دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- مع دخول ليبيا عتبة مرحلة جديدة بدأت مع سيطرة الثوار على العاصمة طرابلس، وتحول العقيد معمر القذافي إلى شخص مطارد ومجهول محل الإقامة، فإن الأسئلة الجدية بدأت تطفو على السطح، وتتمثل في مدى قدرة المجلس الوطني الانتقالي على قيادة التغيير الديمقراطي، وتجنيب البلاد حالات صراع قبلي صومالية، أو فساد مدمر عراقية، إلى جانب إمكانية التوفيق بين القوى العلمانية والتوجهات الإسلامية.
ويبدو أن أعضاء المجلس الوطني الانتقالي والهيئات المنبثقة عنه يدركون حجم التحديات والحساسيات التي قد تنفجر في وجه الجميع إن لم يتم التعامل معها بشكل جيد، وهو بالفعل ما قاله محمود جبريل، رئيس المكتب التنفيذي في المجلس، عندما جزم بأن الليبيين: "انتقلوا من الجهاد الأصغر للجهاد الأكبر من أجل الحفاظ على نصاعة الثورة ووجهها أمام العالم كثورة شعب حضاري من اجل الحرية."
ومن الأمور التي دفعت جبريل، وكذلك رئيس المجلس الوطني، مصطفى عبدالجليل، لإطلاق هذه التحذيرات، حصول عمليات انتقام ضد بعض المتعاطفين مع القذافي.
ولكن منصور الكيخيا، مدير قسم العلوم السياسية والجغرافيا في جامعة تكساس، اعتبر أن حصول مثل هذه العمليات مسألة طبيعية في ليبيا بسبب ما اقترفه النظام السابق، وقال في هذا الإطار: "إذا قام شخص ما بوضعك في السجن وتعذيبك فإنك ستتذكره،" منبهاً إلى صعوبة السيطرة على جميع من يحمل السلاح.
وتابع الكيخيا، الذي قال لـCNN إنه على اتصال بأعضاء في المجلس الوطني: "هناك الكثير من الكراهية، ولكن من الضروري حصول محاكمات عادلة، والمجلس يعتزم بالتأكيد تطبيق القانون، وهذا الأمر سيعجب الشعب الليبي لأنه يفتقد حكم القانون منذ 40 سنة، فالمشكلة لم تكن في قوانين القذافي، بل في واقع أنها لم تكن تطبق على الأرض."
وعن الصورة التي يرى ليبيا عليها بعد ستة أشهر، قال الكيخيا، الذي قرر زيارة طرابلس الشهر المقبل لأول مرة منذ 30 سنة: "ستكون أفضل بكثير مما هي عليه اليوم.. فعلى الأقل سيكون هناك بعض النظام والقانون، كما سيكون هناك شيء من المحاسبة وأشكال من الأطر الدستورية التي يمكن لها أن تقوم بالمحاسبة."
وحول مستقبل العملية السياسية، قال الكيخيا إن المجلس الوطني الانتقالي يعمل على مسودة دستور تعتمد بشكل كبير على الدستور الذي كان سائداً قبل وصول القذافي إلى السلطة، متوقعاً أن يستمر المجلس في قيادة الأمور لمدة لا تقل عن تسعة أشهر، يصار بعدها إلى إجراء انتخابات.
أما الخيار الثاني فيتمثل في أن يعلن المجلس خلال الأيام المقبلة حل نفسه، ويقوم بالدعوة لانتخابات عامة تنبثق عنها حكومة جديدة. وفي واقع الأمر فإن هناك بعض المحاذير من استمرار المجلس الوطني بقيادة البلاد لفترة طويلة باعتبار أنه غير منتخب، كما أن معظم أعضائه من المناطق الشرقية، ما قد يولد بعض الجدل.
من جانبه، قال عمر تربي، وهو إداري كبير في شركة للكمبيوتر بالولايات المتحدة، وعلى اتصال بالمجلس الوطني، إن قيادته ترغب في تأسيس قناة تلفزيون وشبكة إذاعة بهدف "الترويج للديمقراطية."
