذهب لمصر لكي أنافس أو أتفوق على النجمات السوريات في مصر أو حتى المصريات، أنا أتيت لأؤدي دوراً عرض عليّ، أحببته، وحاولت أن أقدمه بأفضل شكل).. وأكرر ما قلته سابقاً بأنه لولا الحضور الراقي والمحترم للفنانة والفنان السوري ممن سبقوني في مصر، لما كنت ذهبت أصلاً إلى هناك.. لذلك فأنا مدينة لهم برسمهم صورة راقية ومتحضرة للفنان السوري، وأرى أنه حان الوقت كي نتخلص من حكاية مصري وسوري، ودراما مصرية ودراما سورية، ومصطلحات مثل: (هجوم، هجرة، وإلغاء...)، ولنستبدلها بالتعاون، والأعمال المشتركة.

- في ختام هذه المقابلة ماذا تريد أن تقول كندة علوش؟

أريد أن أوجه تحية لروح المخرج السوري الكبير عمر أميرلاي، الذي غيبّه الرحيل مؤخراً، وكان خبر وفاته مؤلماً جداً بالنسبة لي.. أنا عرفت هذا المخرج كقامةٍ كبيرة على المستوى الفني والإنساني، ومتواضعٍ جداً، رغم إنجازاته الكبيرة، وفي غاية القرب من أوساط الشباب الذين درّس الكثير منهم، ونهلوا من فنّه وخبرته باعتباره من كبار المخرجين السينمائيين التسجيليين على مستوى الوطن العربي والعالم.. واعتقد أنه بكّر في الرحيل قبل أن يقول الكثير من الأشياء التي أراد قولها.. وأشعر بالأسف لأننا لا نولي مبدعينا في العالم العربي الاهتمام الكافي، وغالباً ما نتأخر في تكريمهم، في وقتٍ يحظى فيه نجوم الدراما بحجمٍ من التكريم قد يكون مبالغاً فيه أحياناً.. رحيل عمر أميرلاي يدق جرس الإنذار لإيلاء اهتمامٍ أكبر بمبدعينا قبل فقدانهم. وأوجه نداءً من خلالكم لكل السلطات العربية للاهتمام بكتّابنا، ومبدعينا، وروائيينا قبل أن يغيبهم الرحيل.