القاهرة، مصر ( CNN)-- وصف الدكتور أحمد عكاشة، الرئيس السابق للاتحاد الدولي للطب النفسي، ظاهرة الانتحار المتتالية بأنها "صرخة للاحتجاج."
وقد شهدت مصر خلال الأيام الأربعة الماضية نحو تسعة محاولات للانتحار، عن طريق إشعال النار في أنفسهم، نجا ثمانية منهم، فيما توفي آخر بالإسكندرية.
وقال عكاشة لموقع CNN بالعربية، "إن محمد البوعزيزي تحول إلى قدوة ونموذج للشباب المحبط،" مشيرا إلى أن هناك أنواعا كثيرة من الانتحار تكون بصورة غير مباشرة، ضاربا المثل بالذي يجمع أموالا ليسافر إلى أوروبا عن طريق البحر، وهو يعلم أن نسبة غرقه تتعدى 50 في المائة.
ولم يستبعد عكاشة أن ترتبط أسباب الظاهرة بالمرض النفسي، معتبرا أن المنتحرين على طريقة البوعزيزي يريدون توصيل رسالة لأصحاب القرار السياسي بأن هناك أزمة في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.
وطالب عكاشة المسؤولين بعمل مقياس لجودة الحياة ومدى سعادة الناس وإحساسهم بالأمان في حياتهم وتعليمهم ومسكنهم بدلا من التشدق بارتفاع معدلات النمو.
من جانبها، قالت الباحثة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية، الدكتورة أمنية عبد الحميد، "إن ظاهرة إقدام المصريين على الانتحار ليست بجديدة، بل أن هناك سوابق عديدة جرت في الماضي، ولكنه لم يلفت نظر البعض، وهذا يعود بالدرجة الأولى إلى شعورهم بفقدان الأمل في حياة كريمة، بعد معاناتهم الشديدة في أغلب الوقت."
وأضافت عبد الحميد، "أن الظروف المعيشية الصعبة التي يشعر بها أغلب المصريين، أشعرتهم بالإحباط، ووجدوا أن الانتحار هو نوع من التعبير عن غضبهم، في ظل الفقر الذي يعانيه الغالبية العظمى من الشعب المصري."
وأشارت الباحثة عبد الحميد، إلى أن طموح المصريين وصل إلى أدنى درجاته في السنوات القليلة الماضية، وظهر ذلك جليا في بحث قام به المركز القومي للبحوث الاجتماعية مؤخرا حول أحلام المصريين، وضمت شريحة البحث ثلاثة ألاف مواطن من طبقات اجتماعية مختلفة، وتبين أن الغالبية العظمى من شريحة البحث تحلم بكوب ماء نظيف، وركوب وسيلة مواصلات آدمية، وتوصيل الكهرباء.
وأكدت الباحثة عبد الحميد على أن "هبوط سقف الطموح للشعب المصري لهذه الدرجة ليس في صالح المجتمع بشكل عام، خاصة وأن الإحباط عندما يصل لأي مجتمع، فإنه سيؤثر سلبا على الحياة العامة، وكان من نتيجة ذلك إقدام عدد من المصريين على الانتحار الذي يحرمه الدين."
ولفت نظر عبد الحميد، أن المصريين أقدموا على التخلص من حياتهم، برغم أن طبيعة المصري متدينة بشكل عام، وبالتالي "فأن تخليه عن تدينه معناه أنه فقد الرغبة في الحياة، وكفر بكل شيء، وهو مؤشر خطير للمجتمع المصري."
من جانبه، طالب عضو مجمع البحوث الإسلامية، الشيخ محمود عاشور، الدولة بالإسراع في تلبية حاجات الناس حتى يسدوا الطريق على المنتحرين، مستنكرا محاولات الانتحار، رغم ما وصفه بـ " تحسن مستواهم المعيشي."
ووصف عاشور من "ساهم في دفع الناس إلى الانتحار هو مجرم وآثم،" مشددا على ضرورة إتباع الطرق السلمية لقضاء الحاجات، وتنفيذ المطالب، مؤكدا على أن المصالح الحكومية سوف تستجيب وستستقيّم الأمور.
وكانت مؤسسة الأزهر، التي ينظر الكثيرون إليها على أنها إحدى أرفع المؤسسات الدينية السنية في العالم، قد أصدرت فتوى ضد ظاهرة إضرام النار في النفس، والتي تكررت في مصر والجزائر وموريتانيا ودول أخرى، تمثلاً بما فعله الشاب التونسي، محمد البوعزيزي.
وقال المتحدث الرسمي باسم الأزهر، السفير محمد رفاعة الطهطاوي، الثلاثاء، إن القاعدة الشرعية العامة "تؤكد أن الإسلام يحرّم الانتحار تحريما قطعيا لأي سبب كان، ولا يبيح للإنسان أن يزهق روحه كتعبير عن ضيق أو احتجاج أو غضب."
وأضاف المتحدث باسم الأزهر: "لا يمكن للأزهر أن يعلق على حالات الأشخاص الذين يقومون بحرق أنفسهم، باعتبار انه ربما يكون هؤلاء في حالة من الاضطراب العقلي أو الضيق النفسي اضطرهم إلى فعل ذلك وهم في غير كامل قواهم العقلية، ولا نستطيع أن نحكم عليهم وأمرهم إلى الله وندعو لهم بالمغفرة."