كما توقع تربي أن يصار إلى توسيع المجلس بحيث يشمل 200 شخصية لضمان أفضل تمثيل وطني.
غير أنه رجح بألا تنضج عملية التحول الديمقراطي في ليبيا قبل عامين على أقل تقدير، وقال لـCNN: "لا يمكن الانتقال من نظام غير ديمقراطي إلى آخر ديمقراطي خلال أقل من 24 شهراً، وأعتقد أنه يمكننا التعايش مع هذا الأمر."
ورأى تربي أن العامل الرئيسي في الفترة المقبلة سيكون تشكيل هيئة من رئيس و14 وزيراً مهمتها الاتصال بالموظفين الكبار ومن يوصفون بـ"التكنوقراط" للمساعدة على إدارة البلاد بالفترة المقبلة.
وقال إن معظم هؤلاء يتمتعون بالنزاهة والمصداقية، ويمكنهم إعادة تشغيل المرافق الأساسية مع الكهرباء والماء والمطار والميناء والاتصالات، وتأسيس المصالحة بين القبائل.
وقلل تربي من أهمية العامل القبلي، الذي قال إنه لم يؤثر حتى الساعة على الواقع في ليبيا، مضيفاً أن جميع القبائل مشاركة في ما يجري.
كذلك بدا عصام عميش، رئيس اللجنة السياسية للمجلس الليبي في أميركا الشمالية، متفائلاً حيال الوضع في بلاده، فقال إن المجلس الوطني وافق على توسيع عضويته لضم ممثلين عن "المدن المحررة حديثاً،" وسيقوم بتعيين لجنة متخصصة لوضع دستور جديد، وسينجز انتخابات عامة.
وقال عميش إن مصطفى عبدالجليل يتوقع استمرار الفترة الانتقالية ما بين 10 إلى 15 شهراً، مضيفاً أن الدستور الجديد سيجعل الدين الإسلامي "أحد مصادر التشريع"، وليس "المصدر الوحيد."
ولكن في ندوة حوارية جرت بيوليو/تموز الماضي، وضع فاضل لامين، مدير المجلس الأمريكي- الليبي، ظلالاً من الشك حول المستقبل، ولفت إلى حجم التحديات التي تواجه المجلس الوطني الانتقالي خلال الفترة المقبلة.
وقال لامين إن المجلس يتكون من ممثلين عن جماعات صغيرة، ولكل منها برنامجه الخاص، ما يمكن أن يخلق بعض التناقضات، كما رجح لامين بروز نفوذ هيئات تمثيلية أخرى، كالمجالس المحلية الموجودة في بنغازي ومصراتة وبعض المدن في البلدات الأخرى.
ولفت لامين إلى وجود جهات قد تنازع المجلس الوطني على "شرعيته الثورية،" وبينها "تحالف 17 فبراير" المكون من عدد من المحامين والناشطين.
كما أشار إلى حضور إسلامي في الساحة من خلال جماعة الإخوان المسلمين، ولكنه اعتبر أن وجودهم محدود الحجم، ولكنه شديد التنظيم.
وقال لامين: "الإخوان في ليبيا يميلون إلى الاتجاه المحافظ، وهو أقرب إلى نظرائهم في مصر، ويختلفون بالتالي عن الفرع التونسي الأكثر ليبرالية."
وعدد لامين مجموعات وشرائح أخرى قد يكون لها دور كبير في المرحلة المقبلة، وبينها العناصر السابقة في نظام القذافي، والهيئات النقابية وكبار التكنوقراط من العهد السابق وعناصر من الجيش والمجالس الثورية المختلفة.
وفي كل الأحوال، فإن الشعب الليبي يراهن على إمكانية تجاوز هذه المرحلة بسلام، والعبور نحو إطار ديمقراطي ينهي التجربة السابقة، غير أن الهاجس الأمني سيبقى حاضراً - إلى جانب الهواجس الأخرى - خاصة إن قرر القذافي وأنصاره اللجوء إلى خيارات عسكرية عبر حرب عصابات طويلة.